"إنّ حزب العدالة والتنمية هدية من الله لهذا الوطن"، هكذا وصف الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ذي التوجه الإسلامي، عبد الإله بنكيران، أهمية حزبه للمجتمع المغربي، وجاء ذلك في لقاء جمعه بأعضاء اللجنة الوطنية لشبيبة حزب العدالة والتنمية.
بخطاب ديني ومعجم عاطفي كهذا، يعود بنكيران إلى الواجهة من جديد؛ ليذكّر المجتمع المغربي بأنّ حزب العدالة والتنمية هدية من الله، فيما ينظر مراقبون إلى كلام بنكيران باعتباره جزءاً من سياق تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية بالمغرب، وبروز صراعات بين تيارين داخل الحزب.
اقرأ أيضاً: بنكيران يخسر معركة الولاية الثالثة لـ "العدالة والتنمية"
كما يأتي ذلك معطوفاً على تصريحات وزراء الحزب المثيرة للجدل، خلال ''حملة المقاطعة'' التي أطلقها مغاربة ضدّ ثلاث شركات؛ ''سنطرال'' و''سيدي علي'' و''إفريقيا''، هذا ما جعل الحزب يحرق ما تبقى من رصيده السياسي وشعبيته، على حساب حفاظه على امتيازات وزرائه وبرلمانييه، بحسب متتبعين للشأن السياسي المغربي.
وأمام هذا الوضع الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية اليوم؛ هل يمكن أن نعدّ نهاية الحزب الإسلامي "سياسياً" مسألة وقت ليس إلا؟
الخطاب الديني لتمويه الشعب
رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في منطقة ''أملشيل'' بالمغرب، باسو ألتو، يقول إنّ حزب العدالة والتنمية "وظّف الخطاب الديني لتمويه الشعب، ولأنّه يدرك جيداً اعتقاد المغاربة الكبير بما هو لاهوتي أكثر من أيّ شيء آخر".
ظهور سلوكيات لأعضاء الحزب تتنافى مع توجهات الحزب جعلت من تحصن العدالة والتنمية بالمبدأين الأخلاقي والديني يتلاشى
وأضاف ألتو، في تصريحه لـ "حفريات" أنّ حزب العدالة والتنمية، مند توليه رئاسة الحكومة، تسبب في "تراجع الاقتصاد المغربي بشكل كبير، وإذا استمر في الحكومة لولاية أخرى سيصبح المغرب في مراتب متدنية".
ومن جهته، يقول المدوّن والصحفي المغربي، حمزة بصير، لــ "حفريات" إنّ "البيجيدي حزب (أشخاص ومصلحة)، جعلوا من الدين غطاءً لهم، من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية، ومنذ البداية كانوا يسعون للوصول إلى السلطة والتقرب من القصر".
ويعدّ خالد مساعد، أستاذ في التعليم الابتدائي بضواحي مدينة مراكش، جنوب المغرب، الحزب اليوم بأنه مزدوج الشخصية، بين الخطاب والواقع، مشيراً في تصريحه لـ "حفريات" إلى أنّ "الحزب تخلّى عن شعاراته التي كان يردّدها في حملاته الانتخابية ضدّ الفساد، وأضحى اليوم يحقق مصالحه الشخصية، ويستفيد من الامتيازات على حساب مطالب المواطنين المغاربة".
''مَن يحمّلون المسؤولية للحزب يخدمون الانقلابيين''
وفي ردّه على التصريحات التي تُهاجم حزب العدالة والتنمية، يقول عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إنّ "من يحمّلون المسؤولية لحزب العدالة والتنمية، يخدمون الانقلابيين، وإنّ البعض غير واعٍ بأنه يخدم الأجندة النكوصية".
اقرأ أيضاً: رضا بنكيران: لا يمكن للإسلام الاستجابة للتحديات الاجتماعية والعلمية إلا عبر المعرفة
وأشار في تصريحه لــ "حفريات": إلى أنّ حزب العدالة والتنمية "يعمل في ظروف صعبة"، متسائلاً: "هل يريد مهاجموه أن يرفع الحزب الراية البيضاء؟".
وعن الصراعات الداخلية التي يعيشها الحزب في الفترة الراهنة، يجيب عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إنّ هذه الصراعات "بدأت مع إزاحة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، لكنّ المشكل بدأ مع تنصيب الحبيب المالكي رئيساً للبرلمان المغربي، لذلك نحن جميعاً في الحزب نتحمل مسؤولية ما يقع في الحزب، وكان ينبغي علينا التعامل بحزم، وأن نذهب إلى انتخابات سابقة لأوانها".
إعفاء عبد الإله بنكيران
وكان الملك محمد السادس قد أصدر قرراً بإعفاء عبد الإله بنكيران من منصب رئيس الحكومة؛ بسبب عدم قدرته على تشكيل حكومة عقب خمسة أشهر من فوز حزبه بالانتخابات، وكان العاهل المغربي قد عيّن سعد الدين العثماني بديلاً عنه.
حزب العدالة والتنمية وظّف الخطاب الديني لتمويه الشعب ولأنه يدرك جيداً اعتقاد المغاربة الكبير بما هو لاهوتي
ويشار إلى أنّه، في كانون الأول (يناير) العام 2017، فاز الحبيب المالكي عن حزب الاتحاد الاشتراكي برئاسة مجلس النواب الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي.
وكانت الجلسة قد شهدت انسحاب حزب الاستقلال، في الوقت الذي قرّر حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية التصويت بالورقة البيضاء.
وأقر أفتاتي بوجود "مشكل لدى الحزب في التواصل مع بعض الفئات"، داعياً إلى ضرورة أن يوضح الحزب للمغاربة ما يحدث، متسائلاً: "هل الحزب من استحوذ على ثروة المغاربة؟''.
اقرأ أيضاً: إخوان المغرب يفشلون في تطويق الخلافات الداخلية
وتابع عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية: "حزب العدالة والتنمية في صراع مع دولة عميقة، وجهات ترغب في إعادة المغرب إلى وضعه السابق"، مشدداً على أنّ "الحزب ليس لديه خيار إلا المواجهة".
وأشار حسن عنترة، عضو حزب العدالة والتنمية، إلى أنّ حزب البيجدي لدى المواطنين يساوي بنكيران، معتبراً أنّ "الحزب لم ينجح في أن يصدّر للمواطنين شخصيات جديدة ومتعددة لديها نفس القوة والشعبية".
وأضاف عنترة، في حديثه لــ "حفريات" إنّ "معطى بنكيران يساوي حزب العدالة والتنمية هو نقطة إيجابية للحزب قبل انتخابات العام 2016، لكن الحزب لم يفكر جيداً في أنّ المواطن لا يعرف العدالة والتنمية؛ بل شخص بنكيران فقط، كما أنّ بديله، سعد الدين العثماني، لم يستطع ملء ذلك الفراغ".
انهيار قيم الحزب
وأوضح عضو حزب العدالة والتنمية أنّ "تهميش بنكيران أثّر سلباً في الحزب؛ لأنّه كان يلعب دوراً مهماً في تسوية الخلافات الداخلية بين أعضاء الحزب، ويحظى بشعبية لدى المواطنين المغاربة".
اقرأ أيضاً: هزائم متكررة لـ"إخوان العدالة والتنمية"
ومن جهته؛ يقول محمد بودن، المحلل السياسي ومدير مركز "أطلس" لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية إنّ "هناك من يأخذ على الحزب شخصنة القيادة، وتكريس عقيدة الاصطفاء السياسي، خاصة في فترة عبد الإله بنكيران، كما أنّ الهالة التي يحظى بها بنكيران داخل الحزب ما تزال، حتى بعد إعفائه من رئاسة الحكومة، ونهاية ولايته الثانية، كأمين عام لحزب المصباح".
تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وفقد حضوره السياسي في دوائر انتخابية كانت من أهم معاقله
ويضيف بودن لـ''حفريات" بأنّ حزب العدالة والتنمية "مهيكل ويتواصل، لكن من بين المعطيات التي تشكل نقاط ضعفه؛ اختزال الحزب في شخصية بنكيران، وأيضاً انهيار تلك القيم التي كان يقدمها في السابق، سيما أنّه كان يقدم نفسه على أنه حزب جاء لمحاربة الفساد، وجاء من أجل الإصلاح، لكنّ الحزب الآن لم يعد بتلك الشراسة بل أضحى وديعاً مع خصومه".
ورغم ما يقع لحزب العدالة والتنمية من عزل ومن هزائم، خاصة في انتخابات مجلس المستشارين، إلا أنّ الحزب، كما يشدد المحلل السياسي المغربي، "يفكر فقط في البقاء في الحكومة".
"الحزب يفقد القبول الشعبي بشكل رهيب"
وأكّد بودن بأنّ "هناك مؤشرات تقول إنّ الحزب يفقد القبول الشعبي بشكل رهيب، كما أنّ هناك رؤى عقلانية داخل المجتمع تتشكل حول هذا الحزب"، موضحاً أنّ "ظهور سلوكيات لأعضاء الحزب في الأفق تتنافى مع توجهات الحزب جعلت من تحصن حزب العدالة والتنمية بالمبدأين، الأخلاقي والديني، يتلاشى".
وكشفت نتائج انتخابات مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، التي أُجريت مؤخراً، أزمة حادة غير معلنة بأغلبية سعد الدين العثماني، قائد الائتلاف الحكومي.
وصوتت الأحزاب المشكلة للأغلبية في خطوة غير مسبوقة لمرشح حزب المعارضة، حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب ''الأصالة والمعاصرة"، ليفوز برئاسة مجلس المستشارين؛ بـ 63 صوتاً، مقابل 19 صوتاً لمنافسه نبيل الشيخي، عن حزب العدالة والتنمية.
التجربة الحالكة في تاريخ الحكومات
وينحي نشطاء حقوقيون في المغرب باللائمة على حزب العدالة والتنمية، معتبرين أنّه اتخذ إجراءات حكومية أضرّت بالقدرة الشرائية للمواطن المغربي، حيث وصف الناشط الحقوقي، أحمد صوفة، الولاية الأولى بقيادة عبد الإله بنكيران، بـ"التجربة الحالكة في تاريخ الحكومات بالمغرب".
رغم ما يقع لحزب العدالة والتنمية من عزل ومن هزائم إلا أنّه يفكر فقط في البقاء في الحكومة
ويوضح صوفة لــ "حفريات" أنّ الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية "اتخذت قرارات جائرة، لم تتجرأ على اتخاذها الحكومات السابقة بالمغرب، من أهمها؛ إلغاء صندوق المقاصة الذي أدّى إلى ضرب القدرة الشرائية لكافة الفئات الشعبية، بعد رفع الدعم عنها، وسنّ مرسومين يتعلقان بالتعليم، ونهب صندوق التقاعد".
وتابع أحمد صوفة: ''الوضع ازداد تأزماً بعد فوز حزب العدالة والتنمية بولاية ثانية في استحقاقات 2016".
تراجع شعبية الحزب في أهم معاقله
وعزا الناشط الحقوقي تراجع شعبية الحزب إلى "تخلّي الحزب عن المطالب الشعبية، ووعوده الانتخابية، وتورطه في الإجهاز على المكاسب الحقوقية والنقابية، وأيضاً صراع القيادات على المناصب الحكومية والتسابق نحو الإستوزار".
اقرأ أيضاً: ما حقيقة التقارب بين العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح؟
ومن أبرز مؤشرات "التراجع السياسي" لحزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي المغربي؛ كانت الانتخابات التشريعية الجزئية، التي مُني فيها الحزب المتصدر للانتخابات العام 2016 بخسارات متوالية، فمن ضمن 11 دائرة انتخابية، لم يفز سوى في دائرة واحدة بمدينة تطوان شمال المملكة.
وبعد بضع أعوام فقط، تراجعت شعبية الحزب ذي المرجعية الإسلامية، وفقد حضوره السياسي في دوائر انتخابية كانت تعدّ من أهم معاقله، ما يكشف، برأي مراقبين ونشطاء، أنّ نموذج الإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية بالمغرب، أصبح مرفوضاً من طرف المغاربة.