الباحث التونسي كمال عمران يعانق الغياب تاركاً بلاغة الذكرى

تونس

الباحث التونسي كمال عمران يعانق الغياب تاركاً بلاغة الذكرى


15/05/2018

غيّبَ الموت الباحث والجامعيّ التونسي ووزير الشؤون الدينية الأسبق كمال عمران أمس الإثنين بالمستشفى العسكري بتونس العاصمة، مخلّفاً حسرة وحزناً لدى عدد كبير من محبيه وتلاميذه في الجامعة.
ونعت وزارة الشؤون الدينية ووزارة الشؤون الثقافية وأسرة الإذاعة والتلفزة التونسية الفقيد المعروف بجديته واشتغاله في حقول كثيرة منها التربوي والثقافي والديني.
وتقدم وزير الشؤون الدينية أحمد عظّوم وكافة أعوان الوزارة وإطاراتها "لأسرة الفقيد وذويه بخالص التعازي والمواساة راجين من الله تعالى أن يرزقهم جميل الصبر والسلوان".

يعد كمال عمران من أبرز المثقفين والأساتذة الجامعيين الذين أعدوا وقدموا مجموعة كبيرة من البرامج الثقافية والأدبية والدينية

من جهتها، قالت أسرة الإذاعة والتلفزة التونسية إنّ الراحل يعد "من أبرز المثقفين والأساتذة الجامعيين الذين تعاونوا مع الإذاعة والتلفزة منذ السبعينات، حيث أعد وقدم مجموعة كبيرة من البرامج الثقافية والأدبية والدينية. وقد تم تعيينه سنة 2001 مديراً عاماً للقنوات الإذاعية وواصل فيما بعد التعامل مع الإذاعات التونسية من خلال العديد من المشاركات القيمة التي أثرت العمل الإذاعي وساهمت في الارتقاء به".
ابتسامة المعلّم
واستذكر تلامذة عمران أحوال معلمهم، صاحب الكلام البليغ والحضور القوي، على ما قاله تلميذه الباحث التونسي منجي عمري في تصريح لـ"حفريات" مستذكراً أواخر التسعينات، حيث "ليس من الهيّن على أيّ أستاذ في كلية الآداب بمنوبة أن يفوز بقلوب الطلبة ويستحوذ على إعجابهم، فقد كانت أمزجتهم تريد من معلّمها أن يكون فصيحاً تنصاع له الكلمات، وأن يكون علمه غزيراً فتنثال له الأجوبة، وأن يكون صاحب كاريزما تجعله حديث مجالسهم في ساحة منوبة الشاسعة".
وتابع عمري أن كمال عمران كان "يجمع تلك الصفات وكان بحضوره القويّ واقفاً يتجوّل بين أركان المدرّج يحرص أن لا تفوته شاردة أو واردة، وكان الطلبة ينظرون إليه بإعجاب وتقدير وهو يرتجل عبارته ويحرص على صياغة أفكاره في أفصح بيان. وكثيراً ما كانت تخالط جِدّه ابتسامة غريبة؛ ابتسامة من يتدرّج في الاستدلال والتبسيط ويتفنّن في التحليل والنقاش حتّى يصل بفكرته قدراً من الوضوح والبهاء يجدها تليق بأفهامنا وتقع موقع الإعجاب في أمزجتنا. رحم الله كمال عمران كم كنّا نحلم بأن نكون في مثل عنفوانه وسحر بيانه. وهو يزيّن درس الحضارة بابتسامة الواثق من بلاغته وبلوغ مرامه".
الدّكتور كمال عمران من مواليد 18 كانون الثاني (يناير) 1951 بتونس

فنّ القلق!
أما تلميذته سماح حمدي فقد أخذ منها التأثر كل مأخذ، وقالت في شهادة مؤثّرة خصّت بها "حفريات": "أعتبر نفسي محظوظة لأني كنت من بين طلبة الأستاذ المرحوم كمال عمران.. درست عنده مادة الحضارة في كلية الآداب بمنوبة منذ تسعة عشر عاماً في المرحلة الثالثة، لكن تفاصيل الدرس لم تمح من ذاكرتي، كان أستاذنا ودوداً، مؤمناً برسالته في تكوين عقول طلبته، مستميتاً في غرس القيم السامية فيهم. كان يحثنا على تخطي الصعاب والتمسك بحبل الأمل، وكان يشعرنا بأننا قادرون على نحت مستقبلنا. لم يكن يفرق بين طلبته، كل منا يشعر أنه ذو قيمة عند أستاذه، وأن مستقبله يعني عنده الكثير.. في ذلك العام تمّ إقرار مناظرة الكفاءة في التدريس "الكاباس" وكنّا تائهين خائفين من الموضوع، فكان يقتطع من الدرس وقتاً لتهدئتنا ولبثّ السكينة في نفوسنا الحيرى".

تلميذة تتذكر أستاذها: كان يحاول زرع الثقة في نفوسنا ويحثنا على الإيمان بالمعرفة والتضحية في سبيل تحصيلها

وأضافت حمدي أنّ الراحل "كان يحاول زرع الثقة في نفوسنا زرعاً، يحثنا على الإيمان بالمعرفة والتضحية في سبيل تحصيلها. كان عظيما بكل المقاييس. له جملة لم أنسها أبدا ولن أنساها: "إني يا أبنائي أحاول أن أغرس فيكم فنّ القلق. تعلموا القلق يا أبنائي"! ونجح إلى حد كبير في جعلنا نستمتع بـ"شقائنا" بعقولنا التي تفكّر وتحلل وتستقرئ وتنقد. الطريقة للوصول إلى قلب الأستاذ عمران سهلة وواضحة المعالم: كن مجتهداً تجد أستاذك سنداً لك، أباً ناصحاً وصديقاً كريماً ومعلّماً عالماً لا يبخل عليك بالتوجيه والإرشاد.. إني أرى صورة أستاذي أمامي وأكاد أسمع صوته وهو يعبّر عن إعجابه بعرض أقدّمه: "يا ابنتي، بارك الله فيك".. جملة الاستحسان تلك، كانت تحفُّز على الاجتهاد في الدراسة وعلى الكدّ من أجل إنجاز العمل على الوجه الأكمل".
وختمت حمدي قائلة "من كان بأخلاقك يا أبت يموت، ولكنه أبداً لا يفنى.. ورغم ما تعرّضتَ له من أَذًى بعد 2011، فإنك كنت شامخاً عزيزاً أبياً، انسحبت في صمت، ولم تردَ على السيئة بمثلها، وليت من آذوك يا أستاذي يتعظون نم قرير العين يا معلّمي.. وداعاً أستاذي! وداعاً يا أبت!"
مسيرة ثرية بحثاً وتدريساً ومسؤوليات
الدّكتور كمال عمران من مواليد 18 كانون الثاني (يناير) 1951 بتونس. حيث زاول تعليمه بمعهد باردو. تحصل على الأستاذية من دار المعلمين العليا بتونس سنة 1973 وعلى المرتبة الأولى في شهادة التبريز سنة 1981.
كما أحرز شهادة الدكتوراه سنة 1994 عن بحث بعنوان "الإنسان ومصيره في الفكر العربي الإسلامي الحديث". اضطلع خلال مسيرته المهنية بعديد المهام منها: وزير الشؤون الدينية، ومستشار لدى وزير التعليم العالي، ومدير للمعهد الأعلى للتوثيق، ومدير عام للقنوات الإذاعية بتونس، ومكلف بمهمة ومستشار لدى وزير التربية والتكوين، ومدير عام لإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم. وكان عضواً بالمجلس الاسلامي الأعلى وبالمجلس الأعلى للثقافة وبمجلس أمناء مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري وبالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بتونس وبالمجلس التنفيذي لليونسكو.
وله مؤلفات عديدة أهمها: "الإنسان ومصيره‮ في ‬الفكر العربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬الحديث"، و"الإبرام والنقض‮ في ‬الثقافة الإسلامية‮" ‬و‮"التجديد والتجريب‮ في ‬الثقافة الإسلامية" ‬و‮"شغاف النص‮: في ‬تحليل النص الحضاري‮" ‬و"مذكرات‮ ‬الشابي"، و"مداخل إلى الثقافة".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية