إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟

إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟


07/10/2021

تجاوزت هزيمة حزب العدالة والتنمية المغربي، ذي التوجه الإخواني، في الانتخابات الأخيرة الخسارة الحزبية إلى هزيمة المشروع ذاته؛ فبعد سيطرة الحزب على الحياة السياسية وتولي الحكومة لدورتين متتاليتين كان من المتوقع أن يحقق أرقاماً اقتصادية تليق بالطموحات السياسية والاقتصادية للمغرب، الذي كان يعيش استقراراً سياسياً واجتماعياً، ولم يتأثر بالرياح التي هبت على المنطقة إثر "ثورات" العام 2011، وكان من المنتظر من الحزب الذي أعلن أنه يملك حلولاً ناجعة أن يحصد نجاحات تسمح له بمزيد من المكاسب السياسية والاستقرار في الحكم لمدة أطول، غير أنّ الإخفاق والفشل وانصراف الجماهير عن تأييده كانت هي المحصلة النهائية للتجربة السياسية للإخوان بالمغرب.

 

هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة تجاوزت الخسارة الحزبية إلى المشروع ذاته

حزب العدالة والتنمية تأسس رسمياً العام 1996 بعد اندماج التيار الإسلام السياسي ممثلاً في أعضاء من "حركة التوحيد والاصلاح" و"العدل والاحسان" مع الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي أسَّسها الوزير الأسبق عبدالكريم الخطيب الذي كان من أقرب الشخصيات السياسية إلى القصر الملكي، بشروط ثلاثة هي: الإسلام، والاعتراف بالملكية الدستورية، ونبذ العنف.

أما تيار الإسلام السياسي في الحزب فيتكون من ثلاث كتلات رئيسية؛ الأولى كتلة الإخوان التقليدية وهم جماعة التوحيد والإصلاح الخارجة أساساً من رحم حركة الشبيبة الإسلامية التي تأسست العام 1969 على يد عبد الكريم مطيع المتواجد في بريطانيا والهارب منذ اتهامه بالتورط في جريمة اغتيال القيادي الاتحادي عمر بنجلون، وهي الكتلة الأكبر في الحزب، ومن أبرز قيادات هذه الكتلة عبد الإله بنكيران ومصطفى الرميد وسعد الدين العثماني وعبد الله باها.

أما الكتلة الثانية فهي المجموعة المنحدرة من جماعة "العدل والإحسان"، التي أسسها عبدالسلام ياسين عام 1987 والتي تتميز بسمت إسلامي خاص، أما الكتلة الاخيرة فتتكون من الأعضاء المحافظين دينياً وهم يمثلون الإسلام المغربي التقليدي.

 

أعلن الأمين العام للحزب الفصل بين الدعوي والسياسي إلا أنّ الواقع كذب هذا الادعاء

شارك الحزب في الانتخابات التشريعية العام 1997 وحقق بداية موفقة بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك بها (24 من أصل 325) حصل منها على 9 مقاعد أغلبها من الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، ثم شارك في الانتخابات التشريعية لعام 2002 وحصل على 42 مقعداً مما عُد وقتها انتصاراً كبيراً كان يأمل أن يشارك في الحكومة وقتها، ثم شارك في الانتخابات التشريعة العام 2007 وحصل على 46 مقعداً، ثم في انتخابات 2011 وحصد 107 مقاعد، وشكل الحكومة بقيادة عبد الاله بنكيران لأول مرة في تاريخه، ثم شارك في الانتخابات 2016 وحصل على 125 وشكل الحكومة أيضاً ولكن بقيادة أمينه العام الجديد سعد الدين العثماني، ثم مُني الحزب في الانتخابات الأخيرة، ولم يحصل إلا على 13 مقعداً فقط، وفشل حتى رئيس الحكومة في الحصول على مقعده في البرلمان.

اقرأ أيضاً: إخوان المغرب: نرجسية سياسية ودينية قضت عليهم شعبياً

لا يخفي حزب العدالة والتنمية المغربي مرجعيته الإخوانية، ورغم هذا وافق على الاندماج في العمل السياسي وفق منظومة الحكم الملكي الدستوري المغربي، لذا أعلن الأمين العام للحزب الفصل بين الدعوي والسياسي، إلا أنّ الواقع كذّب هذا الادعاء، فلم يعد خافياً على أحد حجم ووثاقة العلاقة التي تربط "حزب العدالة والتنمية"، بـ"حركة التوحيد والإصلاح"، التي تعد أكبر من مجرد شراكة بين هيئتين مختلفتين.

هذه العلاقة أقرب لأن تكون مشروعاً واحداً، تعمل هيئتان (الحزب والحركة) على تجسيده، كلٌ من خلال وظيفته المعينة (السياسة والدعوة)؛ فالحزب يقدم نفسه كممثل للتيار الإسلامي ومدافع عن المرجعية الدينية، ويؤكد دائماً أنّ مشروعه منبثق من منظور الإخوان للدين، وفي تصريحات سابقة للأمين العام المستقيل للحزب سعدالدين العثماني أكد أنّ في أدبيات حركة "التوحيد والإصلاح" الذراع الدعوية للحزب، الدولة والمجتمع لا يخرجان عن صفتهما الإسلامية، وأنّ مبرر العمل الإسلامي هو الإسهام في إعطاء مضمون لهذه الصفة في الواقع والإسهام في تقويم الوهن في عرى الدين.

وكانت "حركة التوحيد والإصلاح" ظهيراً شعبياً رغم أنّ المعلن أنها لا تقوم بالدعاية للحزب، لكن عناصرها دعوا للتصويت له في دوائرهم المغلقة وبين أنصارها بشكل سري، مع السماح للأعضاء الترويج للحزب والدفاع عن سياساته طيلة فترة تولّيه الحكم.

 

سيتأثر البناء التنظيمي للحزب كثيراً وسيفقد عدداً من كوادره التي كان ينافس بها

 لهذا لا يمكن اعتبار هزيمة الحزب مجرد خسارة مقاعد برلمانية، أو كبوة يمكن تعويضها في المستقبل القريب أو حتى البعيد، بل الحقيقة التي اكتشفها إخوان المغرب قبل أي أحد، أنّ رفض الشارع المغربي لهم كان تصويتاً ضد مشروع الإسلام السياسي ككل (الدعوي والسياسي) وإعلان رفض الشعب لحكم الإخوان بالمنطقة العربية.

اليوم وبعد رفض الشعب المغربي للإخوان ومشروعهم، هل ثمة مستقبل لحزب العدالة والتنمية بعد انحسار شعبيته وانكساره سياسياً، أم أنّه سيلقى مصير الأحزاب المنهزمة ويتحول إلى حزب ضعيف؟ من المرجح أنّ حزب العدالة والتنمية المغربي فقد القدرة على المنافسة على السلطة، وليس متوقعاً أن يعود لها في القريب أو في المدى المتوسط، ومن الطبيعي أن يعود الحزب إلى صفوف المعارضة لكنها عودة المنكسر والمعارض وبدون أنياب.

اقرأ أيضاً: تفاصيل تفكيك خلية إرهابية في المغرب

وفي ظل تزايد الانقسامات داخل أروقة الحزب بين تياري عبدالإله بنكيران وتيار سعد الدين العثماني، ومع تعالي العديد من الأصوات داخل الحزب للقيام بمراجعات تقضي بإعادة النظر في الأطروحات التي حكمت الحزب وعلاقته بالمجتمع والدولة ومدى تأثير حركة التوحيد والإصلاح على توجه الحزب ومستقبله السياسي، ومع فقدان الحزب للعديد من الكوادر بسبب الاستقالات التي توالت عقب الهزيمة يمكن القول إن ثمة تغيرات ستطرأ على الحزب على النحو التالي:

أولاً تصدع بنية الحزب التنظيمية: سيتأثر البناء التنظيمي للحزب كثيراً  وسيفقد عدداً من كوادره التي كان ينافس بهم على 395 مقعداً عبر قوائمه في 92 دائرة انتخابية بالمملكة، ولن يتمكن مستقبلاً من المنافسة إلا في عدد ضيق جداً من الدوائر ربما التي فاز بها، وهي أقل من 13 مقعداً؛ فنصف هذه المقاعد، على الأقل، حصل عليها الحزب حسب قواعد احتساب القاسم الانتخابي، أيضاً لن يتمكن الحزب من تسيير البلديات، بعدما كان يسير في الولاية المنتهية 169 بلدية، من أجل هذا يحاول الحزب عقد مؤتمره الاستثنائي في محاولة للملمة صفوفه، وذلك يومي 30 و31 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، من أجل انتخاب أمين عام جديد وأمانة عامة جديدة، ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر حوالي 2500 عضو يمثلون المجلس الوطني والأعضاء المنتدبين في المؤتمر الأخير، الذي عقد في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2017.

 ثانياً ضعف التمويل الذاتي: فقد الحزب بعد الهزيمة قدراته التمويلية الذاتية، وذلك باستقالة 112 نائباً برلمانياً كانوا يضخون حوالي 100 مليون سنتيم في خزينته شهرياً حسب موقع "هسبريس" المغربي، وتمثلت أول مظاهر الأزمة المالية في توقف أشغال البناء في المقر المركزي للحزب بحي الرياض في العاصمة الرباط.

اقرأ أيضاً: حزب العدالة والتنمية المغربي: المصائب لا تأتي فرادى

ثالثاً تهافت خطاب الحزب سياسياً: لن يتمكن الحزب من تقديم ذات الخطاب القديم الذي يرتكز على محاربة الفساد وادعائهم امتلاك القدرة على تدبير أمور الحكومة بصيغة إسلامية تحقق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، فقد اكتشف الناخب المغربي أنّهم عند التطبيق لم يتمكنوا من تحويل أي وعود انتخابي إلى مشروع حقيقي، لهذا لن يكون من السهل الاستمرار في تقديم ذات الخطاب، والأصعب إيجاد خطاب بديل بمكونات جديدة، فضلاً عن اكتشاف الشارع المغربي تزعزع الهوية السياسية للعدالة والتنمية وضبابية الانتماء، فالأولوية عند الشعب المغربي للمصلحة المغربية قبل أي انتماء آخر، سواء كان عربياً أم إسلامياً، وكلُّ من يحاول جر رجل الشارع المغربى إلى مفهوم فوق وطني (مثلما هي حال خطاب جماعة الإخوان) يسقطه الشارع فوراً.

 

العلاقة التي تربط حزب العدالة والتنمية بحركة التوحيد والإصلاح تعد أكبر من مجرد شراكة بين هيئتين مختلفتين

رابعاً التخبط أمام المواقف السياسية المختلفة: ليس من المتوقع أن يتماسك أعضاء حزب العدالة والتنمية أمام المواقف السياسية المختلفة، ليعبروا الهزيمة السياسية والفكرية، ولا أن يحاولوا إعادة تموضعهم السياسي، فوفق قواعد السياسة القائمة على الممكن والمتاح، بل سيكون رد فعلهم عاطفياً وانفعالياً، بل من الواضح أنّ ثمة ارتباكاً وردة فعل عنيفة وانسحاباً من المجتمع كأنّهم يعاقبون المغاربة على عدم التصويت لهم.

اقرأ أيضاً: الانتخابات المغربية: الدرس الأخير في مستقبل التيارات الإسلامية

ظهر هذا جلياً في رد فعلهم بعد فوز مرشحيهم الثلاثة على مقاعد المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، فقد تعالت الأصوات بضرورة رفض هذه المقاعد "الحرام"، ففي تصريح لعبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، دعا مناضلي حزبه الذين أعلن فوزهم في الانتخابات إلى التبرؤ من هذه النتيجة، وهو نفس رأي أمينة ماء العينين، القيادية في الحزب الذي أعلنته في تدوينة لها على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والتي ادعت أنّ عبد الإله بنكيران يؤيدها في رأيها.

 كل هذا لن ينهي وجود "حزب العدالة والتنمية" ولا "حركة التوحيد والاصلاح" لكنه بالتأكيد مؤشر واضح على مزيد من ضعفهما الشعبي والسياسي، ليصبحا بعدها حزباً كرتونياً وحركة محدودة  تنظيمياً ومحاصرة شعبياً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية