“حديث الإفك”.. زوجة البغدادي في مهمة ملتوية لتبرئة “داعش”

“حديث الإفك”.. زوجة البغدادي في مهمة ملتوية لتبرئة “داعش”

“حديث الإفك”.. زوجة البغدادي في مهمة ملتوية لتبرئة “داعش”


20/02/2024

هشام الجندي

في فيلم “سبايا” للمخرج الكُردي، هوجير هيروري، تم توثيق جرائم تنظيم “داعش” بحق الفتيات الإيزيديات إثر هجوم سنجار/ شنكال عام 2014، من خلال الكشف عن قصصٍ لبعضهنّ، بعدما تمّ تحريرهن.

وفي الفيلم أصوات للألم والفجيعة والمرارة. ثلاثية نفسية لا تسمعها إنّما تتخفى في الحديث وتلتهم أجزاء الإنسان ومشاعره الهشّة التي لم تتحمل أو لا تتخيل أن يكون لدى مجموعة من الذئاب المتوحشة عبارة عن “سبايا”، ترتهن لاشتهاءاته المنحرفة.

بمجرد متابعة اللقاءات الثلاثة التي نفّذها مكتب قناة “العربية” في العراق، مع زوجتَي أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش” المصنّف إرهابياً، وكذا ابنته، لم تملك ذاكرتي سوى استعادة مشاهدة عديدة وثّقتها الأفلام التي تعقّبت قصص عدوان جماعات الإرهاب الديني المسلّح على الحضارة الإنسانية، وكانت تتساوى فيها البشر مع الحجر، بينما تدحض محاولات تبييض الإرهاب على طريقة ما فعلت أسماء محمد الزوجة الأولى للبغدادي.

زوجة البغدادي ومحاولة تبرئة “داعش”

فلم تكن أسماء في مقابلة “العربية” التي بُثّت قبل يومين، أمام المعلومات التي وثّقتها مؤلفات عديدة، بعضها مكتوب ومدوّن في إصدارات ورقية، أو مسجّل في أفلام، فضلاً عن التقارير الحقوقية الأممية، ناهيك عن الخفي الذي ما زال طيّ الكتمان وهو الأعظم حتماً، سوى صوت “التقية” التي تمارسها الشيعة السياسية، حيث تبطن الشيء وتعلن عكسه. بل إنها كانت تحاول تبرئة كل التنظيم الإرهابي في الحقيقة، وتقول بشكل غير مباشر إن البغدادي هو “السيء”. هذا ما فضحته سيبان خليل الإيزيدية التي عرجت زوجة الداعشي في حديثها على شخصيتها وطالبت شهادتها بخصوص “حسن معاملتها”. الأمر الذي نفته الإيزيدية.

يتعين أن “نصدق الضحايا”. هذا مبدأ ربما يكون عرضة لانتقادات في حالات وأوساط عديدة بعد رواجه في شهاداتٍ تخصّ التحرّش الفردي بين بعض الشخصيات التي لها نفوذ اجتماعي أو سياسي ضد فتيات كما برز في حملة “مي تو” في نسختها العالمية أو الشرق أوسطية أو الإيرانية. لكنه في الحالة الاستثنائية التي شهدها تاريخنا مع اصطدامه بالقوى الهمجية الداعشية يبقى قاعدة لا يمكن التخلّي عنها، ومبدأ لردّ الاعتبار والقيمة للضحايا وقد شعروا بإهدار قيمتهم الوجودية وسُلبت حقوقهن وتحولوا لمجرد شيء يتم الانتفاع به كأي “لعبة”. بل كانوا ألعاباً في ذهن هؤلاء ومجرد مقامرة وفق ما ذكرت ابنة الداعشي البغدادي عندما ذكرت اختيار الأخير لمعاشرة زوجاته بطريقة “القرعة”.

سنجار/ شنكال التي تعني باللغة الكُردية “الجهة الذهبية أو الناحية الجميلة” تحولت بفعل جرائم “داعش” إلى وجهة مؤلفة لفرط ما صارت أرضها تمتلئ بالمقابر الجماعية، والضحايا التي تنبض أرواحهم بالوجع وتتراكم في ذاكرتهم مشاهد الحسرة والعدم.

فائض الموت والقهر، هو كل ما تركه تنظيمٌ إرهابي في أرض بها وفرة وفائض من الحضارة والتنوّع الغني. لكن في مقابلتها مع قناة “العربية” حاولت على نحو مربك وملفق أن تروي لنا أسماء محمد (زوجة البغدادي)، سيرة حسنة في هذا الجانب المظلم من تاريخ “داعش”. سيرةٌ هي بطلتها وكأنها تريد أن تقول بأن ليس كل داعشي بالضرورة هو مجرم. فهي تقول إنها تختلف مع التنظيم في بعض التفاصيل وكانت تناقش البغدادي وأبو محمد العدناني في بعض القضايا.

وهنا تبدو في ما تقوله تريد أن تمرّر لنا زوراً وبهتاناً بأن هذا التنظيم الدموي المتوحش به مساحة للنقاش والجدل بل وإمكانية الاختلاف على أمور هي بالنسبة له أحكاما نهائية و إلهية بينما هم مجرد وسائل لتنفيذها (إرادة الله).

ففي مسلسل “القاهرة كابول” من تأليف السيناريست المصري عبد الرحيم كمال، يكشف في بلاغة درامية علاقة الإرهابي “الخليفة” بزوجته والتي قامت بأداء دورها الفنانة الأردنية سميرة الأسرة. وهي علاقة اختصرها بلغة درامية وهو يقول لها: “شغلتك تبسطيني”. وهي عبارة توجز غياب المشاعر وتحتل مكانها صورة انتفاع غرائزي ليس للطرف الآخر أي حقوق إنما هو يقوم بدور قسري باعتباره وظيفة ليس فيها امتناع أو رفض أو حرية وإرادة إنما قبول وطاعة. هذا هو التنظيم الذي تقفز على حقائقه المأساوية زوجة الداعشي، وتصنع صورة أخرى تجميلية و تخييلية بطريقة المواربة والمناورة لتخفيف حجم ما ورد عن بشاعة ممارساته.

هوس “داعش” بالنساء!

ظل حديث أسماء محمد عن هوس قادة “الخلافة” المزعومة بالنساء، خاصة الأطفال، وقد تزوج البغدادي من طفلة عراقية، وفق حديثها، لا يتخطى عمرها 13 عاماً، وقالت إنها في عمر بناته، وهو العمر ذاته الذي أقدم فيه على تزويج ابنته لحارسه الشخصي.

ووفق “العربية”، قالت إن البغدادي وقادة التنظيم أصبحوا مهووسين بالنساء، وجعلوا “دولة الخلافة” المزعومة “دولة نساء”. وذكرت أسماء محمد، إن “البغدادي وتنظيمه انساقوا وراء شهواتهم بشكل يتعدى حدود الإنسانية”، وقالت إن زوجها الذي كان مصاباً بالسكري “انغمس في شهواته بعد إعلان دولة الخلافة”.

وتابعت: “كان يطمح (أي البغدادي) إلى أن تصل دولته التي امتدت على مساحات شاسعة في العراق وسوريا قبل أن تُهزم وتتراجع، حتى روما في أوروبا. الغرور أصابه بعد توسّع سيطرته”.

ربما تبدو أميمة، ابنة البغدادي، أكثر مصداقية وأقل في المناورة، فشهادتها تستدعي ذاكرة الطفلة العفوية التي لا تتمكن كثيراً من المناورة والتلفيق وإعادة ترتيب الأحداث بما يؤدي إلى نتائج وتصورات ومعاني مغايرة، فكان زواجها في عمر 12 عاماً. وقالت: “كان للبغدادي 3 نساء، وكانت حياتنا تخضع لتشديد أمني لدرجة أن جيراننا كانوا يجهلون هويتنا، ولم يكن مسموحاً لنا الخروج إلى الحديقة خوفاً من تحليق الطائرات”. ثم في سوريا بعد الانتقال للرقة والميادين في فترة الملاحقات الأمنية أصبح للبغدادي زوجة رابعة.

وتوضّح، أن الخليفة المزعوم كان يعتمد طريقة “القرعة” للاختيار بين زوجاته كل ليلة. وأكدت أن أحوال السبايا في المنزل كانت صعبة لدرجة أن بكاءها لم يكن لينقطع. ومن بين السبايا الإيزيديات التي جاءت على ذكرها: “دلال ورهام ورحا وهيفاء وسيبان”.

هل تحوّل فكر البغدادي بسبب واشنطن؟

من ثم، كان الخفي في حديث أسماء محمد، مقصوداً ومتعمداً بغرض تبرئة التنظيم من بعض جرائمه، أو إيجاد حجج لانحرافاته وممارساته العدوانية، فهي مثلاً تقول إن القوات الأميركية ألقت القبض على زوجها من دون سبب على حدّ زعمها وبمجرد خروجه من السجن أصبح شخصاً غريباً وبدأت تظهر عليه بوادر التطرّف والتشدد واللجوء للعنف. وبعد عامين من خروجه لم تكن حياة البغدادي مستقرة. تحميل “القوات الأميركية” تهمة هذا التحوّل للأصولية الدينية يتماهى مع تصورات غالبية الإسلام السياسي الذي يلجأ لفكرة المظلومية، والصدام مع “الغرب” و”الولايات المتحدة”، باعتبارهما عدواً للإسلام، ومن هنا، يمكن إيجاد ممر جانبي للتعاطف مع شخصية كانت تحرق وتقطع أوصال البشر بدم بارد وتغتصب الأطفال والنساء بلا رحمة.

وقد سبق لتنظيم “القاعدة” الإرهابي كما غيره من التنظيمات الإسلاموية المتشددة والمسلحة أن بررت لجوءها للعنف لنفس السبب، بينما تزعم أنها مسالمة ولا تحمل سوى غصن الزيتون!

لكن هذه السيرة المختصرة المقتضبة التي مرّت عليها بعجالة شديدة أسماء محمد عن زوجها الداعشي ( أي البغدادي) لتجد مبرّراً سريعاً لإرهابه، تدحضها ما وثّقته سجلات الأرشيف بوزارة الداخلية العراقية.

هذا فضلاً عن ما كتبه آخرون مثل ويليام ماكنت، مؤلف كتاب “يوم قيامة تنظيم داعش”. وفي هذا وذاك تنكشف لنا خداع الزوجة التي بدت معارضة لزوجها حتى تضاعف من أثر شهادتها وتمنحها المصداقية الكافية، وتبرز أكاذيبها الفجّة كما أوضحت كذلك الإيزيدية سيبان. فالبغدادي الذي نال ببغداد شهاداته في الدراسات الإسلامية حتى درجة الدكتوراة، كان معروفاً عنه ارتباطاته بالإسلام السياسي، بل إنه في فترة دراسته التي قضاها بـ حي الطوبجي شمال غرب العاصمة العراقية كان معروفاً عنه انعزاليته وشخصيته الغامضة.

بالتالي، لم يكن كما تروي زوجته، أصابه كل ذلك مع القبض عليه ومن دون مبرّر على يد القوات الأميركية. بل إن الالتحاق بالسلفية الجهادية التي تتبنى الكفاح المسلّح يعود لمطلع الألفية.

لذا، وعلى خلاف مزاعم زوجة البغدادي كان طبيعياً أن يكون جاهزاً لتأسيس تنظيمه المسلّح الأول “جماعة أهل السنة والجماعة” عام 2003، الأمر الذي كان سبباً ومبرراً لاعتقاله على يد القوات الأميركية. وكما كان لقاء جماعة “الإخوان المسلمين” بالسلفيين في أفغانستان فرصة لنشأة عضلة جهادية في الجسد الإسلامي الراديكالي، وبرزت السلفية الجهادية وممثّلها تنظيم “القاعدة” وآخرين بعد ذلك، كان تواجد البغدادي في معسكر بوكا الذي ضم قادة متشددينَ فرصة لحدوث الأمر ذاته وتشكّل بيئة تتهيأ فيها جذور النشأة الداعشية.

الإيزيدية تكذّب زوجة البغدادي!

نقلت “العربية” ردّ الإيزيدية سيبان خليل، التي نفت ما أوردته زوجة البغدادي، وكشف بهتانه التام، وقالت إن ما قالته هذه المرأة غير صحيح. حيث إنها عاشت مدّة 6 أشهر وليس عدة أيام كما ذكرت الأولى. وقالت: “وصية العدناني لها كانت أن يتم التعامل معي بشكل جيد ولا يتم إرجاعي لعائلتي أبداً”.

أما عن تعامل زوجة البغدادي معها شخصياً، فلفتت سيبان إلى أن معاملتها كانت جيدة في البداية، مع أنها كانت تأمرها بالقيام بأعمال المنزل من تنظيف ورعاية لأطفالها الصغار، وفق “العربية”. غير أن الوضع تغير بعد ذلك وانقلب الحال ضد الإيزيدية، إذ تم العثور بحوزتها (بواسطة أسماء زوجة البغدادي) على دفتر، دونت فيها معلومات عن التنظيم وقادته.

وقالت سيبان لـ”العربية”، أنها “تعرّضت للضرب بسبب تلك المعلومات التي دوّنتها”، مشيرةً إلى أن “معاملتها أصبحت سيئة جداً، حيث كانت تطلب من زوجها أن يعتدي عليها بالضرب”. وقالت: “ضربني عدة مرات وفي بعض الأحيان كنت أتعرض للضرب منها ومن زوجها في نفس الوقت”.

وفيما يخص تأكيد أسماء زوجة البغدادي أنها لم تكن راضية بمسألة السبايا التي حوّلت التنظيم إلى “دولة نساء” على حدّ تعبيرها، قالت سيبان “إن الطريقة التي كانت تتحدث فيها وكأنها بريئة من ذلك غير صحيحة إطلاقاً، لأنها كانت ظالمة”. وتابعت: “لم تكن مجبرة على هذا الشيء بل كانت راضية على كل ما قامت به، فهي كانت تتعاون بشكل تام مع زوجها في أعمال التنظيم”.

وشدّدت الإيزيدية على أن أسماء زوجة “الخليفة” المزعوم في التنظيم الإرهابي والتي كانت تُلقّب بـ”أم المؤمنين”، كانت تنخرط في كافة الأنشطة والممارسات، حتى أنها كانت تحصل على جزء من الأرباح التي تتوزع بعد كل عملية إرهابية “وتشتري السبايا وتتاجر بهن وتأتي بهن أيضاً إلى زوجها”.

ووفق “العربية”، نفت سيبان ما قالته أسماء عن رفضها زواج ابنتها في عمر الـ12 عاماً، وقالت إن “ما قالته غير صحيح لأن زوجات القاصرات في التنظيم أمرٌ طبيعي”. وواصلت الإيزيدية حديثها التي دحضت فيه رواية زوجة البغدادي بشأن رفضها زواجه من طفلة إيزيدية مشيرة إلى “أن الطفلة واسمها ريهام عاشت معها لمدة شهر وكان عمرها تقريبا 7 سنوات، لكن أسماء باعتها لاحقاً لإحدى قريباتها”. وقالت” “بيع السبايا كان أمراً دارجاً في التنظيم، وكان يتم من خلال النساء أكثر من الرجال، لكي يقمن بخدمتهن. وأضافت أنه كان يتم شراؤهن بأسعار زهيدة، ثم يقمن ببيعهن بمبلغ طائل. كان يتم جلب سبايا جدد بشكل أسبوعي وعلى دفعات إلى البغدادي. العديد من السبايا انتحرن بعد تعرّضهن للاستغلال الجنسي”.

وفي ما يبدو أن الإيزيدية سيبان خليل لا تخرج عن الافتراض ذاته الذي تتبناه هذه السطور، بأن زوجة البغدادي إنما تبعث برسالة للخلايا والذئاب المنفردة والنائمة بأن تواصل عملها من دون انقطاع، وما انتهى، هو جزء من التنظيم لا ينبغي تعميمه، أو الوقوف عنده.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية