لاشك أن الإعلام بشتى وسائله -التي لا تنفك تتطور لتترك بدورها فضاءات رحبة لمن أراد توظيفها كل حسب أجندته- يلعب دوراً ملموساً في حياة المجتمعات. فإذا كان التأثير قبل ظهور التلفزيون والصحف ينحصر في دائرة ضيقة على المتنفذين في مدينة أو قرية ما، تتوسع دائرتها لاحقاً بوجود سلطة أعلى لتكون دولة في مفهومها الحديث؛ فقد جاء الإعلام ليلعب دوره الملموس في تدفق المعلومات والأخبار ليتحول العالم كما أطلق عليه إلى «قرية صغيرة» ويستمر الإعلام في تأثيره حتى بات يطلق عليه وصف «السلطة الرابعة».
وعلى رغم أن وسائل الإعلام التقليدية، ونتحدث تحديداً هنا عن الإذاعة والتلفزيون، ظلت لفترة ليست ببسيطة تحت سيطرة ورقابة الدول والحكومات، إلا أننا لاحظنا وجود حرية للجماعات ذات الأجندات الخاصة بها، تذهب باتجاه استصدار الصحف والمجلات لإيصال أفكارها وإيديولوجيتها. وهذه المساحة من المتنفس لتلك الجماعات ظلت إلى حدٍّ ما تحت نطاق سيطرة الدول بحيث يتم تقليل هامش الخطورة وتأثيرها.
ولم تعد لتلك الضوابط سابقة الذكر فعالية تذكر في ظل الفضاء الواسع الرحب الذي بات مفتوحاً للجميع، فأصبحت تلك الجماعات تنشئ قنوات تلفزيونية وتبث آيديولوجيتها عبر المذياع وبالتالي سرعة وصول تلك الأفكار بدلاً من «شريط التسجيل» (الكاسيت) كما كان معهوداً في فترة السبعينيات والثمانينيات. مضافاً لما تقدم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي كبُعد جديد في الإعلام لتخلق بدورها -من المنظور السلبي- عالماً لا منتهياً من منصات إعلامية تصل إلى درجة أنه بات كل فرد يحمل معه هاتفاً ذكياً، قادراً على أن يشكل منصة إعلامية لا تذكر يمكنه من خلالها أن يحدث ضجة لا تستطيع أدوات إعلامية كبيرة القيام بها.
إن ما تعانيه منطقتنا العربية نتيجة الآيديولوجية الهدامة للتنظيمات الإرهابية يدفع إلى ضرورة إدراك أن مواجهة هذه التنظيمات لم تعد فقط مواجهة أمنية. فالمواجهة الفكرية ومحاربة الأفكار المغلوطة لها لا يمكن أن تحققها الوسائل والأدوات السابقة في ظل الفضاء الرحب، بل يتحتم الانتقال إلى وسائل جديدة تفرضها معطيات الواقع، ويأتي السؤال هنا: كيف هو دور الإعلام العربي في مواجهة الإرهاب؟
لقد أصبح من المسلّمات أنه لا يمكن أن تتم السيطرة على التدفق المعلوماتي في مختلف وسائل الإعلام، وعلى رغم محاولات الدول وتعاونها دولياً لمكافحة الإرهاب وتفاعل الشركات العملاقة في مجال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لا زالت منصات للتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يدفع للقول إن أفضل الوسائل لمواجهة هذه التنظيمات يتمثل في وجود حصانة حقيقية لأفراد المجتمع، تبدأ من العائلة ولا تنتهي عند فئة معينة، بل لابد وأن يكون ذلك التحصين مستمراً ومتطوراً ويواكب عصره ومتغيراته.
والأمر الآخر والمهم هو وجود فعالية حقيقية في مختلف وسائل الإعلام لكي تكون هناك حرب مضادة لتلك التنظيمات فكرياً وتعرية تلك الرسائل ومغالطاتها. وهذا الأمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقتصر على جهة معينة أو دولة بذاتها. فبما أن أمن أي دولة عربية هو جزء من كل، فلا يمكن أن يقتصر ذلك على دولة من دون غيرها أو دول من دون غيرها من الدول العربية الأخرى. وهذا الأمر يأخذنا إلى تساؤل آخر، وهو: كيف هي قراءة العالم العربي للإرهاب وكيف ينعكس ذلك على الإعلام؟
د. سلطان محمد النعيمي - عن صحيفة "الاتحاد"