"التشكيك بالمعراج" يثير قضية الثوابت والمتغيرات

"التشكيك بالمعراج" يثير قضية الثوابت والمتغيرات


24/02/2022

فتح الحديث حول معجزة (الإسراء والمعراج) الذي أثاره الإعلامي والكاتب الصحافي إبراهيم عيسى مؤخراً الباب واسعاً أمام نقاشٍ حادٍ حول اصطلاح (الثوابت والمتغيرات)، والمقصود الصحيح له، وكيفية تحديد الأحكام الباطلة، ودوائر الظنيات الفقهية من الأخرى القطعية.

"المعراج" يصل للبرلمان المصري

كان إبراهيم عيسى في برنامجه على قناة "القاهرة والناس" قد تطرق في حديث له حول معراج الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعدم ثبوته قطعياً مثل الإسراء الوارد في القرآن الكريم، داعياً إلى إعمال العقل في هذه المسألة، وأثار هذا الحديث ردود فعل واسعة، وأصبح حديث الشارع المصري، الذي استنكر أغلبه طرح مثل هذه المواضيع على العامة وفي الوسائل الإعلامية.

يرى علماء أنّ تقسيم أحكام الشريعة إلى ثوابت ومتغيرات لا إشكال فيه ما دام محصوراً بالتسمية والاصطلاح

في اليوم التالي من حديث المعراج تلقت الهيئة الوطنية للإعلام مطالبات بوقف برنامج إبراهيم عيسى، وتقدم محامون بشكاوى للنائب العام، الذي أصدر بياناً أكّد فيه بدء التحقيق في تلك الشكاوى.

من جانب آخر أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً استنكرت فيه حديث إبراهيم عيسى، فيما نشرت صحيفة (صوت الأزهر) المتحدثة باسم المؤسسة الدينية على صدر صفحتها الأولى استنكاراً كبيراً لتلك الأحاديث حول المعراج، وقالت إنّ "العلمانيين يحاولون مس الثوابت الدينية".

ونشر بعض علماء الأزهر الشريف بيانات منفصلة حول المسألة، وكان منهم الشيخ أحمد كريمة، أستاذ العقيدة الإسلامية، الذي قال: "إنّ منكر الإسراء مرتد ويستتاب"، فيما رد عليه أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، الذي قال: "إنّ الموضوع خلافي من أيام الصحابة، وما ذكره إبراهيم عيسى كانت معلومات أخفاها الشيوخ عمداً، والذين أشعلوا التكفير ضده جماعات عنف تصفي حسابها مع شخصه".

صحيفة (صوت الأزهر) صدّرت صفحتها الأولى باستنكار كبير لتلك الأحاديث حول المعراج متهمة العلمانيين بمحاولة مس الثوابت الدينية

كما قال الهلالي: "إنّ الإمام عثمان الدارمي في كتاب الرؤية قال بإجماع الصحابة بأنّ المعراج كان بالروح فقط لا بالجسد، وبالتالي فالصحابة لا يؤمنون بقصة المعراج الشائعة، وإنّ الاعتقاد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم عرج إلى السماء ليس من القضايا الأساسية وأركان الإيمان في الدين الإسلامي، وقد اختلف العلماء فيه هل كان يقظة أو مناماً".

اقرأ أيضاً: "الإسراء والمعراج" .. ما هي أبرز الدلالات والمعاني التي ارتبطت بها؟

ودخل كتاب من التيار الليبرالي على الخط، ومنهم الكاتب سامح عسكر، الذي نقل عن الشيخ أحمد المراغي، أحد علماء الأزهر الشريف قوله: "إنّ الحركة البالغة في السرعة بالمعراج إلى هذا الحد غير معقولة، كما أنّ الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة مستحيل لأنّ الهواء معدوم، وأنّه لو صح ذلك - قصة المعراج - لكان أعظم المعجزات وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدلّ به على صدقه في ادعاء النبوة، وأنّ حديث المعراج اشتمل على أشياء في غاية البعد مثل شق بطن الرسول وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الزائفة، والأخلاق المذمومة، كما أنّ ركوب البراق لا حاجة له بذلك لأن العالم العلوي في غنى عن ذلك، وأنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل الرسول يتردد بين اللّه وموسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس - وهذا غير جائز كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني لأنّه يقتضى نسخ الحكم قبل العمل به، وأيضاً لم يقل أحد من المسلمين بأن الأنبياء أحياء بأجسادهم في السماء، وإنّما الحياة هناك روحية لا جسمانية، والتخاطب والكلام معهم والصلاة بهم من الأمور الروحية لا الجسمية، ولا يعقل غير هذا".

نشر بعض علماء الأزهر الشريف بيانات منفصلة حول المسألة

وقد تصدى للرد بعض الدعاة السلفيين الذين طرحوا الموضوع للنقاش في البرلمان المصري، ومطالبين بوقف هذه النقاشات إعلامياً لأنّها تؤدي إلى فتنة للمجتمع، وأيد ذلك رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان المصري الذي دعا لإحالة عيسى للتحقيق ووقفه نهائياً عن العمل الإعلامي.

الثوابت والمتغيرات على الخط

ربما كان من أهم ما أثارته هذه القضية الحديث حول الثوابت والمتغيرات، وتأريخ ونشوء واستعمال هذا المصطلح في الفكر الإسلامي، وهل المعراج قطعي أم ظني؟

نقلاً عن د.فهد بن صالح العجلان فتسمية بعض أحكام الشريعة بالثوابت، وتسمية غيرها بالمتغيرات، لا إشكال كبيراً فيه ما دام أنه محصور في التسمية والاصطلاح، الإشكال فيما يترتب على هذا التقسيم، حيث برأيه بعضهم يرتّب على هذا التقسيم تصوراً يقوم على أنّ الثوابت هي الأحكام الشرعية التي يجب الخضوع لها، وأما المتغيرات فهي خارج الشريعة وهي مجرد اجتهادات يمكن أن يأخذ الشخص منها ما يشاء.

ويرى آخرون ومنهم الداعية الأزهري عبد الله رشدي، الذي تصدى في فيديو للرد على إبراهيم عيسى أنّ دائرة الظنيات هي أحكام شرعية ثابتة وملزمة ويجب اتباعها، وكونها تسمى (ظنية) فهو مجرد اصطلاح،  لا يعني أنّها خارج الشريعة أو غير ملزمة، فالظن واليقين هو في مرتبة الجزم بالحكم وليس في مرتبة الإيمان بالحكم، فأنت توقن بالحكم بشكل يقيني قطعي أو يغلب على ظنك بما يوجب العمل به، لا أن تثبت الحكم أو تنفيه، فبعض الأحكام الشرعية قطعي جاءت الدلائل اليقينية عليه كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الخمر والربا والزنا، وبعض الأحكام جاءت فيه دلائل أقلّ من ذلك، لكن هذا لا يعني أنه ليس حكماً شرعياً.

بعض الدعاة السلفيين طالبوا بوقف هذه النقاشات إعلامياً لأنها تؤدي إلى فتنة في المجتمع

ورأى آخرون أنّ ما ثبت بدليل شرعي سواء كان قطعياً أو ظنياً أجمع عليه أو اختلف فيه، فهذه مساحة ثابتة مرتبطة بالدليل الشرعي، والمتغير: هو الحكم الاجتهادي الذي كان مرتبطاً بعرف أو مصلحة معينة وتتغير بتغير الزمان والمكان.

وفتح موضوع الثوابت والمتغيرات المجال للخلاف بين الجماعات الدينية ما دعا بعض العلماء إلى أن تعترف كل جماعة بالأخرى وكل طائفة بالثانية ما دامت الثوابت مشتركة، على اعتبار أنّ هناك ثوابت مطلقة، وهي النصوص القطعية الثبوت والدلالة ومواضع الإجماع الصريح، وأخرى نسبية، وهي بعض الاختيارات العلمية الراجحة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية