إثيوبيا: آبي أحمد الخاسر الأكبر في حرب تيجراي

إثيوبيا: آبي أحمد الخاسر الأكبر في حرب تيجراي


18/03/2021

ما لم يدركه آبي أحمد أنّ حربه ضدّ إقليم تيجراي ليس فيها نصر، حتى لو تمكّن من القضاء على مقاومة التيجراويين الجارية، فالحرب دقّت المسمار الأخير في نعش الاستقرار في إثيوبيا.

فمن منظور شعب تيجراي؛ ليست الحرب عملية إنفاذ قانون بأيّ حال، إنما تدمير ممنهج للوطن، وتواطؤ من الحكومة الاتحادية مع عدوّ أجنبيّ، وعدوّ داخليّ لتركيع التيجراي، وتحويلهم إلى عبرة لكلّ قومية تتمسك بالفيدرالية الإثنية، ولذلك أطلق آبي يد ميليشيات الأمهرا لارتكاب مذابح التطهير العرقي، وفرض سيطرتهم على الإقليم.

أسر ضحايا مذبحة أكسيوم في شمال تيجراي

وجلبت الحرب نتيجة مناقضة لما يرغب فيه رئيس الوزراء الإثيوبي من حكم مركزي، بدلاً من الفيدرالية الإثنية، بعد أن أثبت لشعب تيجراي وبقية القوميات أنّه لا وجود لشعب إثيوبي واحد، بل رؤية مركزية تريد عرقية الأمهرا فرضها على بقية القوميات الإثنية، عبر إحياء السلطة الأمهرية، التي حكمت البلاد لقرون، وأذاقت بقية القوميات الويلات، وهو ما لن تقبل به القوميات الكبرى، خصوصاً الأورومو.

التطهير العرقي

واتّهمت الولايات المتحدة، على لسان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الحكومة الإثيوبية وحلفائها في الحرب في إقليم تيجراي؛ الجيش الإريتري وميليشيات إقليم أمهرا، بارتكاب جرائم تطهير عرقي بحقّ شعب تيجراي في غرب الإقليم.

وطالب بلينكن بانسحاب إريتريا والأمهرا، وقال أمام الكونغرس، إنّه يريد أن يرى في المنطقة "جيشاً لا ينتهك حقوق الإنسان لشعب تيجراي أو يرتكب ممارسات تطهير عرقي كما رأينا في غرب تيجراي".

من منظور شعب تيجراي ليست الحرب عملية إنفاذ قانون، إنما تدمير ممنهج للوطن، وتواطؤ من الحكومة الاتحادية مع عدوّ أجنبي، وعدوّ داخليّ لتركيع التيجراي

ومن جانبها، نفت الحكومة الإثيوبية التصريحات الأمريكية، ووصفتها وزارة الخارجية بأنّها "مزاعم لا أساس لها وزائفة"، فيما رحّبت بدعوات لإجراء تحقيق بشأن أيّة انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم، رغم استمرارها في تقييد وصول المنظمات الإغاثية الدولية للإقليم.

ووثقت منظمات وحكومات دولية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وصلت حدّ التطهير العرقي لقومية التيجراي في غرب الإقليم، على يدي ميليشيات الأمهرا التي تنفذ عملية ضم لمناطق من تيجراي إلى إقليم الأمهرا، وهو ما نفته سلطات إقليم أمهرا، وأكدت أنّها استعادت أراضي كان التيجراي انتزعوها منهم خلال سيطرتهم على السلطة.

ترتكب ميليشيات الأمهرا جرائم تطهير عرقي غرب تيجراي

وصرّح رئيس سلطات تيجراي الانتقالية، جبريمسكيل كاسا، منذ أسبوع، لوكالة الأنباء الفرنسية؛ بأنّ حوالي ستين شاحنة وحافلة تقلّ مواطنين ينحدرون من تيجراي، وصلت إلى مدينة شير، شمال غرب الإقليم، آتية من مناطق أبعد إلى الغرب.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تتحدى السودان ومصر وتعلن عن موعد الملء الثاني لسد النهضة... تفاصيل

وشنت الحكومة الاتحادية عملية عسكرية ضدّ الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيجراي، في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لتطبيق القانون في الإقليم، بحسب زعم رئيس الوزراء، آبي أحمد، وتمكّنت الحكومة الاتحادية، وحلفاؤها من إريتريا والأمهرا، من السيطرة على المدن الرئيسة في الأيام الأولى للعملية، بعد الانسحاب التكتيكي لقوات تيجراي، حرصاً على عدم تدمير المدن، بعد تهديدات آبي أحمد بقصفها.

وتشنّ قوات تيجراي المتحصنة في الريف والجبال عمليات عسكرية قوية ضدّ القوات الحكومية وحلفائها، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي انتهاء العمليات العسكرية، عقب 24 يوماً من الهجوم، بدخول عاصمة الإقليم، مدينة مقلي (ميكيلي)، لكن ما تزال العمليات العسكرية جارية.

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تعمق الخلاف مع السودان بدعم "قوات جوزيف توكا"

وكان من المتوقع ارتكاب مذابح في الإقليم، بعد استعانة آبي أحمد بالعدو التاريخي للتيجراي؛ الجيش الإريتري، وإقليم أمهرا، بسبب عدم مقدرة الجيش الإثيوبي على حسم الحرب بمفرده، وتسبّبت تلك الخطوة في فقدان آبي أحمد للسيطرة على مجريات المعارك في الإقليم، وبات أسيراً لما تفرضه إريتريا والأمهرا، خاصة بعد تعزيز العلاقات بين الطرفين على حساب إقليم تيجراي وسلطة آبي أحمد ذاته.

وارتكبت القوات الإريترية مذابح جماعية في مدينة أكسوم المقدسة، راح ضحيتها 800 مدنيّ، جرى دفنهم في مقابر جماعية، وتعرضت المدينة للنهب على يد الجيش الإريتري والإثيوبي.

زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، دبرصيون جبراميكائيل

وشهدت مدينة بورا، غرب تيجراي، مذابح جماعية استمرت لثلاثة أيام، بدايةً من 8 - 10 كانون الثاني (يناير) الماضي، راح ضحيتها 150 مدنياً، على يد الجيش الإثيوبي، انتقاماً من المقاومة، بعد تعرضه لخسائر فادحة في معارك في المنطقة ذاتها، فقد خلالها 700 جندي، بحسب موقع "Tghat" الذي يديره صحفيون من تيجراي.

اقرأ أيضاً: الجيش السوداني يسترد مناطق جديدة بعد معارك على الحدود الإثيوبية... تفاصيل

وبحسب بيانات دولية؛ قام الجيش الإثيوبي وحلفاؤه بعملية تدمير ممنهجة للبنية التحتية في تيجراي، لم يسلم منها القطاع الصحي، الذي تضرّر بشدة، ويمارس الجيش الإثيوبي وحلفاؤه جرائم اغتصاب ممنهجة بحقّ نساء تيجراي، تصل إلى حدّ إجبار الذكور على اغتصاب نساء أسرهم، واعترفت لجنة حقوق الإنسان الحكومية بوقوع تلك الجرائم.

الأبعاد الإقليمية للحرب

وحول تطورات الحرب في تيجراي، تواصلت "حفريات" مع ناشط سياسي من تيجراي، أكّد أنّ 80% من الإقليم تحت سيطرة قوات دفاع تيجراي، و20% تحت سيطرة الجيش الإثيوبي والإريتري، خاصة في المدن الكبرى والطرق الرئيسة.

اقرأ أيضاً: أمريكا ترفع الربط بين المساعدات لإثيوبيا وسد النهضة.. ما الجديد؟

وذكر الناشط التيجراوي؛ أنّ 70% من المرافق الصحّية تمّ تدميرها عن عمد، و30% جرى نهبها، ولم تستطع المنظمات الدولية إعادة تشغيل سوى 13% من المرافق الصحية، بينما حكومة أديس أبابا تؤكّد أنّ 75% من الخدمات الصحية تعمل بشكل طبيعي، و"هذا كذب مثل جميع البيانات التي تصدر عن حكومة أديس أبابا".

وعلى عكس ما تُروّج الحكومة الإثيوبية عن الحرب في تيجراي، بأنّها "عملية إنفاذ للقانون"، وشأن داخلي، لم تكن الحرب منذ بدايتها شأناً داخلياً إثيوبياً؛ إذ تدخلت دول أفريقية وأجنبية في الحرب إلى جانب أديس أبابا، ومنها؛ إريتريا، الصومال، وقوى إقليمية، إلى جانب قوات إقليم الأمهرا، التي لا يحقّ لها دخول إقليم تيجراي وفق الدستور.

العداء المشترك لتيجراي عزز علاقة أبي أحمد وآسياس أفورقي

واتخذت الحرب في تيجراي أبعاداً إقليمية، لم يتوقعها رئيس الوزراء، آبي أحمد، فمن ناحية كشفت الجبهة الداخلية للبلاد، وعرّضت أمنها للخطر، ودفعت القوى الإقليمية المشتبكة مع إثيوبيا في ملفات خلافية إلى تطوير سياستها بناء على حرب تيجراي؛ مثل السودان، الذي استعاد أراضيه في الفشقة بنسبة تزيد عن 90%.

إلى جانب ترسيخ فكرة الانفصال لدى شعب تيجراي، بعد أن ذاق الويلات على يد الحكومة الاتحادية وميليشيات الأمهرا، الأمر الذي عزز قناعة التيجراويين بالمطالبة بحقّ تقرير المصير، فلم تعد تجمعهم بإثيوبيا أية روابط، بحسب حديث الناشط التيجراوي، ومطالبات ثلاثة أحزاب في تيجراي.

ناشط سياسي تيجراوي لـ "حفريات": الحرب لن تقتصر على الإقليم بعد أن فرّطت إثيوبيا في سيادتها لصالح إريتريا، وهناك دول ستنخرط في الصراع

ويعدّ تغير ميزان القوى في العلاقة بين آبي أحمد وأسياس أفورقي من أهم تأثيرات حرب تيجراي؛ ففي البداية كانت كفّة القوة تميل لصالح آبي أحمد، الذي تمتع بغطاء دولي كبير، قبل أن يدخل حرب تيجراي، لكن تبدو الصورة اليوم مغايرة، بعد استرداد إريتريا للأراضي المتنازع عليها مع إقليم تيجراي، وضمّ أراضٍ أخرى، واتّباعهم إستراتيجية مستقلّة عن آبي أحمد في النزاع، بالتنسيق مع إقليم الأمهرا.

ولم تسلم إريتريا من تبعات الحرب، على الرغم من تحقيقها مكاسب عسكرية، جاءت على حساب غضب شعبيّ كبير، بسبب التجنيد القسري لآلاف الشباب والشابات للخدمة العسكرية في أتون حرب تيجراي، إلى جانب أنّ الحرب خلقت زعامات عسكرية، ربما يُستبدَل أحدها بآسياس أفورقي، الذي يسعى لتعزيز علاقاته مع الصين وروسيا، للهروب من الضغوط الغربية.

اقرأ أيضاً: هل هناك طرف ثالث يغذي النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا؟

وفي السياق ذاته؛ يقول الناشط التيجراوي، إنّ "حرب تيجراي لن تقتصر على الإقليم، بعد أن فرّطت إثيوبيا في سيادتها لصالح إريتريا، وهناك دول إقليمية أخرى ستنخرط في الصراع".

تتعرض نساء تيجراي لاعتداءات جنسية ممنهجة

ويضيف أنّ النزاع في تيجراي جعل جنوب شرق البلاد مكشوفاً أمام حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وشجع على تنامي النشاط العسكري في أوروميا وبني شنقول، الذي ينتظر تدخّلاً أجنبياً لينفجر في وجه آبي أحمد.

كما أنّ الحرب أثرت في الدور الكبير الذي تلعبه إثيوبيا في قوات حفظ السلام في القارة الأفريقية، والذي خلّف انطباعاً سيئاً عن وحشية الجيش الإثيوبي، علاوةً على أنّ الحرب كشفت إخفاق الاتحاد الأفريقي في الالتزام بمبادئه التي من بينها احترام حقوق الإنسان، والحلّ السلميّ للنزاعات.

مستقبل غامض

وأضعفت الحرب موقف إثيوبيا في ملفّ سدّ النهضة، سواء أمام المجتمع الدولي، أو فقدانها لخيارات متعددة في مواجهة مصر والسودان، البلدان اللذان عزّزا من تحالفهما على خلفية أزمة السدّ وحرب الفشقة.

وألقت الحرب بظلالها على الانتخابات التشريعية، المزعم إجراؤها في حزيران (يونيو) المقبل، بانسحاب العديد من الأحزاب، والتشكيك الكبير في نزاهة العملية الانتخابية، في ظلّ قمع آبي أحمد لمنافسيه في أوروميا وتيجراي وبني شنقول.

اقرأ أيضاً: من يقف خلف الخلية التي حاولت استهداف سفارة الإمارات في إثيوبيا؟

وجاءت الحرب في تيجراي كحلقة أخيرة في الصراع بين رئيس الوزراء، آبي أحمد، والإقليم، منذ وصول أحمد إلى الحكم، عام 2018، بعد 27 عاماً من سيطرة التيجراي على الحكم في البلاد.

وتسبّبت الحرب في نزوح عشرات الآلاف من السكان إلى السودان، وداخل الإقليم، وتُقدّر الخسائر التي في الإقليم بحوالي 100 مليار برّ إثيوبي، وفق تقديرات تيجراوية.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي؛ عقد الإقليم الانتخابات المحلية للبرلمان، بالمخالفة لقرار المجلس الفيدرالي بتأجيل الانتخابات، على خلفية أزمة كورونا.

ويتبني آبي أحمد رؤية قومية لإثيوبيا، تقوم على توحيد البلاد تحت حكم مركزيّ قويّ، وإنهاء نظام الفيدرالية الإثنية، التي تسمح لكلّ عرقيّة بالتمتّع بالحكم الذاتي في إقليمها، وتوجد في البلاد 10 أقاليم ذات حكم ذاتيّ، وما يقرب من 90 عرقية.

اقرأ أيضاً: النفوذ عبر وكيل: حدود الدور التركي داخل هيئة الإغاثة الإسلامية في إثيوبيا

وكان أحمد أقدم على حلّ الجبهة الديمقراطية الثورية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وأسّس حزب الرفاه بديلاً عنها، على أسس عابرة للقوميات، تعبيراً عن رؤيته لحكم البلاد؛ حيث يرى أنّ مشكلة إثيوبيا هي الحكم الفيدرالي الإثني.

وانضمّت الأحزاب الكبرى الممثلة للأمهرا والأورومو، وغيرها إلى الحزب الجديد، عدا جبهة تحرير شعب تيجراي، ويواجه الحزب معارضة قوية داخل إقليم أوروميا، أكبر الأقاليم في البلاد، منذ الانفصال بين آبي أحمد وقيادات أوروميا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية