التلاعب بأصوات الناخبين في تونس: هل هي استطلاعات رأي تحت الطلب؟

تونس

التلاعب بأصوات الناخبين في تونس: هل هي استطلاعات رأي تحت الطلب؟


21/05/2019

رغم سائر الاحتياطات التي أعدتها تونس من أجل إنجاح مسارها الانتقالي، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة؛ ما تزال قضية مؤسسات سبر الآراء محل جدل، وموضع انتقاد شديد، خصوصاً من الأحزاب والسیاسیین، وحتى من الخبراء، بسبب الشكوك التي غالباً ما ترافق نتائج استبیاناتھا المیدانیة، وطرق سبر الآراء التي تعتمدھا، واستغلال ذلك في التلاعب بأصوات الناخبين.

اقرأ أيضاً: الخلافات المتصاعدة بين "تحيا تونس" والنهضة.. ماذا بعد؟!
ويؤكد الخبراء والمختصون، الذين أجرت "حفريات" لقاءات معهم، أنّ هذا القطاع ما يزال فوضوياً، وغير خاضع لنصّ قانوني ينظمه، وأنّ شركات استطلاع الرأي قد تحولت، بفعل الصراعات الأيديولوجية، والتنافس الحزبي، إلى شركات صناعة الرأي العام والتحكم فيه.
ووفق إحصائيات غير رسمية، يوجد في تونس ما بين 20 و25 مكتباً لسبر الآراء، يواجه العدد الأكبر منها اتهامات بالقيام بالدعاية المضادة، وعدم المصداقية والكفاءة، كما أنّها تعمل دون إطار قانوني.

انتقد الرئيس التونسي عمليات سبر الآراء المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي المقرر هذا العام

خطر على الانتقال الديمقراطي

وتثير استطلاعات الرأي، التي تنشر مع نهاية كل شهر في تونس، لرصد توجهات المواطنين للتصويت بالانتخابات، حفيظة أحزاب سياسية تسارع بالطعن في نتائجها، وتراها تلاعباً بالرأي العام وتوجيهاً للناخبين، فيما لا يثق العديد من المواطنين في نتائج هذه الاستطلاعات، ويشككون بموضوعية المعايير العلمية التي تعتمدها؛ كاختيار العينة المستجوبة، وكيفية طرح الأسئلة، وتحليل المعطيات الإحصائية.

اقرأ أيضاً: لماذا يدعم الإخوان يوسف الشاهد في تونس؟
وانتقد الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في كلمة توجه بها إلى الشعب، في 5 أيار (مايو) 2019، عمليات سبر الآراء المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي المقرر هذا العام، معتبراً أنّ "تونس تعيش اليوم حمى انتخابات، فاقمها سبر الآراء الذي يعمل على صعود شخصية صباحاً، وأخرى مساء".

صحبي بن نابلية: شركات سبر الآراء في تونس تعمل وفق أجندات خفية تتحكم بنتائجها بحسب مصالحها المحلية والإقليمية

وتوجه الرئيس خلال كلمته بمناسبة حلول شهر رمضان، بنصيحة للسياسيين، مفادها: "عدم الأخذ بجدية النتائج التي تعلنها شركات سبر الآراء".
في هذا السياق، يرى الخبير في الاتصال السياسي، صحبي بن نابلية، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ هذه الشركات لا تعمل وفق منهجية واضحة، ولا تقوم على أسس علمية في طرح الأسئلة على المستجوبين، مؤكداً "وجود أجندات خفية تتحكم بنتائجها، بحسب مصالحها المحلية والإقليمية".
وحول تأثيرها على الرأي العام التونسي، يقول بن نابلية: إنها تؤثر ظرفياً على اهتمامات المتلقين؛ "فهي تدفعهم مثلاً حين تتعمد إظهار مرشح بعينه في صدارة نوايا التصويت، إلى الاهتمام به، والبحث عنه، وعن معلومات تخصه"، لافتاً إلى أنّ هذه العملية تكون أخطر باقتراب المواعيد الانتخابية؛ لأنّ الناخبين حينها يتشبثون أكثر بمواقفهم، ويتأثرون بها، "وهو ما قد يعقد نجاح الانتقال الديمقراطي".
 هذه الشركات تعمل خارج الأطر القانونية، مما يسهل تطويعها لأشخاص لهم غايات سياسية

مصالح حزبية
ويقول رئيس وحدة البحوث بالمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، محمد الحاج سالم، لـ "حفريات"؛ إنّ هذه الشركات تعمل خارج الأطر القانونية، مما يسهل تطويعها لأشخاص لهم غايات سياسية، ومصالح انتخابية، مستشهداً في ذلك بتضارب نتائج ثلاث شركات مختلفة، ومشدداً على أنّ "تقديم شخصية على أخرى في نوايا التصويت، وتغييرها من أسبوع لآخر، وخلال هذه الفترة بالذات، يفضح عدم مصداقية وشفافية هذه الشركات".

اقرأ أيضاً: تونس في مواجهة الحقيقة
ويرجح الحاج سالم هزيمة كلّ من تعمل نتائج سبر الآراء على صعوده؛ لأنّ التونسيين سيعون أنّه دفع أموالاً لأجل ذلك، وأنه يتلقى تمويلات أجنبية في حملته الانتخابية، داعياً الدولة إلى "تنظيم عمل هذه الشركات، وبعث هياكل تعنى بسبر آراء التونسيين حول قضايا كبرى تهمهم كالبطالة، والتشغيل، ومتطلبات عيشهم".

النائب غازي الشواشي: شركات سبر الآراء لا تعكس الرأي العام التونسي بل تصنع رأياً عاماً على مقاس أطراف سياسية

وتشير أغلب المواقف الصادرة عن السياسيين والمختصين، وحتى نشطاء المجتمع المدني، إلى أنّ الأحزاب التي تستطيع أن تدفع أكثر من غيرها ستحافظ على صدارة الترتيب في نوايا التصويت، وأنّ بعض الأحزاب لا تطعن في هذه النتائج إلا في حال لم تخدم مصالحها، مثلما فعلت حركة النهضة الإسلامية التي شككت في نتائج استطلاع رأي نشرته مؤسسة "سيغما كونساي"، في 3 أيار (مايو) 2019.
وأظهرت النتائج انخفاض حظوظ الحركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، من نسبة 33%، في شهر شباط (فبراير) 2019، إلى 18% في شهر نيسان (أبريل) الماضي، مقابل صعود بعض الأطراف السياسية الجديدة، مثل: حزب "تحيا تونس"، و"الحزب الدستوري الحر".
وأعلنت النهضة رفضها لما رأته "توجيهاً للرأي العام"، داعية مختلف الأطراف إلى "وضع آليات عملية لمراقبة عمليات سبر الآراء ومنع العبث بنتائجها".
في مقابل ذلك؛ علق حسن الزرقوني، مدير شركة "سيغما كونساي"، في 7 أيار (مايو) 2019، على انتقادات بعض الأحزاب، واتهامه بتوجيه الآراء في سبر الآراء الأخير ونتائجه، مؤكداً أنّه "لا يمكن التشكيك في نتائج هذه الدراسات وأخذها بشكل مسلم، لأنّها مرت بطرق علمية ودقيقة جداً"، وفق قوله .
تزايد منسوب الاتهامات لمؤسسات سبر الآراء باقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية

مهنيون يقرون بموضوعية الاتهامات
وتزايد منسوب الاتهامات لمؤسسات سبر الآراء باقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المقرر إجراؤهما في تشرين الأول (أكتوبر)، وتشرين الثاني (نوفمبر)، قياساً بما تقدمه من توجيه للرأي العام.
هذه الاتهامات لم تصدر فقط عن سياسيين ومواطنين؛ بل من داخل مسيّري هذه الشركات؛ حيث أوضح، في هذا الخصوص، المدير العام لمؤسسة سبر الآراء "3 سي"، هشام القرفالي، لـ "حفريات"؛ أنّ كلّ الشركات الناشطة في تونس، والتي تعدّ نفسها شركات سبر آراء، هي بعيدة كل البعد عن المجال، وأنّها في الحقيقة تمارس ما يعرف بـ "العلاقات العامة"، مشيراً إلى أنّ "هذا المجال بات يتّسم بالمغالطة على اعتبار أنه لا يخضع للرقابة ولا يستجيب للضوابط المهنية."

اقرأ أيضاً: هل يحقق المستقلّون مفاجأة انتخابات تونس 2019؟
ورأى القرفالي؛ أنّ الانتقادات التي يوجهها التونسيون لنتائج عمل هذه الشركات في محلها، مقراً بوجود "تقصير إعلامي في هذا الشأن، خاصة أنّ الشركات المعنية هي بالأساس تعمل ضمن غرفة مكاتب مخصصة للدراسات."
القرفالي لفت أيضاً إلى أنّ تغيّر النتائج، بطريقة لافتة، يثير الشكوك بشأن مدى صحة سبر الآراء المنجز من قبل بعض المؤسسات، مشدداً على ضرورة أن يعي المواطنون والصحفيون أنّ "بعض مؤسسات سبر الآراء تتلاعب بالنتائج".
العمل خارج القانون
من جهته، أكّد النائب المشرع غازي الشواشي، لـ "حفريات"؛ أنّ هذه الشركات تعمل خارج إطار القانون، رغم أنّها كانت تنشط قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. ولئن رأى الشواشي أنّ وجودها ضروري لما تلعبه من دور سياسي واقتصادي واجتماعي، واعتماد نتائجها في الدراسات والبحوث مثلما يحدث في كل العالم، فإنه يرى في المقابل أنّها "محكومة بلوبيات سياسية، تسعى للمحافظة على صدارة قائمة المرشحين" في إشارة إلى حزبي حركة النهضة ونداء تونس، اللذين يرفضان تمرير قانون ينضم عملها.

اقرأ أيضاً: لمن يحمّل الشاهد مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية في تونس؟
وشدّد الشواشي على أنّ هذه الشركات لا تعكس الرأي العام التونسي؛ بل تصنع رأياً عاماً على مقاس أطراف سياسية معينة، وتقوم بتوجيهه، وهو ما يعد خطراً على تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، داعياً إلى ضرورة تنظيمها أو إيقاف نشاطها إلى حين إصدار قانون تعمل وفقه.
وسبق لأعضاء بمجلس نواب الشعب أن قدموا مبادرتين تشريعيتين لتنظيم قطاع سبر الآراء في تونس؛ الأولى تتمثل في "مقترح قانون أساسي متعلق بسبر الآراء"، قدمتها الكتلة الديمقراطية بالشراكة مع الجبهة الشعبية، منذ أيار (مايو) 2016، فيما تتمثل المبادرة الثانية في "مقترح قانون عادي لتنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها" تقدمت به الكتلة النيابية لحركة مشروع تونس، في كانون الثاني (يناير) 2017.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية