بعد الهزائم الكثيرة التي مني بها تنظيم داعش الإرهابي في الساحتين، السورية والعراقية، سلطت العديد من مراكز الدراسات والأبحاث المزيد من ضوء على عدد أعضاء التنظيم الأجانب، لتحدد وجهة التنظيم التالية، والدولة التي سيستهدفها داعش بعد خروجه من أراضي خلافته المزعومة.
بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا.. هل تشكّل فلول التنظيم خطراً على أمن الأردن؟
فقد كشف تقرير أعدّته "مجموعة صوفان"، الاستشارية في مجال الاستخبارات الأمنية، أنّ عدد المقاتلين الأردنيين في تنظيم داعش بلغ (3000 مقاتل)؛ يُعتقَد أنّ 250 مقاتلاً منهم عادوا إلى الأردن، بينما تشير تقديرات سابقة، وردت في تقرير قُدِّم إلى الكونغرس الأميركي، إلى وجود 4000 مقاتلٍ أردني في صفوف تنظيم داعش، وفق ما أوردته صحيفة "الحياة".
الأعداد الكبيرة من الأردنيين الذي يقاتلون ضمن صفوف "داعش" و "جبهة النصرة"، تشكّل تهديداً حقيقياً، تنبغي مناقشته، بحسب تقديرات عسكرية، خاصّة أنّه أصبح من خيارات المقاتلين المفتوحة، في الوقت الحاضر، النزوح باتجاه الحدود الشمالية الشرقية للأردن، خصوصاً منطقة حوض اليرموك، الملاصق للجولان السوري المحتل، ليدخل مقاتلي التنظيم ليس ضمن مجموعات كبيرة يسهل رصدها، والتعامل معها بالطائرات؛ بل التسلل في مجموعات صغيرة، ومحاولة التمركز في الظهير الصحراوي، في الجهة المقابلة لمخيم الركبان. ويعزّز حالة الخطر تلك، وجود مجموعة "جيش خالد بن الوليد"؛ التي بايعت داعش عام 2016، ويبلغ عدد عناصرها 1500 مقاتل، وتسيطر على عدد من القرى في حوض نهر اليرموك.
خيارات مقاتلي داعش الحالية النزوح باتجاه الحدود الشمالية الشرقية للأردن والتسلل إليها في مجموعات صغيرة
وفي السياق ذاته، أكّدت مؤسسة "ستراتفور" الأمريكية، المتخصصة بالاستخبارات والتحليل الإستراتيجي، أنّ نية داعش التوسع باتجاه الأردن، باتباع المنطق الجيوسياسي في المنطقة، مضيفاً أنّه بعد الهجوم على العراق، والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، يحتمل أن يحاول التنظيم دخول الأردن.
وشدّدت مؤسسة "ستراتفور"، في تقرير لها، على أنّ النظام الأردني أكثر ثباتاً من مثيليه في سوريا والعراق، وأنّ أجهزته الأمنية قد أثبتت فاعليتها دائماً.
ربما لا تسمح ظروف التنظيم الآن باجتياح الأردن، على طريقة ما جرى في سورية والعراق، في إطار توسيع حدود الدولة، إخلاصاً لشعارها البائد "باقية وتتمدّد"، لكنّ خروج عناصر التنظيم من سوريا والعراق، قد يعيد الاعتبار لسردية "القاعدة" حول سرايا الجهاد الصغيرة، التي تتشكّل لأهداف محلية في كل دولة يعود إليها مقاتلوها، لتنشط تحت عنوان "النكاية والإنهاك"؛ الذي أضحى العنوان الأثير لتنظيم ـداعش، بعد خسارته أراضي ما يسمى بدولة الخلافة، ومن ثم فإنّ العودة مجدداً إلى رؤية أبي مصعب السوري، التي تضمّنها كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"؛ حيث قادته تأمّلاته في ما آل إليه تنظيم القاعدة، بعد نجاح أمريكا في حصاره وهزيمته، إلى قناعة بالتخلي عن فكرة التمركز في بقعة واحدة، والتخلي عن التمسك بالأرض، والعمل من خلال ما يسمى "سرايا الجهاد الصغيرة"، و"الذئاب المنفردة"، التي سمّاها "إستراتيجية الجهاد الفردي"، مع تعاظم قناعة مقاتلي داعش بهذا الأسلوب، ومعلومات تتواتر عن لقاءات له بعناصر جبهة النصرة، تمهّد لتحالف المنهزمين.
ستراتفور الأمريكية: يحتمل أن يحاول تنظيم داعش دخول الأردن لكن النظام الأردني أكثر ثباتاً من مثيليه في سوريا والعراق
ومع عودة مقاتلين أردنيين في صفوف داعش والنصرة إلى الأردن، فإنّهم سيشكلون تهديداً كبيراً للأمن الأردني، بعد الخبرات التي حازوها، ولا ننسى أيضاً المقاتلين من تونس، والمغرب، والجزائر، والشيشان، الذين لن يتمكنوا من العودة إلى بلدانهم، فهم سيلتحقون بأقرب ساحة تستوعب طاقاتهم، ولا تحتاج إلى مغامرة كبيرة في الانتقال.
مع هذه المتغيرات؛ يصبح التحدي الذي يواجهه الأردن أكبر من غيره، خصوصاً بالنظر إلى هذا الطوفان الذي يهرب باتجاه حدوده الآن.
يذكر أنّ تنظيم داعش وفكر السلفية الجهادية، بشكلٍ عام، يحظى بحاضنة في الأردن، وكان قد كشف أحد منظري السلفيين الجهاديين، أبو محمد المقدسي، في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية، أنّ أعداد داعش في الأردن "ليست قليلة"، حتى أنّ شخصيات جهادية أردنية حاولت التدخل لتحرير الطيار الأردني، الشهيد معاذ الكساسبة، من أيدي التنظيم، تعويلاً على علاقة خاصة مع قيادات داعش.