أردوغان والإعلام والأنا المتضخمة

تركيا

أردوغان والإعلام والأنا المتضخمة


07/01/2020

يستحق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لقب رجل الشخصيات المتعددة؛ فهو ليس مجرد رئيس لدولة تركيا فحسب، وليس مجرد ممثل للعصر العثماني الغابر، في نظر العديد من العرب، كما أنّه لا يكتفي بكونه ربّ عائلة ومهتماً بالرياضة، ولا يحتمل أيّة انتقادات أو معارضة، بل يحاول دوماً تصدر الشاشة بأيّة طريقة.

اقرأ أيضاً: لماذا يكره أردوغان فتح الله غولن؟

وخلال العقد الأخير، وبعد سريان أحداث ما يسمى الربيع العربي، وقبله غزة وفلسطين، يعمل أردوغان من خلال الشاشة فعلاً، فيبدو أنّه موجود في الإعلام، أكثر مما هو على الواقع، بمعنى أنّ سياسات بلاده وسياساته، لا تشبه كثيراً صورته الإعلامية، لا تجاه فلسطين ولا العرب، ولا تجاه قضايا داخلية وخارجية عديدة، فكيف يبدو بارعاً في الظهور، ولماذا، وما هي أبعاد شخصيته متعددة الجوانب؟

النرجسية من صفات الزعماء

منذ عام 2003، وبعد مرور خمسة أعوام على تأسيس حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، تمكّن رجب طيب أردوغان من تسلم السلطة، كرئيس لوزراء تركيا؛ حيث تمكّن من البقاء في منصبه ذاك مدة تزيد على العشرة أعوام، قبل أن يتولى رئاسة تركيا في 2014.

أردوغان يفعل عكس ما يقوله تجاه فلسطين وسوريا، فعلاقات بلاده ممتازة مع إسرائيل، وحدوده فتحت للمسلحين بسوريا خلال الحرب

وخلال ذلك الزمن؛ ظهرت السياسة التركية بصورة أكثر استعراضية وفردية، من خلال شخصية أردوغان نفسه، فقد مرّ بمفاصل عديدة، منها الخلافات التركية مع إسرائيل حول حرب غزة، عامَي 2008 و2013؛ حيث شهدت العلاقات توتراً بين البلدين وتراشقاً إعلامياً تصدّره الرئيس أردوغان آنذاك، غير أنّ ذلك، وبحسب تقريرٍ لموقع "ترك برس"، بتاريخ 27 شباط (فبراير) 2016، يحمل تصريحات تركية وإسرائيلية، أنّ العلاقات التجاربة الكبيرة بين البلدين "لم تتأثر بهذه الخلافات، بل بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين، عام 2009، مليارين و597 مليوناً و163 ألف دولار، وارتفع عام 2014 إلى 5 مليارات"، وهو العام الذي ترأس فيه أردوغان دولة تركيا.
ولعلّ طلعات أردوغان الإعلامية بشأن فلسطين لا تنتهي، وتكشف جانباً من شخصيته، يشبه فيه الممثلين البارعين، والسياسة، عموماً، تحتاج إلى تمثيلٍ وتناقضات بين القول والفعل، من أجل تمرير المصالح، ولطالما استفاد الرئيس من هذه الفكرة. وكان التقرير ذاته أشار إلى رؤية أردوغان، المتمثلة في "ضرورة التوافق مع إسرائيل، بسبب تدهور الأوضاع في المنطقة العربية".

اقرأ أيضاً: هل تراجع نفوذ المحور التركي القطري في الإقليم؟

لا تتوافق أقوال أردوغان تجاه فلسطين والعرب مع أفعاله الجيدة تجاه العلاقات بإسرائيل

وليست فلسطين وحدها مطيةً للسياسيين، ومحوراً للتناقض؛ فجماعات الإسلام السياسي تجد ملاذها الآمن في تركيا أيضاً، خصوصاً منذ اندلاع الربيع العربي، ولا عيب في جماعات الإسلام السياسي، سوى أنّ تركيا، برئاسة أردوغان، تدعم جماعات كالإخوان المسلمين، بعد ما سببوه من اضطرابات في مصر، منذ 2012، وفي دولٍ عربيةٍ أخرى، كما أنّه ترك حدوده مفتوحة لمرور المسلحين والإرهابيين إلى سوريا، في خضم أزمتها وحربها، ووفق تقارير موسّعة، نشرتها شبكة "ANN"، بتاريخ 29 تموز (يوليو) 2012؛ فإنّ "صفقةً أمريكيةً تركية، منحت تركيا دوراً فعالاً على الأرض، تركها لتتحكم في الحدود مع سوريا، فتفتحها كما تشاء ولمن تشاء، أو لتتحرك عسكرياً وتقيم مناطق عازلة بينها وبين سوريا لاحقاً".

لا يحبّ أردوغان القراءة؛ بل يعشق التلفاز والمسلسلات التاريخية ويهتم كثيراً بمشاهدة قنوات تنتقد معارضيه

ورغم كلّ ما سبق؛ يريد الرئيس، الطيب أردوغان، أن يبقى أمام العرب بمثابة البطل العثماني القادم من الماضي، محملاً بمجد المسلسلات التاريخية التركية من جهة، وبدموعه على أطفال فلسطين وسوريا تارةً، ونداءاته لبناء أمةٍ إسلامية تارةً أخرى، ربما ليس لهذا كلّه هدف، إلا خدمة مصالح أردوغان وتركيا.

وعلى صعيدٍ شخصي؛ يعدّ أردوغان، الذي تجاوز الخامسة والستين من عمره، رجلاً "نرجسياً" بصورةٍ مبالغٍ فيها، مما حدا موقع "الحرة" لنشر سلسلة مطولة عن شخصيته وحياته وسياساته، في منتصف 2018، حملت عنوان "غضب وهوس"؛ إذ يبدو الرجل الواثق بأنّه "البطريرك القوي"، كما يصفه موظفوه الحكوميون (ليس كلهم)؛ لأنّه معروف بـ "نوبات الغضب المفاجئة، دون سبب واضح، ونوبات غضبه المتفجرة، غالباً ما تكون مصحوبة برمي أجهزة "Ipad" على الموظفين، وهي معروفة للجميع".

فماذا عن باقي معالم شخصيته وسياسته داخل تركيا؟

الهوس بالسلطة

أول إشارةٍ إلى شخصية أردوغان، وفق "الحرة"؛ هي أنّه "رجل لا يحبّ القراءة؛ بل يفضل مشاهدة التلفاز، وخصوصاً قناة "A-Haber" التركية، المتخصصة في نقد معارضيه؛ حيث يريحه أن يشاهدها"، أيضاً، لا يجيد أردوغان الإنجليزية، لكنّه يملك موظفين يترجمون له ما يقال عنه في الصحف الغربية، لأنّه "مهووس بما يقال عنه".

اقرأ أيضاً: عندما يحاول أردوغان تحميل الإمارات هزائمه وخساراته المتلاحقة
ويرد في التقرير كذلك؛ أنّ "شغف أردوغان بالدولة العثمانية، جعله لا يفوت أياً من حلقات مسلسل "عاصمة عبد الحميد"، الذي يتحدث عن حياة السلطان عبدالحميد الثاني، والذي وصفه مؤرخون بـ "السلطان الدموي"، نتيجة لطريقة حكمه القاسية".

في عهد رئاسة أردوغان تراجعت الحريات العامة والسياسية بصورة كبيرة

وشهدت تركيا في عهد أردوغان تقلصاً كبيراً للحريات الفردية وحرية التعبير، خاصة بعد انقلاب 2016، الذي استغله لاعتقال صحفيين وأكاديميين وموظفين، في معظم مؤسسات البلاد، وكان عام 2016، قد شهد كذلك انقلاب أردوغان على رفيقه السياسي، أحمد داوود أوغلو، ونشوب خلاف سياسي بينهما، على خلفية عمل أردوغان على "تحويل تركيا من دولة برلمانية إلى رئاسية، وزيادة صلاحيات الرئاسة التي يتولاها"، وهو ما لم يتحمس إليه أوغلو، فقوبل بالاتهام من قبل أنصار الرئيس. وفق تقريرٍ موسع نشرته "روسيا اليوم" عام 2016.

اقرأ أيضاً: إن جاءك الطوفان.. رجال أردوغان يتبادلون الاتهامات بالفساد

ويضيف التقرير: أردوغان "سعى لدعم أنصاره ومريديه وحلفائه، من خلال وضعهم في مناصب مهمة ضمن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي مؤسساتٍ مختلفةٍ في تركيا، ويصفه منتقدوه بأنّه أصبح متسلطاً أكثر فأكثر مع تقدمه بالعمر، فها هو يسعى للإحاطة بكل مفاصلِ الدولة، فضلاً عن مؤسسة الرئاسة"، عدا عن تهم دعم الإرهاب التي يمكن توجيهها في تركيا إلى النواب البرلمانيين الذين يدعمون قضايا الأكراد، أو إلى معارضي أردوغان وسياساته، حتى من الصحفيين وأصحاب الكلمة.

يعمل أردوغان على رفض منتقديه ومعارضيه وناصحيه

وسابقاً، خلال عام 2015؛ اختلف أردوغان كذلك مع رفيقه في تأسيس حزب العدالة والتنمية، والسياسي الكبير، والرئيس السابق لتركيا عبد الله غول، الذي "انتقد سياسة بلاده الخارجية، وقال لأردوغان إنّ البلاد تحتاج إلى مراجعة سياستها في الشرق الأوسط، من خلال تبني وجهات نظر أكثر واقعية، غير أنّ هذا الانتقاد أدّى إلى مواجهة غير مسبوقة مع أردوغان"، بحسب تقريرٍ موثق لـ "سكاي نيوز" عام 2015.

وصفه بعض موظفيه بأنّه يغضب فجأة وأنّ تسلطه يزداد مع تقدمه في العمر، إضافة إلى خلافه مع أفضل رفاقه السياسيين

ورفض أردوغان حينها نصائح غول، ووجه كلمة في حضوره، واصفاً إياه، بصورة غير مباشرة، بأنّه "جبان وخائن"، بحسب التقرير ذاته، في إشارة واضحة إلى عدم قبول أردوغان أيّة مشاركة سياسية في الرأي.
وكان مركز "هسبريس" للدراسات والإعلام، قد أكّد، في دراسةٍ أعدها بشراكة مع مؤسسة "DW" الألمانية؛ أنّ زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي كان يدرك جيداً أهمية الإعلام قبل أن يصل إلى سدة الحكم في البلاد، ولهذا "بات أنصار حزبه من رجال الأعمال يسيطرون على معظم المنابر الصحفية والإعلامية"، التي ربما توفر له الظهور، داخلياً وخارجياً، بالصورة التي يريدها.
وبصورةٍ عامة؛ يتّضح انقلاب أردوغان على رفاقه السياسيين؛ بسبب شخصيته التسلطية، وفق ما ورد في التقارير السابقة، كما أنّه يبرع في تمثيل دور الرجل الحامي لقضايا المسلمين، بينما يحافظ على علاقة مميزة مع دولة الاحتلال، أما موضوع الحريات للرئيس الذي يحبّ مشاهدة كرة القدم ومشاهدة قنوات تدعمه، وتهاجم المعارضة ضدّه؛ فقد تقلّصت منذ استلامه رئاسة بلاده، وبما أنه لا يتقن الإنجليزية، ولا يحبّ القراءة، فربما لا توجد طرقٌ مميزة له، لمعرفة أعدائه، إن وجدوا، أو مواجهة معارضيه العديدين في تركيا، بقدر ما يمكن للرئيس، المحبّ لربطات العنق الحمراء والخضراء، أن يخترع أعداءً، ويواجههم كلامياً وإعلامياً، ويسلط عليهم جحيم المسلسلات التاريخية!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية