أخطاء تقع فيها مراكز دراسات غربية في علاج الظاهرة الإرهابية الإسلاموية

أخطاء تقع فيها مراكز دراسات غربية في علاج الظاهرة الإرهابية الإسلاموية

أخطاء تقع فيها مراكز دراسات غربية في علاج الظاهرة الإرهابية الإسلاموية


16/11/2023

هناك قراءات ملتبسة تطرحها بعض الدوائر الأكاديمية الغربية، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، وباحثون معروفون، بشأن الإسلاموية ووضع حلول لمشكلة الظاهرة الإرهابية، والغريب أنّ بعض باحثينا ومراكزنا العربية يسيرون على ذات النهج.

لو تطرقنا إلى هذه القراءة الملتبسة سنراها كلها كامنة في عدة أفكار رئيسة أهمها التالي:

1- الخلل في فهم أساس الظاهرة ومكمنها الديني الأساسي، وفق تعبير الباحث المغربي منتصر حمادة، بحيث تهمل تلك الدوائر الجانب الديني الفكري على حساب الجوانب الثقافية والسياسية، وهنا سنجد في المقدمة تعامل هذه المراكز مع سؤال الدين، فهو تعامل مختلف مقارنة مع تعامل أهل المجال الثقافي الإسلامي (أو العالم الإسلامي) مع الدين، فمكانة الدين في الدول الأوروبية والأمريكية، مختلفة كثيراً في التدبير والقراءة مع مكانته في الدول الإسلامية، سواء تعلق الأمر بتفاعل النخب أو الرأي العام، وكذلك النخب السياسية والفكرية والأمنية وغيرها.

يؤدي هذا التباين بين رؤية الشرق والغرب حول مركزية الدين في نشوء واستمرار الظاهرة الإرهابية؛ هذا يؤثر على أداء وعمل تلك المراكز البحثية، بما يُفسر بعض الفوارق في أداء المراكز البحثية العربية المتخصصة في الظاهرة الإسلاموية، على قلتها وقلة الإمكانات المتاحة، مقارنة مع ما يصدر عن المراكز البحثية الغربية، رغم كثرة الخبراء والباحثين ورغم ثقل الدعم هناك.

2- التعامل باختزالية شديدة مع الإسلاموية، بمعنى أنك يمكن أن تجد مركزاً بحثياً غربياً، لا يفرق بين الإخوان والسلفيين، أو بين الدعوة والتبليغ والجهاديين، ضمن بعض الأمثلة.

أخطاء فادحة لمراكز الدراسات الغربية في علاج الظاهرة الإرهابية الإسلاموية نتجت عن عدم إدراك الواقع

صحيح أننا نعاين هذه المعضلة عند بعض الأسماء البحثية العربية، خاصة حين الحديث عن التفصيل الدقيق للخريطة الأيديولوجية داخل تنظيم واحد، فالكثيرون على سبيل المثال لدينا لا يفرقون بين سلفية القاهرة والإسكندرية في مصر، رغم أنّ الفروق الفكرية بينهما كبيرة، لكن تلك المعضلة في عالمنا العربي متواضعة مقارنة مع الاختزال الشديد الذي نعاينه في الساحة البحثية الغربية.

هنا نرى الأجوبة مختلفة لسؤال يتعلق بالتيار الجهادي هل هو سلفي أصولي؟ أم في ذات الوقت حركي يعتمد على العمل السري؟ وما الرابط ما بين الجهادية والأصولية؟

اقرأ أيضاً: ما الجماعة الإسلاموية التي تخشى حكومة باكستان الاصطدام بها؟

مع انطلاقات تلك الجماعات فسنجد التداخلات الفقهية والفكرية العقدية وجملة من الاستراتيجيات الحركية، تداخل فيها المحلي بالأممي، وجملة من الأفكار الجديدة المعقدة، التي تجاوزت الأطروحات القديمة في الفكر والمنهج، وتستلزم القراءة الصحيحة، وهو ما أوقع تلك المراكز غير المتعمقة في الفكر بسبب حاجز اللغة في جملة من الأخطاء.

3- المقاربات السطحية، التي تسيّدت مراكز الدراسات الغربية في تحليلها وفهمها، خصوصاً إذا كان يغلب عليها كما قلنا الاختزالية، أو الأدلجة ثم التعميم، فعلى سبيل المثال، المصطلح الذي صكّه آصف بيات (ما بعد الإسلام السياسي)، تبعه خبراء غربيون كثر مثل ستيفان لاروا وغيرهم، وبدأ تعميم المصطلح من قبل باحثينا العرب على اعتبار فشل الظاهرة، أو تحوّلها إلى صورة جديدة من الرجعية والتراجعية أو النهج المستوحى من قيم السوق، وبمعنى أدق دخولها إلى مرحلة جديدة تعرضت فيها إلى سيرورة علمنة أصابت مفاهيمها الحاكمة بنوع من السيولة.

يمكن أن تجد مركزاً بحثياً غربياً لا يفرق بين الإخوان والسلفيين أو بين الدعوة والتبليغ والجهاديين

وهنا لا بد أن نتوقف لأن المقصود في البداية هو من يمزجون ما بين الإسلام والوصول للسلطة، سواء جماعات أو أفراداً، أي تحقيق أهداف سياسية من خلال الأيديولوجيا، وهم الذين يعملون على تعريف الإسلام من خلال مجموعة من الأشكال، كلها تربط ما بين تحقيق الأهداف السياسية والإسلام، وهنا لا يجب التعميم مع حالة بروز الأحزاب الدينية السياسية والقفز على العمل الجماعاتي، وهكذا فلا ما بعدية للإسلام السياسي، بل نحن أمام دائرة واحدة، بها تقسيمات متنوعة، تقف كلها على أرضية واحدة، وهي (التغيير عن طريق المزج بين الإسلام والسياسة) وسنرى مجموعة من الأشكال، منها: الذين يؤمنون أنّ هذا التغيير فوقي، أي عن طريق هرم السلطة والوصول إليها، سواء هو بطرقٍ مشروعةٍ قانونيةٍ، مثل الممارسة الحزبية الديمقراطية، أو هو عن طريق العمل السري المسلح، ثم الذين يؤمنون أنّ هذا التغيير سفلي أي عن طريق التوغل شعبياً من أسفل سواء عن طريق العمل النقابي، أو العمل الدعوي السلمي المشروع أو التنظيمي غير المشروع، والشكل الثالث هم الذين أخذوا حالة وسطاً ومزجوا ما بين الأول والثاني، وسنرى داخل كل شكل من الثلاث تحولات فارقة تتسبب فيها الظروف المحيطة وفقه الواقع ما يجبر حالة من الانتقال ما بين الأشكال الثلاث.

اقرأ أيضاً: الخريطة الإسلاموية في الجزائر: أين يتجه الإخوان بعد كل هذا التشتت؟

وهنا لا نستطيع أن نحكم أننا انتقلنا إلى ما بعد الإسلاموية لأن الجميع يقفون على أرضية واحدة وهي التغيير عن طريق الإسلام، وإن حدثت القفزات بعيداً عنها لن تصبح إسلاموية، بل تصبح تديناً، وهي لا تعدو كونها استراتيجية تكتيكية أكثر من كونها أيديولوجيا جديدة، وإلا لن تكون إسلاموية من الأساس، وهنا غرق منظّرو مراكز الدراسات الغربية في تلك النظرية وأهملوا باقي تركيبة الإسلام السياسي.

4- الرؤية البدائية الخاطئة المتعلقة أنّ جماعة الإخوان بعيدة عن التطرف العنيف، وهي ما أصبحت مدخلاً لدراسات متوسعة حولها، بل ودفعت في اتجاه إقرار سياسات غربية تجاه الجماعة، وهو ما أدى إلى السماح بأنشطة كانت سبباً في الإسلاموية المتطرفة فيما بعد، بعدما تلاقت مصالح بعض الدول الغربية وأجهزتها الاستخباراتية مع هذا الطرح الأكاديمي المُتعاطف مع الإخوان.

اقرأ أيضاً: هل الاختلاف بين الجماعات الإسلاموية اجتهادات بشرية؟

الغريب أنّ دراسات كثيرة اتكأت على إمكانية التوأمة بين الإسلاموية والحداثة وسلمية الظاهرة وبدء تحولها للقبول بالديمقراطية، رغم أنه في مركزيتها الفكرية تركز على اعتبار الإسلام نظاماً سياسياً للحكم، والوصول للسلطة عبر أدوات التغيير الفوقي أو السفلي من قاعدة المجتمع هو المنهج للتغيير.

5- الإمبريالية العلمية البحثية في المراكز الغربية وفق تعبير الباحث وائل صالح في صفحته الرسمية بموقع التواصل "فيسبوك"، بمعنى أنّ نظريات بعض الباحثين خاصة الذين كانوا المتخصصين الأوائل في تلك الظاهرة، أصبحت هي الحاكمة، وتم تعميمها، مثل سلمية الإخوان، ما بعد الإسلام السياسي.. إلخ، ولم يعد بمقدور أحد تقديم موقف نقدي وتعددي في تحليلها وكأنّ هناك تفسيراً واحداً فقط وجميع التفسيرات الأخرى خاطئة.

دراسات غربية كثيرة اتكأت على إمكانية التوأمة بين الإسلاموية والحداثة وسلمية الظاهرة وبدء تحولها للقبول بالديمقراطية

6- التضامن البحثي الغربي مع السياسة، بمعنى أنّ جل الدراسات المنتجة من مراكز الدراسات الغربية، خاصة ما تم إنتاجه ما بعد "الربيع العربي"، تتوافق مع السياسة الغربية إلى تغيير وتفكيك العالم العربي، تحت مسميات أنّ حركات التطرف نشأت بسبب دوافع تتعلق بالديمقراطية، أو السلطوية، من خلال مقاربات تجاهلت معرفياً ومنهجياً وفكرياً الواقع السائد في العالم العربي، وأسباب نشأة هذه التيارات، وتطور الدولة الوطنية العربية وتنميتها.

على هذا تصر مراكز الدراسات الغربية على تفسير العنف الديني انطلاقاً من معضلة التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهو أيضاً تفسير خاطئ، فمنح كل العوامل وزنها النسبي مسألة ضرورية لفهم أفضل لظاهرة التطرف التي تؤدي إلى العنف باسم الإسلام دون الوقوع في فخ تبييض العنف الذي تمارسه بعض التيارات التي تبدي تعاطفاً أو انحيازاً أكاديمياً مع الإسلاموية بتبرئة نمط التدين المنغلق والمتشدد الذي يتربون عليه في خاصية انتقالهم السريع لممارسة العنف.

وتنكر هذه الدراسات التي تنتجها المراكز الغربية دور النص الأيديولوجي المؤسس للعنف، وتحصر أسبابه فقط في التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي باعتبارها وحدها العوامل الوحيدة لهذا العنف.

7-  تجمع "الإسلاموفوبيا" البحثي، بمعنى تركيز بعض المراكز الغربية على تقديم دراسات تخدم بامتياز، إما التجمعات الخائفة من الإسلام، أو التجمعات الإخوانية، التي تستغل ظاهرة الإسلاموفوبيا للعمل من خلالها.

تصر مراكز الدراسات الغربية على تفسير العنف الديني انطلاقاً من معضلة التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي

8- الفاعلون الممولون من الباحثين الغربيين، وهؤلاء هم فصيل مهم في الحياة الأكاديمية في الدول الغربية يروجون لصورة الإسلام السياسي الإيجابية؛ لأنهم يعملون مع أجهزة تستخدمهم ضد المؤسسات الوطنية في بعض الدول العربية، وليس هدفهم بكل تأكيد علاج هذه الظاهرة، بل هم يروجون لها في أحيان كثيرة بطريقة غير مباشرة، عبر حديثهم عن الحرية والديمقراطية وجواز مشاركتهم في الحكم.

الخلاصة، إنّ هناك أخطاءً فادحة لمراكز الدراسات الغربية في علاج الظاهرة الإرهابية الإسلاموية نتجت عن عدم فهم وإدراك أو مخالفة الواقع وعدم دراسته جيداً أو بسبب تسليع الدراسات وبيعها، وكذا عدم فهم الخريطة الأيديولوجية، وعدم تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والنفسية والفكرية وتأثيرها في الإرهاب، وعدم دراسة الأبعاد الجغرافية والتاريخية للتطرف والإرهاب بشكل واقعي، بسبب الجهل بالعلوم الشرعية، والاعتماد على استراتيجية تثقيف غربية أثناء علاج ظاهرة ديني إسلامية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية