
أجرى الحوار: رامي شفيق
يمثل ترقب تصنيف حركة (النهضة) في تونس كتنظيم إرهابي، أو حلّ الحركة، بحكم قضائي على خلفية عدد من القضايا التي تنظرها دوائر القضاء والقيادات الذين تم توقيفهم على ذمة تلك القضايا، يمثل أحد أهمّ الملفات التي تعمل عليها النائبة بمجلس النواب التونسي عن دائرة صفاقس (فاطمة المسدي).
"حفريات" حاورت فاطمة المسدي، التي أكدت أنّ حركة (النهضة) انتهت في الشارع التونسي، وأضحت وقفات جبهة (الخلاص) محل تندر بين التونسيين، على خلفية مشاركة أعداد قليلة لا تتجاوز الـ (50) شخصاً.
وأضافت أنّ الانتخابات الرئاسية في تونس كانت تحت أعين حركة (النهضة)، وسعت عبر عدد من المرشحين المحتملين الذين هم في الأصل محل اتهام في عدد من القضايا، للدخول في المسار الانتخابي؛ بحيث تبدو الاتهامات وكأنّها تحرك من الرئيس قيس سعيّد ضد المنافسين.
نص الحوار:
في ظل بطء المسارات القانونية والتشريعية ضدّ حركة (النهضة)، هل يمكن للبرلمان أن يستبق الجميع بتشريع يحلّ الحركة؟
ينبغي أن يدرك كل عضو في مجلس النواب في تونس دوره بشكل كبير نحو قضايا البلاد، وحقوق الشعب؛ لذا قدمت في مجلس النواب منذ شهر تموز (يوليو) العام الماضي لائحة سياسية لتصنيف حركة (النهضة) كتنظيم إرهابي، وطالبت في تلك اللائحة بحل حركة (النهضة)، غير أنّ اللائحة لم تجد العدد اللازم لتمريرها للجلسة العامة؛ لأنّ عدداً من النواب كانوا يعتبرون أنّ تلك مهمة القضاء وليس من اختصاص مجلس النواب مناقشة الأمر، ورغم ذلك فقد قمت بإرسال تلك اللائحة إلى رئاسة الحكومة، بما أنّها مسؤولة عن الأحزاب والجمعيات؛ كإعلام بضرورة تصنيف حركة (النهضة) حركة إرهابية وحلّها.
لم أقف عند ذلك فقط، بل قمت بمراسلات وأرسلت أسئلة كتابية إلى وزارة العدل بخصوص هذا الموضوع، ولكن إلى حد الآن ننتظر من الحكومة إحالة ملف حركة (النهضة) للقضاء، بما أنّها مخالفة لقانون الأحزاب ومرسوم (87)، حيث إنّها متورطة في قضايا إرهابية وتبييض أموال وتمويلات خارجية.
وفي الوقت نفسه، نحن بصدد تجميع كل الأحكام القضائية ضدّ حركة (النهضة)، وننتظر صدور هذه الأحكام، خاصّة الحكم في ملف الاغتيالات؛ لرفع قضية ضدّ حركة (النهضة) للمطالبة بحلها، وحين ذلك ستكون القضية باسم عدد من نواب الشعب.
كيف يمكن قراءة الأحكام القضائية الأخيرة ضدّ راشد الغنوشي وقيادات حركة (النهضة)، خاصّة على مستوى قضايا التسفير لبؤر التوتر وقضايا الجهاز الخاص؟
تأتي الأحكام القضائية الأخيرة بعد نضالات العديد من التونسيين الذين ساهموا في فضح وتوثيق جرائم الحركة في حق الشعب التونسي، وقد دفع التونسيون ضريبة الدم حتى تحاكم هذه الحركة الإرهابية في ساحات القضاء، ويتم الكشف عن الكثير من الحقائق المتعلقة بتحول مطار تونس الدولي لممر آمن للإرهابيين، من خلال تبدل أصحاب الكفاءات بأصحاب الولاءات.
المسدي: نحن بصدد تجميع كل الأحكام القضائية ضدّ حركة (النهضة) وننتظر صدور هذه الأحكام خاصّة الحكم في ملف الاغتيالات؛ لرفع قضية ضدّ حركة (النهضة) للمطالبة بحلها، وحين ذلك ستكون القضية باسم عدد من نواب الشعب
وقد قمت رسمياً بتقديم شكاية تخص ملف تسفير الشباب إلى سوريا ضدّ قيادات من حركة (النهضة)، في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2021، وقام القضاء بالأبحاث اللازمة والاجتماعات والتحقيقات؛ حتى أثبت تورط قيادات الصف الأول والثاني من حركة (النهضة) في هذه الجريمة، وأصدر أحكاماً بالسجن للعديد من القيادات، مثل: راشد الغنوشي، وعلي العريض، ونور الدين البحيري، وغيرهم.
نحن في ترقب كامل انتظاراً لصدور الأحكام بالنسبة إلى ملف الجهاز الخاص، أو ما يُعرف بالجهاز السرّي، وحينها ستتضح خيوط الأخطبوط، وعلاقات الحركة بالإرهابيين، وبعملائها في الدول الأجنبية.
هل هناك بعض المنصات الإعلامية المحلية في تونس ما زالت تعمل لصالح حركة (النهضة)؟ وهل يمكن اعتبار قناة (الزيتونة) مثالاً لذلك؟ وهل ثمّة توجهات نحو مواجهة ذلك في المستقبل القريب؟
الغريب في الأمر أنّه إلى الآن تستعمل هذه الحركة بعض المرتزقة في الإعلام المحلي وبعض القنوات الخاصّة؛ لبث سمومها ومغالطة الرأي العام، وتشويه مسار المحاسبة القضائية والتشكيك فيه، ورغم أنّ الحكومة تقوم بتتبع الإعلاميين والقنوات المخالفة للقانون؛ إلّا أنّ هناك بعض القنوات كقناة (الزيتونة) وقناة (الإنسان) ما تزال تنشط وتشوه ولم تُغلق.
كما أنّ هناك بعض القنوات الأجنبية الرقمية، مثل: قناة (البلاغ) التي أصبحت منصة لاستقبال القيادات النهضاوية والتكفيريين للتحريض وتأليب التونسيين.
المهم في الأمر نحن على علم بكل مخططاتهم، وهناك بعض الوطنيين بصدد توثيق كل هذه الانتهاكات، والتي ستكون موضوع ملف ينتهي إلى إصدار قانون جديد للإعلام في تونس، وتُغلق بذلك كل هذه القنوات المشبوهة.
بالعودة إلى جبهة (الخلاص) ووقفاتها الرمزية في وسط العاصمة... كيف يمكن رصد تفاعل المواطنين مع ذلك؟
ربما من المهم أن يدرك الجميع أنّ وقفات جبهة (الخلاص) الرمزية أضحت مصدر تندر الشعب التونسي، حيث لا يتجاوز عدد المشاركين فيها الـ (50) نفراً، وهذا يعني أنّ حركة (النهضة) ومشتقاتها فقدت نهائياً الحاضنة الشعبية، ولم يبقَ فيها إلّا أبناء قياداتهم المسجونين.
المواطن التونسي أصبح على علم بجرائمهم، بعد أن صدرت الأحكام القضائية التي تدين الحركة، وفقدت الحركة دور الضحية، وأصبحت رسمياً عند المواطن التونسي لها دور الجلاد.
يقيناً لم نعد نرى أيّ تحالفات سياسية مع حركة (النهضة) وجبهة (الخلاص)، بقدر ما نرى تحالفات موضوعية في ملف معيّن؛ لأنّ الحركة أصبحت عاراً على معظم السياسيين في تونس، وحتى التصريحات السياسية تقتصر على تحديد نقاط التحالفات وموضوعها؛ لكي لا يُتهم المتحالفون معها بالإرهاب. فلذا صعب، وصعب جداً، أن نرى صياغة أيّ تحالفات قوية أو جدية وكبيرة وذات وزن سياسي، ولا يمكن فهم هذه التحالفات على غرار جبهة 18 تشرين الأول (أكتوبر)، بقدر ما نفهمها في سياق تحالفات وقتية هامشية، ضدّ تيار المحاسبة القضائية.
ما أزمة المرسوم (54)؟ ولماذا طُلب رفع الحصانة؟
مرسوم (54) هو مرسوم أصدره رئيس الجمهورية بعد أن قام بحلّ البرلمان في 2021، ويهدف هذا المرسوم للحدّ من الجرائم الإلكترونية وجرائم القذف والتشويه الإعلامي، وقد تمّت الانتخابات التشريعية والمحلية في مناخ هادئ، في ظل هذا المرسوم، وعندما اقتربنا من الانتخابات الرئاسية، رأينا العديد من القضايا التي تمّت على ذمة الفصل (24) من هذا المرسوم، والعديد من بطاقات الإيداع التي أصدرها القضاء على معنى المرسوم نفسه؛ فأصبح هذا المرسوم محل اتهام من المعارضة، وتعالت الأصوات بهدف تنقيحه؛ خوفاً من استعماله للتصفية السياسية، ولكن في الحقيقة هذا المرسوم جاء لتنقية المناخ الانتخابي، ولا معنى لتنقيحه، حسب رأيي، قبل المحطة الانتخابية الأهم في تونس، وهي الانتخابات الرئاسية، وكأيّ قانون؛ فإنّ هذا المرسوم سيكون محل نقاش وتعديلات، ولكن دافعنا على أن يكون ذلك بعد فترة الانتخابات التي وضع من أجلها.
المسدي: مرسوم (54) هو مرسوم أصدره رئيس الجمهورية بعد أن قام بحلّ البرلمان في 2021، ويهدف هذا المرسوم للحدّ من الجرائم الإلكترونية وجرائم القذف والتشويه الإعلامي
وفي ظل كل هذه الضغوطات السياسية فوجئت بشكاية ضدي من الهيئة المستقلة للانتخابات، على ذمة هذا المرسوم، تتهمني بتشويهها، رغم أنّ قضية الحال هي مجرد عمل رقابي لنائبة الشعب.
المهم أنّه إلى حدّ الآن لم يتم تحديد جلسة عامة للنظر في طلب رفع الحصانة، وخاصّة أنّ القضية تتعلق بالعمل الرقابي البرلماني.
ما رؤيتك للاستحقاق الانتخابي الرئاسي خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم، وموقف حركة (النهضة) من تلك الانتخابات؟
رغم أنّ دستور 2022 لا يذكر آجالاً معينة للانتخابات الرئاسية، ولا نجد أحكاماً انتقالية تفرض انتخابات رئاسية في تشرين الأول (أكتوبر)، بما أنّ دستور 2014 تمّ إلغاؤه بموجب دستور 25 تموز (يوليو)، وبالتالي كان يمكن للرئيس التمديد في المدة الرئاسية لعدة أشهر، ولا يوجد أيّ مانع قانوني لذلك، ولكنّ الرئيس قيس سعيّد فضّل أن تكون الانتخابات خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم، كما نص عليه الدستور السابق، وذلك لتمسكه بالشرعية القانونية، وهذا أعتبره موقفاً أميناً منه، وليتنافس الجميع من أجل مصالح تونس العليا.
أمّا بالنسبة إلى حركة (النهضة) وغيرها من الأحزاب المعارضة، فقد رأينا تحولاً في المواقف السياسية، من مقاطعة للانتخابات السابقة، إلى التعبير عن اعتزامها المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وهذا دليل على أنّ مواقف المقاطعة رهن الدعاية السياسية، وأنّ همهم الوحيد هو إسقاط رأس النظام الحالي.
ما رأيك في ترشح القيادي السابق في حركة (النهضة) عبد اللطيف المكي على منصب الرئيس؟ وكيف يمكن قراءة هذه الخطوة؟
بعض الترشيحات تأتي لمغالطة الرأي العام، خاصة أنّ بعض السياسيين متورطون في قضايا إرهابية أو تبييض أموال؛ فيعمدون إلى إعلان نيتهم في الترشح للانتخابات الرئاسية؛ سعياً منهم للتهرب من القضاء، وعند استدعائهم قضائياً، يدّعون أنّ رئيس الجمهورية يريد تصفية خصومه قضائياً، ولكن ما يقومون به من مناورات أمر مكشوف للشعب، وهذا ما فعله القيادي في حركة (النهضة) عبد اللطيف المكي، المتهم في قضية قتل النائب السابق الجيلاني الدبوسي؛ محاولاً إيهام الرأي العام أنّه خصم سياسي يحاولون عرقلة طريقه السياسي، وتلك مغالطة.