أية منافع ربما يحملها مقتل سليماني إلى طهران؟

إيران

أية منافع ربما يحملها مقتل سليماني إلى طهران؟


12/01/2020

طوال عقود، وفي لحظاتٍ كثيرة من لحظات الأزماتِ في الشرق الأوسط، كانت إيران تتعامل إعلامياً مع الأحداث، على أنّها مرحلة من مراحل صراعٍ وجودي لا بد أن ينتهي بقهر الاحتلال، أو تفوق إيران بمكونها المطروح، طائفياً وسياسياً، على أي مكونٍ آخر ضمن صراعات المنطقة، لكن بعد مقتل قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني مؤخراً، والردود الإيرانية الهزيلة على مقتل رأس حربة مكونها ومشروعها هذا، كما رأى كثيرون، فإنّ التساؤلات حول اللعبة السياسية التي تلعبها ازدادت.

اقرأ أيضاً: غرفة العمليات في قطر.. تفاصيل جديدة عن قتل سليماني

وبينما عدت إيران اغتيال أمريكا لقائدها العسكري الأهم، إعلان حربٍ كبير، يجب أن ينتهي بطرد القوات الأمريكية من العراق على الأقل، وربما تخفيض تدخلاته فيه، فإنّها على أرض الواقع، تبدو وفق إجراءاتها الضعيفة التي تمثلت في قصف قاعدتين أمريكيتين تم إعلام العالم بقصفهما مسبقاً أنّها تسعى إلى امتصاص الضربة، والتحول إلى مرحلةٍ جديدة بعد مقتل سليماني، تتيح لها مكاسب متعددة، كإجهاض ثورة الشعب العراقي، ومكاسب أخرى ربما لم تكن لتحققها وهو حي.

المؤشرات
يقول المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، الأمريكي من أصلٍ إيراني عباس ميلاني، إنّ "إيران تتخذ مؤخراً خطوات يائسة لمواجهة التحديات الإقليمية والمحلية الكبيرة التي تواجهها حالياً". وأوضح ميلاني في مقاله المنشور على موقع "project syndicate" في الرابع من الشهر الجاري "على سبيل المثال واجهت إيران مؤخراً ارتفاعاً مفاجئاً لحمى المشاعر الوطنية العراقية ضد النفوذ الإيراني بالعراق؛ حيث تم إشعال النار ببعثاتها الدبلوماسية في العراق ومقاطعة بضائعها، وحتى آية الله علي السيستاني وهو أرفع عالم دين شيعي في العراق والمولود في إيران؛ انتقد التدخلات الأجنبية (يقصد الإيرانية) في الشؤون العراقية".

رد إيران الهزيل يدل أنّها تعد لمرحلةٍ ربما تكون بديلة عن استراتيجيتها التي شكل اغتيال سليماني ضربة قاصمة لها

وقد بذل حلفاء سليماني في إيران وخارجها "وخاصة صحيفة كيهان الناطقة باسم خامنئي" كما يقول ميلاني، جهوداً واضحة لصرف الانتباه بعيداً عن المشاعر المعادية لإيران، إضافةً إلى محاولة إيران صرف النظر عما اقترفته يداها في العراق وسوريا ولبنان، بتحويل التوجه داخل العراق للقول إنّ السفارة الأمريكية تمثل "سفارة الاحتلال" وفق الكاتب، ويجب أن تتوجه الجهود ضد التواجد الأمريكي في العراق حسبما حاول النظام الإيراني بدفعٍ من سليماني، الرجل الثاني في النظام أن يفعله.
ورغم أنّ التعاون ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق كان أمريكياً إيرانياً، ورغم أنّ الولايات المتحدة سلّمت العراق لإيران منذ أعوام، إلا أنّ ذلك كله، لم يمنع في النهاية من تلقي إيران الضربة التي أودت بحياة سليماني؛ صاحب الحياة الحافلة في تصدره مشروع تصدير الثورة، وتأسيسه أكثر من خمسين فصيلاً تابعاً لقواته في العراق وسوريا واليمن، إضافةً إلى حزب الله اللبناني؛ لأنه في النهاية أصبح عبئاً على جميع الأطراف.

توجد تساؤلات إذا ما كان المحيطون بسليماني لهم مصلحة في إزاحته

أسباب مقتل سليماني، عديدة بسبب المحللين، فميلاني يرى أنّ خامنئي كان يخسر كل يومٍ في قلب نظامه، وأنّ قمع الثورة الإيرانية الأخيرة بشدة، وضعه في الزاوية، إلا أنّه بقي مضطراً للعنف والقمع، بسبب سياسةٍ داخلية وخارجية، قوامها (الثورة) الدائمة التي كان رأسها الجنرال القتيل.

اقرأ أيضاً: مقتل قاسم سليماني: ماذا يعني للعراق؟
من ناحيةٍ أخرى، كتب الباحث سعيد العجمي في "الإندبندنت" في العاشر من الشهر الجاري أنّ "عملية قتل سليماني تعد نهايةً لإستراتيجية التوسع الإيراني في عواصم عربية، إضافةً إلى أنّ إيران ربما (تتخلص الآن) من سياق العنف والتهديد الذي فرضته على نفسها أمام العالم لعقود، مقابل التقاط طوق نجاةٍ رمت به إليها أمريكا" ربما يسمح لإيران أن تتحرك من خلالٍ وجوهٍ جديدة أو تياراتٍ إيرانية قد يقيض لها الظهور في الفترة القادمة، حتى تعيد رسم سياسة إيران في الخارج، وتتفاوض بشأن الملف النووي، وملفاتٍ أخرى.

اقرأ أيضاً: مصير مليشيات إيران بعد مقتل سليماني
في المقابل، كان للمدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، ومدير تحرير مجلة "آفاق سياسية" الباحث والدكتور هاني سليمان رأيٌ آخر؛ إذ رأى أنّ فكرة تنسيق إيران مع أمريكا بشأن ردها على ما حصل، مجرد رضوخ للأمر الواقع، وأنّ احتمالات استفادة إيران من هذه الضربة، ليس عليها أي مؤشراتٍ واضحة حتى الآن.

الخسائر والمكاسب
وفي تصريحه لـ"حفريات"، قال الدكتور هاني سليمان "يمثل قاسم سليماني النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو من أسس الميليشيات في العراق واليمن وسوريا، لذا فإنّ سليماني يعد شخصيةً مركزية في الأيديولوجيا الإيرانية، ومن بعده أبو مهدي المهندس الذي يعد قائداً لقوات الحشد الشعبي التابعة لإيران، وهذه ليست خسارة هينة إذاً".

آراء بأنّ ترامب كسب شعبية على الصعيد الداخلي، بينما تكسب إيران سيطرة أكبر على العراق وفرصة لإجهاض الثورة العراقية

وانطلاقاً من هذا الأمر، لا يمكن أن يعد مقتل سليماني مجرد حدثٍ مبني على تنسيقٍ أمريكيٍ إيراني، كطوق نجاة لطهران، حتى تجد سبيلاً آخر لسياساتٍ جديدة في المنطقة. هذه الفكرة مرفوضة بالنسبة إلى الباحث المصري، الذي يؤكد أنّ "إيران خسرت هي وميليشياتها الكثير، وخصوصاً أنّها فقدت رجلها الذي يمكن له إدارة الأمور في الخارج والداخل بكافة تعقيداتها، أما بديله الجنرال قآني فلن يسهم كثيراً في سد مكان سليماني".
وبسؤاله عما إذا كان يمكن لإيران أن تكون كسبت شيئاً من مقتل سليماني، قال المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات: "ربما يعطي مقتل سليماني فرصةً للنظام الإيراني حتى يعيد بعضاً من اللحمة إلى الداخل الإيراني، والتخفيف من السخط الشعبي ضد سلوك النظام الإيراني في الداخل، حيث سمح مقتله بتصوير المسألة السياسية المعقدة بأنّها دينية، وأنّ سليماني الشهيد رمزٌ للظلم الذي يتعرض الشعب الإيراني إليه من الخارج وليس من النظام، كما حاولت إيران الدفع بأنّ مقتل جنرالها الأوحد خرقٌ للنظام الدولي، واعتداء أمريكي، لا بد أن يكون ثمنه خروج أمريكا من العراق، وهو ما يصب في مصلحة إيران لتعميق وجودها في العراق، وإبقائه حديقة خلفية لها".

خرج العراقيون بعد مقتل سليماني مطالبين بخروج أمريكا وإيران من بلادهم

وختم سليمان بأنّه يعتقد أنّ النظام الإيراني، ربما سيستغل ما حصل للخروج من العزلة والتقاط أنفاسه مستقبلاً، وربما تنتهي سيطرة التيار المتشدد في الحرس الثوري بعد مقتل سليماني، لتشهد المنطقة انحساراً لهذا التيار بشكلٍ عام، مع الثمن المحتمل المطلوب، وهو خروج أمريكا من العراق، رغم أنّ هذا مستبعد.

هاني سليمان: تم ضرب أيديولوجيا إيران، وربما يجبرها مقتل جنرالها الأوحد على انتهاج سياسات خارجية أكثر

ويبدو، أنّ مكاسب إيران، ربما لا تتوقف عند هذا الحد، فمقتل قائد ميليشياتها الأهم بهذه البساطة، عده البعض غير منطقي، وقد علق المحلل السياسي محمد الحمادي على هذه الفكرة بقوله "على المستوى الأمريكي سيكسب الرئيس ترامب الذي يعيش حالة صراع مع أعضاء الكونغرس قد تطيح بكرسي حكمه، تأييداً شعبياً بوصفه القائد الذي يدافع عن جنوده ومصالح بلاده أمام الأعداء، وقد يفوز بولاية حكم ثانية". وفق مقال الكاتب في صحيفة "الرؤية" الإماراتية، في السابع من الشهر الجاري. أما بالنسبة لإيران، فسيجهض "اغتيال "سليماني الاحتجاجات الشعبية العراقية، وسيجعل الميليشيات الطائفية أكثر دموية وتبعية لإيران، بعدما استفادت بدورها من جرعة "ممانعة ومقاومة" جديدة للموالين للنظام الحاكم، كما أبعد "خامنئي" شبح "سليماني" الذي بدأت شعبيته تتعاظم وتكبر لدرجة أنّ المحتجين أمام السفارة الأمريكية ببغداد كتبوا على جدرانها عبارات تؤكد أنّ قائدهم هو "قاسم سليماني" بحسب المصدر ذاته.
اغتيال سليماني جدلي، كما دوره في المنطقة، إذ رآه كثيرون ممثلاً للمقاومة، ورآه آخرون ممثلاً لمصالح إيران، ومجرم حرب، بينما أصبح مقتله مثل أمرٍ متفق عليه، ربما من قبل أطرافٍ داخلية إيرانية، وأخرى خارجية دولية، ولا يبدو أنّ أسباب موته، والمؤامرة لاغتياله، سيكونان أمراً مهماً في قادم الأيام، فهذه أمورٌ ستحسمها الساحة العراقية بالذات، وكذلك الانتخابات الأمريكية القادمة، ليظهر إن كانت إيران قد ضحّت بقلعتها الراسخة مؤقتاً، حتى لا يموت الشاه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية