الحرب التجارية "الترامبية" لا تزال من باب المبالغة الخطابية

الحرب التجارية "الترامبية" لا تزال من باب المبالغة الخطابية


08/08/2018

برنار سالانييه


في نقاط ومسائل محددة، لا يجانب تنديد دونالد ترامب بما تلحقه الاتفاقات التجارية الدولية بالولايات المتحدة من إجحاف، الصواب. فعندما تشكو الولايات المتحدة الخفة التي يتحايل بها الصينيون على قواعد نقل الملكية الفكرية، فهي لا شك محقة في شكواها. ولا تتورع الدول في سبيل دخول الأسواق عن التزام تنازلات باهظة التكلفة لا تتقيد بها عملياً. ولكن تصريحات ترامب الحادة والطاعنة في أوروبا وكندا والمسكيك، وتهمة هذه الدول بخداع الولايات المتحدة من طريق قسرها، لا يعلم أحد كيف، على توقيع اتفاقات مجحفة- التصريحات والتهمة هذه من العسير فهمها. فليس ثمة واقعة موضوعية واحدة تسوغ زعم ترامب أن «ألينا» (وهو معروف بالإنكليزية بـ «نافتا»: اتفاق كندا والولايات المتحدة والمكسيك على التجارة الحرة) لا يراعي مصالح بلده. ومنذ الحرب العالمية الثانية، وفي أثناء الحرب الباردة، بادرت الولايات المتحدة على الدوام إلى إرساء نظام ليبرالي دولي، وقايضت ذلك بتنازلات ارتضتها وعادت عليها بمكاسب.

وهجس ترامب باختلال الميزان التجاري الأميركي حجة مركنتيلية وحمائية فضحها آدم سميث في القرن الثامن عشر... فالتبادل بين بلدين يفترض عجزاً في كلا البلدين. والظن أنني إذا اشتريت منك فوق ما تشتري مني أدى ذلك إلى زيادة ربحك على ربحي، لا يستقيم. فأنا حين أذهب إلى السوبرماركت لأتبضع، لا أحسب أنه (السوبرماركت) يستغلني أو يستغفلني! وبعض الدول تستثمر أو توفر بعضها أكثر من بعض أو أقل. وكلما استمرت الولايات المتحدة على الاستثمار فوق ما توفر، استمر عجزها التجاري. واتفاق ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، على إلغاء الحواجز الجمركية وإرساء تبادل حر تام لا يتجاوز إعلان نوايا. فالأوروبيون، على نحو ما يعلم ترامب حق العلم، ليس في مستطاعهم إلغاء هذه الحواجز، ولا يريدونه أصلاً نظراً إلى تكلفته التي لا يطيقون تحملها. ومَثل الرئيس الأميركي الأعلى ليس عالم تبادل حر بل هو عالم تسوده حدود متينة، تجارياً وعلى صعيد الهجرة.

والسياسة الحمائية في عالم يصنع قطع شاحنة فورد الأميركية خارج الولايات المتحدة، غير واقعية وتثير القلق. والسؤال يتناول دواعي ترامب إلى قول ما يقول. والحق أن الكل يجهل هذه الدواعي جهلاً تاماً. فتصريحاته تصوره على المسرح الدولي في صورة «القبضاي» [في العامية اللبنانية والسورية]، وهو قد يقنع ببعض التنازلات التي تخوله التباهي أمام ناخبيه. والاحتمال الآخر هو أن ترامب متمسك بشروطه ولا يتورع عن خوض نزاع ثقيل الكلفة على الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأميركي.

وإلى اليوم، قد تكون الزراعة أكثر القطاعات الأميركية تضرراً نتيجة سياسة ترامب. وحصل المزارعون الأسبوع الماضي على مساعدة عاجلة بـ12 بليون دولار أقرتها الإدارة. وقد تشكو بعض الشركات الكبيرة، مثل دايملر وهارلي ديفيدسون وميدكونتينانت نايل كورب...، نتائج الحرب التجارية، إلا أن الاقتصاد الأميركي في ذروة الازدهار. ويتستر الظرف على نتائج السياسة الرئاسية والأرجح أن تظهر هذه النتائج للعيان على أمد متوسط إذا مضت الإدارة على نهجها ورفعت التعرفات الجمركية.

وتتوقع «تاكس فونديشن» أن يخسر النمو الأميركي نصف نقطة (0.47)، و364 ألف وظيفة، إذا رفعت فعلاً التعرفات الجمركية التي يهدد الرئيس برفعها. ولكن التوقع منذ اليوم مبكر، لا سيما في ضوء تشابك أجهزة الأنتاج المتناثرة المواضع والبلدان. ويلاحظ أن الاحتياطي الفيديرالي (المصرف المركزي) ينوي رفع سعر الفائدة قريباً، على ما يقضي تحسن الاقتصاد العام. ويؤدي رفع سعر الفائدة إلى إضعاف النمو، وقد يقلق الشركات الهشة. وينبغي فهم عبارات مثل «تعرفات عقابية» و «حرب تجارية»، على نحو مقارن ونسبي. فالناتج الإجمالي المحلي الأميركي يقل قليلاً عن 20 ألف بليون (20 تريليون) دولار. وتبلغ الصادرات، سلعاً وخدمات، نحو 2400 بليون دولار، أي 15 في المئة من الناتج.

وهذه الكتل ضخمة. وإذا لاحظنا أن العقوبات تبلغ نحو 500 بليون دولار، أدركنا أن الأمر يقتصر على بعض المعوقات والحواجز الإضافية. والرسوم الجمركية لا تزال منخفضة. وباستثناء الزراعة، لا تقارن الرسوم الحالية بالمزايدات الحمائية التي شهدتها ثلاثينات القرن العشرين! ولا شك في أن الرسوم على الصلب والألومنيوم أصابتها زيادة كبيرة، ولكننا لا نشهد مضاعفة في الأسعار. وهذه التعرفات تقضم هوامش الشركات، ووقعها ضعيف ما دام الوضع الاقتصادي مواتياً على العموم.

ويُشاهد، في الأعوام الأخيرة، تحول الحزب الجمهوري إلى فلسفة اقتصادية مختلفة. فالجمهوريون التقليديون، أنصار الأعمال وشركاتها، لا يتعرفون على مصالحهم في سياسة ترامب. وهم يعلمون أن الناخبين مقيمون على تأييدهم ترامب. فلا يقدم على توجيه النقد إليه إلا من ينوون التقاعد، أو لا ينوون الترشح إلى الانتخابات النصفية، ماكين وكوركر وفلايك... والآخرون يمسكون بتلابيب الرئيس. فمناهضته الأجانب والمهاجرين والاتفاقات التجارية الدولية تضرب على الوتر الذي سبق لحزب الشاي أن ضرب عليه.


عن "الحياة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية