التصعيد في إدلب: مناورة روسية وتواطؤ تركي والخاسر هم السوريون

التصعيد في إدلب: مناورة روسية وتواطؤ تركي والخاسر هم السوريون


17/11/2020

أبرز القصفُ العسكري العنيف الذي تتعرض له مناطق في إدلب، شمال غرب سوريا، من قبل القوات الروسية، قبل أيام قليلة، الخلافات المتنامية بين أنقرة وموسكو؛ إذ استهدف مرتكزات أمنية تابعة لفصائل المعارضة السورية، المدعومة من تركيا، وكذا منازل المدنيين، بحسب تقارير حقوقية وصحفية، على خلفية التناقضات بينهما في ما يتصل بمجموعة من الملفات السياسية والإقليمية، سواء في ليبيا، أو الأوضاع العسكرية المحتدمة في إقليم ناغورني كاراباخ، والتي انتهت بوقف العنف والقتال بعد نحو ستة أسابيع، برعاية روسية.

أوراق ضغط روسية

كما أنّ إدلب تبدو، في الوقت ذاته، بمثابة ورقة ضغط، تستعملها روسيا، بين الحين والآخر، لبعث جملة من الرسائل السياسية والإقليمية، بالتزامن مع مجموعة من الاستحقاقات السياسية، من بينها مؤتمر اللاجئين، الذي عقد، مؤخراً، في دمشق، إضافة إلى استئناف المفاوضات بين اللجان الروسية والتركية حول اتفاقيات "خفض التصعيد" في إدلب، لاسيما وأنه في أيلول (سبتمبر) الماضي، فشل المفاوضون الروس والأتراك في التوصل إلى صيغة موحدة، بخصوص تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بشمال غرب سوريا، خلال اجتماع أنقرة، الأمر الذي يفرض تأثيراته الميدانية على إدلب.

يتفق والرأي ذاته، نك هيراس، الباحث في مركز "دراسات الحرب" الأمريكي؛ إذ يرى أنّ روسيا "تبعث برسالة إلى تركيا، مفادها أنّ هناك عواقب تترتب على استخدامها الواسع لمقاتلي المعارضة السوريين، في النزاعات التي توجد فيها روسيا وتركيا على طرفي نقيض".

في تشرين الأول (أكتوبر)، قضى عدد كبير من فصيل "فيلق الشام"، المدعوم من أنقرة، في إدلب؛ حيث قامت طائرات روسية باستهداف أحد مقراته الأمنية

تتعدد عمليات القصف والتصعيد العسكري في إدلب، سواء من جانب روسيا أو قوات النظام، وذلك عبر ذرائع عديدة ومختلفة، تعكس التفاهمات المحدودة، والخلافات الواسعة، بخصوص الأزمات المشتركة بين الفاعلين المباشرين ووكلائهم، كما تفصح، تلك التحركات الميدانية عن أهدافها ورسائلها، التي تبدو معلنة وواضحة للأطراف المنخرطة في الصراع، لاسيما وأنّ القصف الذي حدث في النصف الثاني من الشهر الجاري تشرين الثاني (نوفمبر)، قد سبقه إعلان القوات التركية عن سحب عناصرها من نقاط المراقبة، في عدة مرتكزات أمنية وعسكرية بإدلب، كما حظرت القوات الروسية تسيير ثلاث دوريات متتالية في الفترة ذاتها.

روسيا وتركيا.. حسابات الربح والخسارة

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، "انفجاراً عنيفاً ضرب مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل المدعومة من أنقرة، تبين أنّه ناجم عن سقوط صاروخ أرض- أرض بعيد المدى، ويرجح أنّ قوات النظام والروس أطلقوه، وسقط غربي مدينة إدلب بالقرب من "سجن إدلب"، وسط توجه سيارات الإسعاف إلى المنطقة".

اقرأ أيضاً: ما الأهم في سوريا: تأمين الخبز أم عودة اللاجئين؟

كما كشف المرصد الحقوقي، عن شن "غارات جوية نفذتها المقاتلات الروسية، على محيط منطقتي البارة واحسم، ضمن جبل الزاوية، في ريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف مكثف نفذته قوات النظام البرية بالقذائف الصاروخية، على قرى وبلدات سرجة، وبينين، ودير سنبل، الواقعة على الأطراف الشرقية لجبل الزاوية، في ريف إدلب الجنوبي".

وعلى مدار الأسبوع الماضي، نفذ الطيران الروسي قصفاً جوياً على جبل الزاوية، وذلك لنحو ثلاث مرات؛ إذ كشف المرصد عن حدوث "خمس غارات على الأقل من قبل الطائرات الروسية، إضافة إلى خمسة عشر غارة، في مناطق متفرقة بريف إدلب".

وفي تشرين الأول (أكتوبر)، قضى عدد كبير من فصيل "فيلق الشام"، المدعوم من أنقرة، في إدلب؛ حيث قامت طائرات روسية باستهداف أحد مقراته الأمنية، في منطقة جبل الدويلة، شمال غربي إدلب، ما تسبب في مقتل 78 مقاتلاً على الأقل، وإصابة أكثر من تسعين آخرين بجروح مختلفة، بحسب المرصد السوري، موضحاً أنّ "حصيلة القتلى "تعد الأعلى في صفوف المقاتلين جراء ضربات روسية، منذ بدأت موسكو تدخلها العسكري في سوريا، بنهاية أيلول (سبتمر) العام 2015".

من الخاسر؟!

وتشير صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إلى أنّ موسكو سعت إلى إقناع أنقرة بتقليص الوجود العسكري، في إدلب، وسحب الأسلحة الثقيلة، بينما قدم الوفد الروسي الفني اقتراحه بخصوص آليات تنفيذ هذا الأمر، بيد أنّ الطرفين فشلا في التوصل إلى تفاهم في هذا الشأن؛ حيث أصرت أنقرة على الاحتفاظ بكل نقاط المراقبة، في حين أبدت مرونة بخصوص سحب جزء من قواتها مع الأسلحة الثقيلة، وعليه تمحورت النقاشات حول آليات القيام بذلك، لجهة ضمان عدم وقوع استفزازات في أثناء عمليات الانسحاب.

الصحفي عبد العزيز مطر لـ"حفريات": التصعيد الروسي في إدلب يتصل على نحو مباشر بتوغل تركيا في ملفات تزاحم الدور الروسي، وتقف على النقيض منه

وإلى ذلك، يشير الصحافي السوري، سردار درويش، إلى أنّه بخصوص القصف على إدلب، فإنّ أيّ استهداف لمناطق إدلب أو ريفها، إنّما يدخل ضمن سياق مخرجات استانة، والاتفاق الروسي التركي، الذي يسمح للروس والنظام معاّ بالتحرك بأيّ اتجاه، مضيفاً لـ"حفريات": "الملاحظ أنّ التحرك الروسي يقابله على الدوام تحرك مضاد من قبل تركيا، بل وتحدث تلك التحركات بالتنسيق في ما بينهما؛ فالقصف الروسي على المناطق في إدلب، جاء مقابل تحرك فصائل المعارضة مع تركيا في أذربيجان ضد الأرمن، وقد سبق أن تابعنا التحركات الروسية مع النظام، في مقابل توغل تركيا في شمال شرق سوريا، مثل رأس العين وتل أبيض".

ويتابع درويش: "وبناء على مصالح روسيا وتركيا، يحدث دائماً التحرك والتحرك المضاد، وذلك بالتوافق بينهما، وعليه، يضحى الخاسر الوحيد هم السوريون؛ إذ إنّ المعارضة باتت رهينة للاحتلال التركي، الأمر الذي تسبب في إخفاقها عن مواجهة أسباب ودوافع قصف روسيا الأخير، بينما تقف عند حدود الإدانة، فقط، لذر الرماد في العين".

والسبب الرئيس، بحسب الصحفي السوري، للقصف العنيف الذي تشهده إدلب، كل فترة وأخرى، هو تركيا، والأخيرة تقف حائلاً أمام المعارضة التي لا يُسمح لها إطلاق رصاصة واحدة ضد النظام أو روسيا، وقد تحولت فصائل المعارضة لمجرد سلاح بيد تركيا، لضرب السوريين، مرة، أو الليبيين أو القبرصيين أو الأرمن، مرات أخرى، بينما القضية السورية في ظل هذه الأدوار الوظيفية مجرد قضية رخيصة، وعليه، تبدو الأمور في ظل هذه التداعيات السياسية والإقليمية، وبحسب هذه الرهانات المؤقتة والخاسرة من قبل فصائل المعارضة، المدعومة من أنقرة، تتجه باتجاه سيطرة النظام على باقي المناطق في سوريا، بواسطة موسكو، وتحالف أو بالأحرى تواطؤ أنقرة.

اقرأ أيضاً: سوريا وبايدن والمتغيرات الأمريكية

أما الكاتب الصحفي السوري، عبد العزيز مطر، فقد أبلغ "حفريات"، بأنّ هناك اتفاقات بين روسيا وتركيا، وهي اتفاقيات مؤقتة، انتهت منذ مدة ليست بالقصيرة، كانت تتيح لروسيا حرية الحركة السياسية والميدانية، إضافة إلى رسم مستقبل سوريا السياسي، باعتبارها أحد الفاعلين السياسيين في الصراع أو الأزمة السورية، وكذا الضامن الدولي للنظام، وبالتالي، يحاول الروس السيطرة على مناطق إدلب التي تقع تحت سيطرة جبهة النصرة، المصنفة على قوائم الإرهاب.

وألمح الكاتب السوري إلى أنّ التصعيد في إدلب من جانب روسيا، يتصل على نحو مباشر بتوغل تركيا في ملفات تُزاحم الدور الروسي، وتقف على النقيض منه، لذا تتحول الساحة السورية إلى أداة ضغط في هذا السياق، وهو ما حدث مرة مع احتدام الأزمة الليبية، ومرة أخرى، مع الملف الأذري/ الأرميني، وهذا يعني أنّ العلاقه بينهما مصالحية وتنافسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية