لماذا يقترب السودان من الإمارات والسعودية ويبتعد عن قطر وتركيا؟

السودان

لماذا يقترب السودان من الإمارات والسعودية ويبتعد عن قطر وتركيا؟


28/10/2019

إلى جانب الملفات الداخلية، شديدة التعقيد والتشابك، دشّنت الحكومة الانتقالية في السودان، الشهر الماضي، سياساتها الخارجية بزيارات متتالية لرئيس وزرائها وطاقمه، إلى نيويورك وباريس والقاهرة والرياض وأبوظبي وجوبا وأديس أبابا، وكان حمدوك قد صرّح ووزيرة خارجيته، أكثر من مرة؛ بأنّ الحكومة ستنتهج سياسة خارجية متوازنة تراعي مصالح البلاد في المقام الأول، لكنّ اللافت أنّ الحكومة الجديدة أبقت حتى الآن على كافة الاتفاقيات الخارجية التي أبرمها النظام السابق، خاصة ذات الطابع العسكري، ما يعني الإبقاء على القوات السودانية التي تعمل ضمن التحالف العربي في اليمن.

اقرأ أيضاً: هكذا يحاول إسلاميو السودان استغلال ذكرى أكتوبر
وأكّد حمدوك، في مقابلة مع قناة "الفرنسية 24"، أثناء زيارته باريس؛ أنّ حكومته، بصفتها الانتقالية، غير مخولة بإعادة النظر في هذه الاتفاقيات، وأنّها ستترك هذه المهمة للحكومة المنتخبة بعد ثلاثة أعوام، إلّا أنّ البرنامج الإسعافي الذي أصدرته حكومة حمدوك الشهر الماضي، لم يشِر إلى هذه القوات، رغم أنّه أفرد حيزاً مقدراً لملف إدارة العلاقات الخارجية في الفترة الانتقالية. 
وزيرة الخارجية السودانية

إستراتيجية جديدة
ويؤكّد محور العلاقات الخارجية في البرنامج الإسعافي على تبني الحكومة إستراتيجية جديدة، ترتكز على حماية أراضي السودان ومصالحه وأمنه، وتأمين استقلاله وسيادته الوطنية، والتعايش السلمي والتعاون المتبادل مع بقية دول العالم، والالتزام بمبادئ ومواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية التي ينتمي إليها السودان، وإنتاج سياسة خارجية تخدم المصالح العليا، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتنموية وتحقيق الأمن القومي للبلاد، بإنهاء المواجهة بين السودان والمجتمع الدولي واستبدالها بالتعاون المشترك.
تمحور حذِر
وفي هذا السياق؛ تحدّث المحلل السياسي، عوض جاد كريم، إلى "حفريات"، مؤكداً أنّ الحكومة الانتقالية ستمضي في سياسة المحاور، لكن بحذر شديد ومنهجية جديدة، وأضاف؛ بالنسبة إلى دول الجوار؛ فإنّ العلاقات مع أثيوبيا ستتطور على نحو أفضل مما كانت عليه في عهد حكومة الإخوان الماضية، خاصة بعد تدخّل رئيس الوزراء الأثيوبي في التسوية السياسية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي التي أنتجت هذه الحكومة، علاوة على الإبقاء على العلاقات مع مصر وتشاد وإريتريا وجنوب السودان، بعيداً عن التوترات والشدّ والجذب، التي تميزت بها خلال الأعوام الأخيرة من حكم البشير.
حمدوك والبرهان في ضيافة العاهل السعودي

السعودية والإمارات في المقدمة
لكن ما يبدو واضحاً وجليّاً، بحسب جاد كريم؛ أنّ العلاقات مع السعودية والإمارات هي الأقوى والأكثر فعالية وتطوراً، خاصة أنّ الدولتين تتمتعان بعلاقات قوية مع المُكوّن العسكري في الحكومة الانتقالية (البرهان/ حميدتي)، وتدعمان اقتصاد السودان بقوة، وقد التقى حمدوك، خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية والإمارات، بمستثمرين سعوديين دعاهم إلى ضخّ أموالهم في مختلف المشروعات الإنتاجية بالبلاد، وسعى لطمأنتهم بقوله إنّ "التغيير الذي حدث في السودان عميق شمل كلّ مناحي الحياة، ومن بينها خلق البيئة المواتية للاستثمار، ونعدكم بأنّنا سنعمل معكم لتذليل كلّ الصعاب وكلّ المعوقات التي كانت تقف أمام المستثمر السعودي"، فيما كشف رئيس مجلس الغرف السعودي، سامي العبيدي؛ أنّ السودان هو سابع أهم شريك تجاري عربي للسعودية، بإجمالي استثمارات يبلغ 1.2 مليار دولار، مؤكداً أنّ "العلاقة بين المملكة والسودان شهدت تطوراً كبيراً في المجالات التجارية والاستثمارية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، عام 2018، نحو 4 مليارات و600 مليون ريال سعودي".

العلاقات مع السعودية والإمارات هي الأقوى والأكثر فعاليّة وتطوراً وليس من مهام الحكومية الانتقالية إعادة النظر في الاتفاقيات العسكرية

وأشار جاد كريم إلى ما أسماها "ضبابية" تكتنف العلاقات السودانية مع المحور القطري/ التركي، مشيراً إلى أنّ لا أحد من المكوّن العسكري بقيادة رئيس مجلس السيادة، الفريق البرهان، ولا المدني بزعامة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، زار تركيا أو قطر، أو تحدث بشكل علني أو خفي عن مستقبل العلاقات مع هذين البلدين، ويبدو أنّ الحكومة الانتقالية تريد أن تنأى بنفسها عن محور يعتقد كثيرون أنّه يُدار من قبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، المرفوضة من قبل الشعب السوداني رفضاً قاطعاً، بعد أن جربها في الحكم لثلاثين عاماً، لم يحصد خلالها سوى الهشيم.
خشية من قطر وتركيا
من جهته، رأى موسى عبد الغفار، أستاذ العلاقات الدولية، صعوبة تفادي سياسة المحاور في العلاقات الخارجية، خاصة مع المحيط العربي والأفريقي، لطبيعة وثقافة الطبقات والنخب السياسية الحاكمة في هذه الدول، وكذلك المجتمعات، علاوة على الوضع الاقتصادي المتردي في السودان وضعف الإنتاج وتهالك آلياته، وغياب الخطط والإستراتيجيات المستقبلية، كلّ هذه العوامل تجعل التمحور ضرورة مرحليِّة، لكن دون الإسراف فيه أو استعداء المحاور الأخرى التي ربما تثير بعض القلاقل بتحريك الموالين لها في الداخل، خاصة قطر التي تدعم الطرف المتشدّد في جماعة الإخوان المسلمين، بقيادة الشيخ عبد الحي يوسف، إضافة لبعض قادة الحركات الدارفورية المسلحة، التي وقعت اتفاقية مع حكومة النظام البائد، تحت رعاية ودعم قطري، على رأسها حركة التحرير والعدالة.   
حمدوك والرئيس الفرنسي ماكرون

سياسة المشي على الأصابع
وأشار عبد الغفار، في حديثه لـ "حفريات"، إلى ما سمّاها "سياسة المشي على رؤوس الأصابع"؛ التي ستنتهجها حكومة حمدوك إزاء المحور القطري التركي، لئلا تتسبّب في إحداث ثورة مضادة، وإن كان ذلك مستبعداً لجهة أنّ الإسلاميين لا يحظون بقبول في الشارع السوداني، علاوة على العلاقات الوثيقة والقوِّية بين المكون العسكري في مجلس السيادة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، الأمر الذي يجعله يقظاً إزاء أيّ تحرك لثورة مضادة للإسلاميين، خاصة الإخوان.

اقرأ أيضاً: رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. كيف نقرأ القرار الأمريكي؟
وأضاف عبد الغفار: إذا حدث ذلك؛ فإنّ الجيش وقوات الدعم السريع والأجهزة الأمنية الأخرى التي يسيطر عليها البرهان وحميدتي، لن تتوانى في القضاء عليها قضاء مُبرماً وعنيفاً، لذلك فإنّ هذه الإمكانية غير متوفرة على المدى القريب ولا البعيد.
حمدوك ومنصور بن زايد

مع الغرب بمبدأ المصالح
بالنسبة إلى العلاقات مع الغرب، يواصل عبد الغفار، تبدو أكثر سلاسة وانسياباً؛ لأنّ الغرب يتعامل بمبدأ المصالح، ولدى فرنسا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا مصالح كبيرة في السودان، لذلك ستسعى حكومة حمدوك لتسخيرها والاستفادة منها، وستسهم السعودية والإمارات في حذف اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، كما وعدتا، وكذلك وعدت الولايات المتحدة، فيما صار الطريق سالكاً إلى صندوق النقد والبنك الدوليين، وبالتالي عودة السودان إلى العالم بعد أن انعزل عنه لثلاثين عاماً من حكم الإخوان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية