أردوغان و"العثمانية الجديدة".. كيف أخفق المشروع التركي في الإقليم؟

أردوغان و"العثمانية الجديدة".. كيف أخفق المشروع التركي في الإقليم؟


10/01/2020

يستلهم أردوغان مقولة صديقه الأكاديمي، أحمد داوود أوغلو، الذي انقلب عليه أردوغان، بأنّ على تركيا أن تتجه شرقاً وجنوباً؛ حيث العمق الإستراتيجي لتركيا العثمانية في الدول العربية والإسلامية، وليس في أوروبا، غير أنّ ترجمات أردوغان لتلك المقولة، تجري في سياقات مفاهيم تجاوزتها حتى الدول الاستعمارية الكبرى، التي أجهزت على "الرجل المريض" قبل مئة عام؛ إذ من الواضح أنّ سياسات أردوغان، التي تنفّذ تحت عنوان "العثمانية الجديدة"، يتمّ بناؤها مع الدول العربية والإسلامية على أساس التابع والمتبوع، وأنّ "الأستانة" هي صاحبة القرار، وأنّ على الجميع أن يقولوا "سمعاً وطاعة" لخليفة المسلمين الجديد، لا على أساس التحالفات الندّية، والاعتراف بسيادة الدول العربية والإسلامية واستقلالها.

تخبّط السياسات التركية وتناقضاتها أفقدها القدرة على أن تكون وسيطاً مقبولاً بين مختلف أطراف النزاع في المنطقة

الصور التي يبثّها إعلام حزب "العدالة والتنمية" مدروسة بدقة وعناية، تترجم المقاربة "الأردوغانية" بحذافيرها؛ ففي الدول العربية يجري التدخل عسكرياً، في ليبيا والعراق، وفي سوريا، من خلال الجيش التركي، وبالتحالف مع جماعات إسلامية، وقواعد عسكرية في السودان "سواكن"، وأخرى في قطر، فيما الصور التي تبثّ لأردوغان وهو يحمل أطفالاً مسلمين تعرضوا للاضطهاد في الصومال والروهينغا، وصور أخرى لمسلمي "الإيغور" في الصين، بوصفه الخليفة المسؤول عن حماية المسلمين، هذا إضافة إلى صور بناء أكبر المساجد في قلب أوروبا، وتقديم الدعم لجماعات إسلامية من بينها "جماعة الإخوان المسلمين" في الدول الأوروبية، وكان هذا الدعم من بين أحد أبرز أسباب ازدياد منسوب الكراهية والشعبوية في أوروبا، ولعلّ فيما كتبه اليميني الأسترالي، الذي نفّذ عملية إرهابية ضدّ المسلمين في مساجد نيوزلندا قبل عدة أشهر، ما يشير إلى دور "العثمانية الجديدة" في تنمية وتصعيد خطاب الكراهية والتطرف.

اقرأ أيضاً: لأهداف إيديولوجية واقتصادية، أردوغان يزيد من تدخله في ليبيا
لافتة للنظر، خلال الأسبوع الماضي، تطورات التدخل التركي في ليبيا، والتهديدات المتبادلة مع أحد طرفي النزاع "خليفة حفتر"، وبصورة أثارت تساؤلات حول أسباب هذا التصعيد، من الجانب التركي، وتحالف أردوغان مع "مليشيات إسلاموية"، والتي جاءت في إطار قناعات تركية بأنّ أنقرة تزداد خسائرها في شمال إفريقيا والسودان، وأنّ أملها بالتحالف مع تلك الميليشيات، للاحتفاظ بتأثير وتواجد في ليبيا، بدأت بالتلاشي، بعد فقدانها ساحة السودان، والشكوك حول مصير وجودها في "سواكن"، وحرمانها استثمار تطورات الأوضاع في الجزائر، وعدم قدرة النهضة التونسية على أن تؤسس موطئ قدم حقيقي لتركيا في تونس.

اقرأ أيضاً: أردوغان يقرر الانتقام من الديمقراطية بعد إسطنبول!
وفي الشرق؛ الصورة لا تقلّ قتامة عمّا هي في شمال إفريقيا، فالتدخل التركي في سوريا من خلال دعمها لفصائل جهادية إسلاموية، وعلى رأسها "القاعدة"، إضافة إلى احتلالها أراضي عربية سورية في عفرين وإدلب، مرفوض حتى من ألدّ خصوم النظام السوري في الإقليم، فيما التدخل العسكري في العراق، مرفوض عراقياً وإيرانياً، إضافة إلى مواقف المنظومة الخليجية من إقدام تركيا على بناء قواعد عسكرية في قطر، مع بدء الأزمة الخليجية.
تخبّط السياسات التركية وتناقضاتها أفقدها القدرة على أن تكون وسيطاً مقبولاً بين مختلف أطراف النزاع في المنطقة؛ فأنقرة التي تتذرع بدعم الميليشيات الإسلاموية في ليبيا بكونها تابعة لرئيس الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، بقيادة فايز السراج، لا تدعم تلك الشرعية ولا تعترف بها في العراق واليمن وسوريا، وتقدم دعماً سياسياً وعسكرياً لخصوم تلك الشرعيات.

اقرأ أيضاً: سلطة أردوغان تتهاوى لهذه الأسباب
وقد كانت لافتة للنظر، على هامش قمة العشرين في اليابان تصريحات أردوغان، بعد لقائه الرئيس الصيني، التي أشاد فيها بمعاملة السلطات الصينية لأقلية "الإيغور المسلمة"، في الوقت الذي شنّ فيه، قبل أسابيع، حملة ضدّ الصين تتوافق مع تقارير منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان انتقدت وبشدة معاملة الصين للإيغور، فيما تطرح المفارقة بين خطاب أردوغان المتشدّد تجاه إسرائيل، واستمرار التبادلات التجارية معها بمليارات الدولارات تساؤلات حول حقيقة الموقف التركي من إسرائيل.

دعم أردوغان للجماعات الإسلاموية في أوروبا من بين أحد أبرز أسباب ازدياد منسوب الكراهية والشعبوية

يدرك متابعون للشأن التركي؛ أنّ تناقضات السياسة التركية الدولية، وفي الإقليم، مرتبطة باهتزاز صورة أردوغان في الداخل التركي، والتي تشير اتجاهات تحولاتها المستقبلية إلى احتمالات انشقاقات في حزب "العدالة والتنمية"، خاصّة بعد خسارته الموجعة في انتخابات بلدية إسطنبول، وخسارته لبلديات أخرى في أنقرة وإزمير، واحتمالات تفاقم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها "التضخم، انخفاض الليرة، ارتفاعات الأسعار، وازدياد مستويات البطالة، ...إلخ"، بما يؤسس لربيع تركي، مرجعيته الأوضاع الاقتصادية.
ولعلّ التساؤل المطروح اليوم: كيف لدولة إقليمية، بوزن وقوة تركيا، أن يكون لها دور إقليمي، وهي تتجاوز مراحل الصراع المعروفة مع دول إقليمية أخرى في المنطقة (مصر والسعودية والإمارات) وتخوض معارك إعلامية وعسكرية ضدّها عبر وكلائها؟ فيما تتحالف مع إيران، القوة الإقليمية المنافسة في الإقليم، في تحالف تدرك القيادة الإيرانية أنّه مؤقّت، وأنّ ما يفرق بينها وبين أردوغان أكبر مما يجمعها معه، فيما تتطلع لإتمام صفقة أسلحة روسية، صواريخ "إس 400"، مع البقاء في حلف الناتو، وهو ما ترفضه أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي.
التطورات القادمة المتوقعة داخل تركيا، عنوانها فقدان أردوغان للمزيد من مظاهر سلطته على تركيا، وفي الإقليم والمنطقة، بما فيها تطورات سوريا والقضية الفلسطينية، تشير إلى أنّ مأزق حزب "العدالة والتنمية" سيتعمّق، وباتجاهات ستكون مطلوبة خلالها الإجابة عن السؤال الذهبي: هل أردوغان جزء من حلّ المشاكل، أم أنّه ومشروعه هما المشكلة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية