نشر المؤلف والمحلل السياسي الألمانيّ ستيفان ريتشر مقالةً في مجلة “ذي غلوبالست” الأمريكية، يتحدث فيها عن سياسات الرئيس التركيّ “المتقلبة” التي أدت إلى “تحريض” دولٍ ضد دولٍ أخرى وفقًا “لمصالحه ونزواته”. ويضيف أن هذه السياسات أدت إلى “نفور” زعماء المنطقة سوى عدد قليل من “المنتفعين”. ويشير “ريتشر” في نهاية مقالته إلى أنّ أردوغان حليفٌ لا يمكن الوثوق به في أيّ حالٍ من الأحوال.
جنون العظمة
يشتهرُ الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان بادعاءاته المتكررة أن سياسته الخارجية خالية من أية مشاكل، متجاهلًا حقيقة أن المشاكل الصفرية في الشرق الأوسط صعبة المنال على أيّ زعيمٍ فيه. ولا عجب في أن رؤيته انكشفت على نحوٍ فاضحٍ بعد أن رفع خنجره على كل دولة تقريبًا في المنطقة، من مصر إلى سوريا وإيران وإلى العراق.
رئيسٌ متقلبٌ وموتور
أردوغان قاذفُ لهبٍ بالفطرة، أخفق بشكل كليّ في وعوده الانتخابية الديمقراطية، يميل إلى هوس العظمة بشكلٍ مبالغ فيه، ويتّبع سياسات خارجية أدت إلى خلق توترات مأساوية مع الدول الكبرى خارج جواره المباشر.
وقد أحبّ روسيا في البداية، ثم احتقرها واستخفّ بها، ثم أحبّها مرة أخرى. والشيء نفسه انطبق على سياسته تجاه الولايات المتحدة، فقد اعتبرها صديقٌ رئيس في البداية، ثم بدأ بشتمها ووصْفها بالأوصاف الدونية.
وكذلك لم تحظَ ألمانيا بمعاملةٍ أفضل مما حصلت عليه الدول الأخرى من الرئيس التركيّ، فقد وصف البلاد بأكملها بالنازية الجديدة. ولكن عندما رأى النتائج الاقتصادية السلبية التي تمخّضت عن ازدرائه لألمانيا، قرر أن يحبها من جديد، وأمر وزرائه بكيْل المديح لها.
غيابُ الاحترام الدوليّ
يتمسك أردوغان بأسلوبه المنفصل عن الواقع متأثرًا بغروره اللامحدود، وبات يتخيل أن أحدًا ليس بمقدوره قيادة تركيا بالشكل المطلوب غيره هو. في الحقيقة، فقدت تركيا قدرًا كبيرًا من الاحترام العالمي لها بسبب رئيسها الذي يرى في نفسه العقل المدبر للعلاقات الدولية، الذي يستطيع قلب أيّ بلدٍ ضدّ الآخر وفقًا لنزواته وأهوائه.
ولسوء الحظ، حاصر نفسه بعددٍ كبيرٍ من “الإمعات” الذين لا يمتلكون الشجاعة الكافية لإخباره بالحقيقة المؤلمة، التي تؤكد أن تركيا هي من يجري التلاعب بها وليس العكس. وأوضح مثال على ذلك، الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين الذي يزدري أردوغان، ويتلاعب به مثل عازف الكمان.
حيرةٌ وتردّدٌ غربيّ
تشعر الدول الغربية بترددٍ كبيرٍ إزاء سياسات الرئيس التركيّ المراوغة، والكثير من الزعماء الأوروبيون باتوا يؤكدون أن صبر الجميع آخذٌ في النفاذ، وأن هنالك رغبةٌ غربيةٌ حقيقيةٌ في رؤية رئيسٍ تركيٍ آخر ينخرط في سياسةٍ شفافة، بدلًا من تحريض الأمم ضد بعضها البعض.
أردوغان وحزب العمال الكردستاني
ورّط الرئيس التركي نفسه من جديد في وعودٍ بتخليص المنطقة من “الإرهابيين”، إذ أنه يعتبر الحزب بأكمله إرهابيّ. وقد نسي أن تركيا خاضت أكثر من 25 عملية ضد الأكراد على مدار الـ25 سنة الماضية، إلا أنها لم تسحق حزب العمال الكردستاني في العراق.
وما يدلّل على تقلباته غير المحسوبة، بدأ أردوغان بمرحلة حوارٍ مع الأكراد قبل 5 سنوات، عندما خدم ذلك أهدافه السياسية المحلية، إلا أنه عاد إلى الحرب الآن. ويتوقع المحللون الأتراك أن يتحوّل أردوغان من جديد إلى صانع سلامٍ مع الأكراد بمجرد تحطيم حزب الحركة القوميّ المناهض للأكراد. أما في الوقت الحالي، فهو بحاجة إليه لتعزيز الرئاسة الإمبراطورية.
ولحسن حظّ الدول الأخرى، ولسوء حظ الأتراك في الداخل، فإن تصريحات أردوغان الرنانة، وخطاباته المتبجحة، دائمًا ما تثبت خلوّ مفعولها الحقيقي في نهاية المطاف.
عن"كيوبوست"