في ذكرى سقوط الإخوان المسلمين... هل انهار مشروعهم السياسي في الشرق الأوسط؟

في ذكرى سقوط الإخوان المسلمين... هل انهار مشروعهم السياسي في الشرق الأوسط؟

في ذكرى سقوط الإخوان المسلمين... هل انهار مشروعهم السياسي في الشرق الأوسط؟


02/07/2025

في ذكرى سقوط جماعة الإخوان المسلمين تتجدد الأسئلة حول مصير هذا التنظيم الذي حلم يومًا بقيادة مشروع سياسي إسلامي يعيد صياغة الشرق الأوسط. من ميادين مصر إلى شوارع تونس، ومن ليبيا إلى المغرب والسودان، شهدت المنطقة موجات متتالية من التراجع والانهيار للجماعة، التي بدا أنّها، في لحظة تاريخية، قد اقتربت من تحقيق أحلامها السياسية. لكن اليوم، وبعد عقد من الزمن، يبدو المشروع الإخواني في حالة تآكل تنظيمي وشعبي، ممّا يطرح تساؤلات حول مستقبل الجماعة وإمكانية عودتها إلى الساحة.

بداية السقوط

كانت مصر، مهد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا، مسرحًا لأبرز فصول صعود الجماعة وسقوطها. بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 استطاعت الجماعة استغلال الفراغ السياسي للوصول إلى السلطة، حين تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية عام 2012. لكنّ هذا الصعود لم يدم طويلًا. فقد أدت سياسات الإخوان، التي اتسمت بالغرور السياسي وإقصاء الآخرين، إلى موجة شعبية عارمة أطاحت بحكمهم في 30 حزيران (يونيو) 2013. لم يكن السقوط مجرد خسارة سياسية، بل كان انهيارًا لسردية الجماعة التي قدّمت نفسها كحاملة لشرعية دينية وسياسية. الضربات الأمنية المتلاحقة، إلى جانب إعلان الحكومة المصرية للجماعة كتنظيم إرهابي، أنهكت هيكلها التنظيمي، وأفقدتها الحاضنة الشعبية التي كانت تعول عليها.

نهاية حركة (النهضة)

في تونس، بدت حركة (النهضة)، "الذراع السياسية للإخوان"، كأنّها نموذج ناجح للتكيف مع السياقات الديمقراطية بعد ثورة 2011. لكن سرعان ما واجهت الجماعة تحديات داخلية وخارجية. سياساتها الاقتصادية الفاشلة، واتهامات بالتساهل مع التيارات المتطرفة، أدت إلى تراجع شعبيتها. في 2021 أعلن الرئيس قيس سعيّد عن إجراءات استثنائية أنهت نفوذ حركة (النهضة) في الحكم، وأدت إلى تجميد البرلمان وملاحقة قياداتها. هذا السقوط لم يكن مجرد خسارة سياسية، بل عكس رفضًا شعبيًا متزايدًا لمشروع الإخوان، الذي بدا منفصلًا عن هموم التونسيين اليومية.

مناورات بلا أفق

في ليبيا، حيث سادت الفوضى بعد سقوط نظام القذافي، حاولت الجماعة استغلال الفراغ السياسي لتعزيز نفوذها، خاصة في شرق البلاد. لكنّ الصراعات الداخلية والتحالفات الهشة، إلى جانب صعود قوى منافسة مثل الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر، قلّصت من وجودها. الإخوان في ليبيا وجدوا أنفسهم عاجزين عن تقديم مشروع وطني موحد، ممّا جعلهم عرضة للتهميش في ظل الاستقطاب الحاد بين الأطراف الليبية.

تناقضات وتراجع

في المغرب، حيث يتمتع حزب (العدالة والتنمية)، الذي يُعتبر امتدادًا إيديولوجيًا للإخوان، بمساحة سياسية أوسع، واجهت الجماعة تحديات مختلفة. رغم هيمنتها على الحكم بعد 2011، إلّا أنّ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية لم تحقق آمال الناخبين، ممّا أدى إلى تراجع شعبيتها في الانتخابات اللاحقة. النظام الملكي، بحنكته السياسية، نجح في احتواء الجماعة، وهذا جعلها تفقد زخمها كقوة حاكمة أو معارضة.

حلم التمكين المجهض

في السودان، حاولت الجماعة استغلال التحالفات مع النظام العسكري بعد سقوط عمر البشير في 2019، لكنّ الصراعات الداخلية والضغوط الشعبية حالت دون تحقيق طموحاتها. الانقسامات بين القوى المدنية والعسكرية، إلى جانب الرفض الشعبي لعودة الإسلاميين إلى السلطة، جعلت مشروع الإخوان في السودان يواجه مصيرًا مشابهًا لباقي الدول العربية.

مستقبل الجماعة: بين الكمون والتلاشى

بعد هذه السلسلة من الانتكاسات، يبدو المشروع السياسي للإخوان المسلمين في حالة انهيار شبه كامل. الضربات الأمنية والسياسية، إلى جانب الأخطاء الاستراتيجية للجماعة، مثل تقديس المرشد والغرور السياسي، أدت إلى تآكل قاعدتها الشعبية. وتواجه قيادات الجماعة في المنفى، خاصة في تركيا وقطر وأوروبا، تضييقًا متزايدًا، حيث تعيد دول الخليج وأوروبا النظر في سياسات التساهل مع التنظيم.

الاعترافات الداخلية من قيادات سابقة كشفت عن أخطاء قاتلة، مثل إقصاء القوى السياسية الأخرى وعدم القدرة على تقديم مشروع وطني شامل. هذه الأخطاء حولت الجماعة من قوة ثورية إلى عبء على المجتمعات التي عملت فيها.

هل انتهى المشروع الإخواني نهائيًا؟ أم أنّ الجماعة تدخل مرحلة كمون تنتظر فيها فرصة جديدة؟ الإجابة تعتمد على عوامل عدة؛ أوّلًا: القدرة على إعادة بناء الثقة الشعبية، وهو أمر يبدو شبه مستحيل في ظل الرفض الشعبي الواسع، ثانيًا: طبيعة التحولات السياسية في المنطقة، حيث تسود اليوم أولوية الاستقرار على الشعارات الإيديولوجية، ثالثًا: الانقسامات الداخلية التي تضرب الجماعة، والتي تجعلها عاجزة عن توحيد صفوفها.

يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين، التي حاولت تقديم نفسها كبديل سياسي وديني في الشرق الأوسط، قد فقدت زخمها التاريخي. من مصر إلى السودان، مرورًا بتونس وليبيا والمغرب، تكشف مسيرة الجماعة عن درس أساسي: لا شرعية لمن يهدد استقرار الدولة والمجتمع. اليوم، وبينما تتآكل السردية الإخوانية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت الجماعة قادرة على إعادة اختراع نفسها، أم أنّها ستظل حبيسة ماضيها، تتلاشى تدريجيًا في ذاكرة المنطقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية