هل بات البشير عبئاً على تركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين

هل بات البشير عبئاً على تركيا والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين


27/12/2018

صابرة دوح

خرج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عن صمته بعد مرور أكثر من أسبوع على الاحتجاجات التي تعصف بالسودان ليعلن عن موقف “باهت” على لسان نائب رئيس الحزب شدّد فيه دعمه لنظام الرئيس عمر حسن البشير.

وجاء الإعلان خلال اجتماع في أنقرة، ضم السفير السوداني بتركيا، يوسف الكردفاني، ومسؤول العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية نائب رئيس الحزب، جودت يلماز، ومستشار رئيس الحزب ياسين أقطاي.

ويرى مراقبون أن الموقف المتأخر لأنقرة تجاه الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ 9 أيام وتطالب برحيل عمر البشير، في مقابل مواكبة لصيقة لوسائل الإعلام التركية لهذا الحراك منذ انطلاقته يطرح فرضيات كثيرة، أبرزها وجود تغيّر في الموقف التركي من الرئيس البشير الذي هو في واقع الأمر وليد المنظومة الإخوانية التي نجحت في الوصول إلى الحكم في السودان عبر انقلاب عسكري على رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي في العام 1989.

ويرى مراقبون أن ما يرجّح فرضية تغيّر الموقف التركي من البشير ليست فقط التغطية المكثّفة لوكالة الأناضول الرسمية أو غيرها من وسائل الإعلام التركية أو في الموقف المتأخر الذي أعلنه نائب حزب العدالة والتنمية، بل وحتى في مواقف وتغريدات قيادات ونشطاء تابعين لتنظيم الإخوان المسلمين الذي بات تحت سيطرة كلية لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

وقالت القيادية الإخوانية اليمنية المقيمة في تركيا توكل كرمان في آخر تغريداتها على موقع “تويتر” الأربعاء “لم يستطع نظام البشير العسكري حتى توفير الخبز بعد ثلاثين عاما من الحكم، وهذه عيّنة فقط للدمار الذي أحدثه هذا النظام الفاشل والمستبد بالسودان”.

وقبلها وصفت كرمان البشير بـ“السفاح” وفي إحدى تغريداتها الثلاثاء قالت “القاتل ملاحق من قبل الجنايات الدولية، سوف يضرب هذه المرة ألف حساب لعمليات القتل الجماعي التي اعتاد أن يخوضها ضد شعبه، سوف يسحب الاتحاد الأفريقي أي مساندة أو حماية له، وسيجد نفسه مكشوفاً تماما أمام شعبه وأمام الخارج!”.

وتشهد معظم المدن والمناطق السودانية منذ الأسبوع الماضي احتجاجات واسعة تفجّرت بداية في مدينتي عطبرة من ولاية النيل الأبيض (شمالا) وبرتسودان شرقا لتتمدّد إلى العاصمة الخرطوم والمدينة التوأم لها أم درمان، قبل أن تضرب في جنوب البلاد وغربها.

وكانت هذه الاحتجاجات قد اندلعت ردا على رفع أسعار الخبز إن وجد، قبل أن تأخذ مع نهاية الأسبوع الماضي بُعدا سياسيا تجلّى بشكل واضح في مسيرة الثلاثاء الماضي التي دعا إليها “تجمع المهنيين السودانيين”، والتي لقيت مشاركة واسعة من قبل المواطنين رغم الوجود الأمني غير المسبوق، خاصة وأن هذه المسيرة حاولت الوصول إلى القصر الجمهوري رمز السلطة، لتسليم الرئيس البشير رسالة تطالب بتنحيه عن الحكم.

ويرى محللون أن موقف تركيا والقيادات الإخوانية في الخارج من البشير يعكس في واقع الأمر إدراكا بأن عمر الأخير في الحكم شارف على نهايته، حيث أن من يقود هذه المرة الحراك هم المواطنون العاديون الذين لم يعُد لديهم أمل في إمكانية تحسن الوضع الاقتصادي في ظل النظام القائم، بل إن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ.

ولم يشهد السودان مظاهرات بهذا الزخم منذ عقود، وتخطّيها عتبة الأسبوع الأول رغم محاولات النظام قمعها بمختلف الوسائل، حيث أكدت منظمة العفو الدولية مقتل نحو 37 شخصا بالرصاص، تشي بأن هناك إرادة جامعة للتغيير.

ويقول الخبير في شؤون السودان، هاني رسلان لـ“العرب”، “إن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يمتلك الأدوات التي تمكنه من التأثير في مجرى التظاهرات في السودان، وإن التزامه الحذر حيال الوضع هناك يعبّر عن تقدير موقف يرى أن عمر البشير في طريقه للسقوط، وبالتالي الأفضل الانتظار إلى ماذا ستؤول إليه الأمور أملا في الحصول على مكاسب مستقبلية تمكّن أنقرة من الحضور على الساحة السودانية بشكل أكبر، حال وجود قيادة جديدة”.

وعادة ما يتولّى أردوغان بنفسه التعقيب على الأحداث في المنطقة وخاصة مع الدول التي يربطه معها مصالح، بيد أنّ في حالة السودان هذه المرة تحاشى الرئيس التركي إبداء أي موقف، رغم إطلالاته اليومية.

ويرى رسلان أن الموقف التركي يسير في نفس الاتجاه الذي يتبناه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ويحاول إنقاذ المشروع الإسلامي من خلال التأكيد على أن سقوط البشير لا يعتبر سقوطا للمشروع الإسلامي”.

واتسمت العلاقة بين أنقرة والخرطوم حتى وقت قريب بالصلابة بالنظر إلى الخلفية الإسلامية التي يقوم عليها النظام القائم في السودان، بيد أنّ ذلك لا يعني أن أنقرة لديها ثقة مطلقة في شخص البشير في ظل سياساته الخارجية المتقلّبة حسب ما يراه تارة في صالح السودان، وتارة أخرى حسب منطلقاته الأيديولوجية.

وخلال السنوات الأخيرة طاف البشير في تحالفته مع الأضداد الدوليين والإقليمين، متجوّلا في مواقفه مع الولايات المتحدة تارة ومع روسيا تارة أخرى، مرورًا بإيران والسعودية. وقد كان للبشير في بداية الثورة السورية موقف يحسب لصالح المعارضة قبل أن يقدم في الأيام الماضية على خطوة لافتة بالقيام بزيارة هي الأولى لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الأحداث في العام 2011، حيث التقى خلالها نظيره السوري بشار الأسد معربا عن دعمه “لاستقرار سوريا وأمنها ووحدة أراضيها بقيادتها الشرعية”.

ولا يستبعد في أن يكون الموقف التركي والتنظيم الدولي للإخوان هو ردّ فعل على تلك الزيارة التي كسرت الحاجز النفسي في عودة التواصل بين دمشق والعواصم العربية.

ويرى مصطفى رجب الأكاديمي والخبير في الشؤون الدولية بجامعة القاهرة أن العلاقات بين السودان وتركيا كانت تمضي بقوة خلال العام الماضي وتجلّى ذلك خلال زيارة الرئيس التركي للخرطوم في ديسمبر عام 2017، وتوقيعه العديد من الاتفاقات الاستثمارية وأهمّها تطوير ميناء سواكن المطلّ على البحر الأحمر. ومع تغيّر الظروف وتحوّل دفة البشير مرة أخرى نحو مصر والسعودية والإمارات تراجعت تلك العلاقة.

وأشار إلى “العرب” أن أزمة البشير في سياسته المترنحة ومحاولة استغلال كافة القوى المتنازعة لتحقيق مكاسب شخصية لنفسه والحصول على المزيد من الدعم المادي، وهو ما جعله بلا حليف حقيقي يدعمه، فالبشير الذي يبدو وكأنه ابتعد عن أنقرة عاد وحاول مجدّدا تعزيز العلاقات مع أردوغان عبر زيارة لافتة قام بها إلى إسطنبول في أكتوبر.

ويلفت رجب إلى أن أردوغان على ما يبدو “ملّ من ألاعيب البشير وميوله المتأرجحة، وقرّر عدم مساندته في أزمته الحالية وتركه يلقى مصيره، مع الرقابة اللصيقة للوضع لا سيما أنه في حالة رحيل البشير والطبقة القريبة منه ستلعب تركيا كافة أوراقها لتولّي شخص آخر له خلفية إسلامية متناسقة مع سياساتها السلطة في السودان”.

من جهته يرى هاني رسلان أن تركيا تراهن على السيناريو الأقرب للحدوث والمرتبط بإمكانية استبدال البشير بشخص آخر من داخل النظام مع إدخال تعديلات محدودة لاستيعاب التغيرات الجديدة، على أن يستمرّ النظام بقواه الأساسية، لافتا إلى أنّ الرئيس السوداني الحالي أصبح عبئا ثقيلا بالصورة التي يعتمد فيها على أركان وركائز متهرئة وكذلك بالنسبة للقوى الإقليمية التي كانت تدعمه، وأضحى النظام الراهن معوقا لحركة السودان وحلفائه.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية