تاريخ الطليعة المقاتلة: الجناح المسلح لجماعة الإخوان في سوريا

الطليعة المقاتلة: الجناح المسلح لجماعة الإخوان في سوريا

تاريخ الطليعة المقاتلة: الجناح المسلح لجماعة الإخوان في سوريا


31/03/2024

التحق الشاب السوري، مروان حديد، بالجامعة في القاهرة، بداية الستينيات من القرن الماضي، عائداً إلى سوريا، عام 1964، غير أنّه عاد بحال غير التي رحل بها، ليصبح مؤسس الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أو ما يطلق عليه تنظيم "الطليعة المقاتلة"، ويكون المبشر بصدام مسلح بين الإخوان والنظام السوري، راح ضحيته آلاف السوريين في حماة وحلب، عام 1982.

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا: من تأييد "ربيع دمشق" إلى تجميد الخلافات مع النظام
ولد مروان حديد في مدينة حماة، عام 1934، لعائلة غنية، كتب حنا بطاطو في كتابه "فلاحو سوريا": "لم يكن والده مالك أرض، لكنه كان مقاولاً زراعياً، يستثمر أراضي بالاستئجار في المنطقة الشمالية الشرقية من الجزيرة...". يضيف بطاطو عن مروان: "تلقى تعليماً في الهندسة الزراعية في جامعة عين شمس المصرية، وتخرج فيها، عام 1962، وعندما كان في القاهرة وقع تحت تأثير الجناح الناشط من الإخوان المسلمين الذي كان يستمد إلهامه من سيد قطب".
في فترة تواجده في مصر؛ التقى مروان بتلاميذ حسن البنا، وتعرّف إلى سيد قطب وإخوانه، وقد اعتقل بسبب ذلك أكثر من مرة في مصر.
نشأت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من رحم عمل مؤسسي خيري

نشأة إخوان سوريا
نشأت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من رحم عمل مؤسسي خيري، كان قد نشط في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، تحت اسم "شباب محمد"، الذي يضمّ تحت لوائه العديد من الجمعيات الإسلامية، التي تطورت، عام 1945، إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
في دراسة منشورة بعنوان "الإخوان المسلمون والطليعة المقاتلة والعلاقة مع السلطة"، للباحث فادي شامية، ذكر أنّ الجماعة شكلت التنظيم القُطْري السوري للإخوان المسلمين، مضيفاً: "الذي صار لاحقاً أقوى تنظيم فاعل على المستوى القُطْري؛ إذ كان مرشحاً أن تكون سوريا مقر مكتب الإرشاد العام، بعد اغتيال حسن البنا والصدام مع عبد الناصر، وهو ما شكّل بالفعل قاعدة خلفية لمكتب الإرشاد العام، عامَي 1953 و1954، وتولى بعد ضرب إخوان مصر، عام 1954، مهمة التنسيق بين التنظيمات القطرية الإخوانية في البلدان العربية".

اقرأ أيضاً: لماذا نفى نصر الله التنافس والاشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟
شهدت مدينة حلب بدايات تشكيل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وذلك عام 1935، نتيجة تأثر كثير من الطلبة السوريين، الذين كانوا يدرسون في مصر، وعام 1944؛ انتقلت حركة الإخوان المسلمين إلى دمشق؛ حيث تمكن الدكتور مصطفى السباعي من دمج الجمعيات الإسلامية السورية، وقد انتخبه الإخوان السوريون مراقباً عاماً لهم، في الفترة من 1945 إلى 1961.
يوضح شامية في دراسته؛ أنه في عام 1970، وإثر الصراع مع نظام البعث، انشق صفّ الإخوان بين جماعتين؛ جماعة المواجهة في محافظات الشمال، بقيادة أمين يكن، وعدنان سعيد، وعبد الفتاح أبو غدة، وسعيد حوى، والمراقب العام للجماعة عدنان سعد الدين، وجماعة المهادنة في العاصمة، بقيادة عصام العطار.
وعام 1975؛ تطورت أفكار المواجهة مع النظام إلى الثورة المسلحة عليه، ولما كانت الجماعة بكل مؤسساتها رافضة لذلك، كما يشير شامية، فقد انفصل عبد الستار الزعيم، أحد قيادات الجماعة، وأسس تشكيلاً عسكرياً عرف باسم الطليعة المقاتلة، مستلهماً تجربة مروان حديد.
مروان حديد وبداية المواجهة
انخرط حديد، العائد من مصر متأثراً بحماسة سيد قطب، ومستاءً من استيلاء حزب البعث على السلطة، في الانتفاضة التي اندلعت في حماة، عام 1964، وأدت إلى قصف قوات النظام لجامع السلطان، يقول حنا بطاطو في كتابه "فلاحو سوريا": "انتهى به الأمر في السجن، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن توسط من أجله الشيخ محمد الحامد، الذي يتمتع بشعبية في حماه، وكان في الأربعينيات صديقاً لحسن البنا، مؤسس الإخوان في مصر، وأدى حينها دوراً في تهدئة النفوس والتوسط بين الحكومة والجماهير".

مروان حديد
وبفعل الصدمة الناجمة عن هزيمة العرب العسكرية، عام 1967، غادر حديد ومقاتلون شباب آخرون سوريا إلى الأردن، عام 1968؛ حيث انضم إلى حركة فتح، الذراع الرئيسة لحركة المقاومة الفلسطينية، وتلقى تدريباً فدائياً في أحد معسكراتها. يقول حنا بطاطو في كتابه: "بعد انقلاب الأسد، عام 1970، بوقت قصير، عاد حديد إلى حماة، وأسس كما ذكرنا، الطليعة المقاتلة، وأخذ يحرض على حمل السلاح ضدّ النظام لأنه "لا يحكم بموجب القرآن وسنّة النبي"، ولأنّ الأسد ورفاقه "كفّار".

في فترة تواجده في مصر التقى مروان بتلاميذ البنا، وتعرّف إلى سيد قطب وإخوانه وقد اعتقل بسبب ذلك

أشار شامية إلى أنّ النظام في سوريا لم يتعامل مع الطليعة المقاتلة على أنها جسم منفصل عن الإخوان المسلمين، فحجته كانت أنّ الكثير من الإخوان يتعاطفون مع التنظيم ويدعمونه، حتى إذا نجح، تبنته القيادة، موضحاً: "وفي الحقيقة؛ فإنّه ثمة في النظام من رأى مصلحة في تحميل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تبعة أعمال الطليعة المقاتلة تسهيلاً لعزلها، سيما في المراحل الأخيرة من الصراع، بينما كان البعض يميل إلى عزل الطليعة المقاتلة عن الإخوان، واستيعاب بقية الإخوان، لكن يبدو أن التيار الأول هو الذي ساد، ربما بسبب انسياق جماعة الإخوان نفسها في المواجهة".
حادث مسجد السلطان
بعد انقلاب 1963؛ الذي جاء بحزب البعث إلى السلطة، أخذ مروان حديد يدعو الناس ويحذرهم من البعث وحكمه، وبوصفه مسؤولاً عن قطاع الطلاب في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، كان يقود الطلاب في احتجاجاتهم على البعث، فاعتقِل وحكِم عليه بالسجن لمدة عام.

بعد انقلاب الأسد 1970 عاد حديد إلى حماة، وأسس الطليعة المقاتلة، ولم يتعامل النظام معها باعتبارها منفصلة عن الإخوان

وعام 1964؛ ثارت حماه على البعث، وفق ما يقول شامية: "أضربت المدينة لمدة 29 يوماً، وقد حاولت السلطة في بداية الأمر اعتقال بعض الطلاب، فاعتصم هؤلاء ومعهم عدد من الأهالي في مسجد السلطان في حماه، بقيادة مروان حديد، فأمر محافظ المدينة آنذاك، عبد الحليم خدام، بإنزال الجيش إلى الشوارع، واقتحام مسجد السلطان، ووقعت معركة اعتقل على إثرها مروان حديد، وقد حكم عليه بالإعدام في محكمة صورية برئاسة المقدم مصطفى طلاس، لكنّ الحكم لم ينفَّذ، وأطلق سراح مروان والمسجونين، بعد أن تدخّل الشيخ محمد الحامد وعلماء حماه عند رئيس الجمهورية، أمين الحافظ، آنذاك".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في سوريا: خفايا التحالف مع عبد الحليم خدام
كانت هزيمة عام 1967، كما يشير فادي شامية، مناسبة كبيرة لدفع العديد من الشباب للمشاركة وللتدريب على القتال والسلاح، وقد استفاد مروان حديد من هذه الأجواء، وخلال أحداث إقرار الدستور، عام 1973، فرّ مروان من وجه السلطة، وتنقل بين عدة بيوت، لمدة عامين ونصف، وفي صبيحة يوم 30 حزيران (يونيو) 1975؛ اعتقل مروان بعدما أصيب بكتفه.
تعرض مروان لتعذيب شديد، وأسلم الروح في سجن المزة العسكري، في حزيران (يونيو) 1976، ولم تسمح السلطة لأهله بدفنه في حماة، فدفن في دمشق، في مقبرة "باب صغير"، تحت حراسة أمنية مشدّدة.

 

انتقام الطليعة المقاتلة
كان أول فعل عنيف قامت به الطليعة المقاتلة؛ هو اغتيال الرائد محمد غرة، رئيس فرع الاستخبارات في حماة، في أوائل 1976. وفي شأن ذلك يقول بطاطو: "كلمة سربت من أحد سجون دمشق إلى مجاهدي الطليعة المقاتلة عن تعرض زعيمهم مروان حديد لتعذيب شديد، وقد جعلته الطريقة التي مات بها "شهيداً" في أعين المعجبين به، ودفعتهم إلى مزيد من العنف، كما أغضبت كثيراً من الناس في حماة".

اقرأ أيضاً: ما هدف الإخوان المسلمين من دعوة تركيا للسيطرة على شمال سوريا؟
كانت أكبر ضربات الطليعة المقاتلة؛ ما حدث في حزيران (يونيو) 1979، عندما أعطى الضابط المناوب في مدرسة المدفعية في حلب، النقيب إبراهيم اليوسف، بدلات عسكرية نظامية وكلمة السرّ الخاصة بالمدرسة إلى أحد عشر مقاتلاً من الطليعة المقاتلة، وقائدها في حلب، حسني عابو، واستدعى طلاب المدرسة، البالغ عددهم 300، إلى قاعة الاجتماع، وبعد التحقق من وجود الجميع اندفع المقاتلون إلى القاعة وهم يطلقون النار من بنادقهم.
دفعت الحادثة النظام السوري إلى إعداد العدة واقتحام حماة، في صدام عسكري ومعركة ممتدة مع الجماعات الإسلامية، عام 1982، قتل إثرها الآلاف، وامتدّ أثرها لأعوام في جماعة الإخوان، وانتهى على خلفيتها تنظيم الطليعة المقاتلة، الذي لم يعد له ذكر مرة أخرى حتى قيام الثورة السورية، وتأسيس تنظيم مسلح بنفس الاسم "الطليعة المقاتلة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية