هجوم فيينا.. هل هو إيذان بموجة إرهاب جديدة؟

هجوم فيينا.. هل هو إيذان بموجة إرهاب جديدة؟


04/11/2020

شهدت العاصمة النمساوية فيينا، مساء أول من أمس، هجوماً مسلحاً راح ضحيته أربعة أشخاص على الأقل، فيما أصيب العشرات، عندما قام عدد من الأشخاص يعتنقون "الفكر الداعشي" بإطلاق أعيرة نارية شملت ستة مواقع في وسط المدينة بدأت خارج المعبد اليهودي الرئيسي.

قُتل أحد المهاجمين أثناء تبادل النيران مع رجال الشرطة وأُلقي القبض على آخر، فيما تمكن شخص على الأقل من الفرار من موقع الهجوم، وقع ذلك في مدينة عادة ما تكون معدلات الجريمة فيها منخفضة جداً؛ فالنمسا قبل هذه العملية كانت بمنأى نسبياً عن موجة الهجمات الإرهابية في أوروبا، وحسب شبكة "روسيا اليوم" فقد أعلن تنظيم داعش الإرهابي، أمس، مسؤوليته عن الهجوم مما يتوقع معه أنّ أوروبا على موعد مع موجة إرهابية جديدة.  

شهدت العاصمة النمساوية فيينا، مساء أول من أمس، هجوماً مسلحاً راح ضحيته أربعة أشخاص على الأقل

وحسب "france24"  قال وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر إنّ أحد منفذي الهجوم قتل بعد تبادل النيران معه، مؤكداً أنه شخص متطرف اسمه "كارتين إس"، ويحمل الجنسيتين النمساوية والمقدونية الشمالية، وأنه من أصل ألباني ووُلد ونشأ في فيينا ويبلغ من العمر عشرين عاماً، وأنه قد حُكم عليه في نيسان (أبريل) 2019 بالسجن 22 شهراً، لمحاولته التوجه إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم "داعش".

فيما قال رئيس تحرير صحيفة "فالتر" فلوريان كلينك، إنّ منفذ الهجوم واحد من بين تسعين متطرفاً نمساوياً أرادوا السفر للقتال في سوريا تحت راية تنظيم داعش، وأن منفذ الهجوم القتيل تم الإفراج عنه مبكراً، الأمر الذي انتقده الوزير كارل نيهامر أمام الصحافيين.

مقدونيا الشمالية موطن منفذ العملية من أكثر دول البلقان التي صدّرت مقاتلين إلى صفوف داعش

 هذا وقد أطلقت الحكومة النمساوية بعد الهجوم عملية مطاردة واسعة، وحسب موقع قناة "الغد"  أفاد وزير الداخلية في مؤتمر صحفي متلفز "أنهم نفذوا ثمانية عشر عملية مداهمة في فيينا و(ولاية) النمسا السفلى، واعتقلوا أربعة عشر شخصاً"، وقد سيطر الذهول في مطاعم الحي ومقاهيه، حيث طُلب من الزبائن البقاء في الداخل وأطفئت الأنوار، فيما كانت صفارات سيارات الإسعاف تدوّي في الخارج، وحلقت طائرات هليكوبتر في أجواء المدينة.

أصيب المواطنون برعب شديد نظراً لأنهم لم يشهدوا في السنوات الأخيرة ذلك النوع من الهجمات كالتي حدثت في باريس وبرلين ولندن، وتم إعفاء الأطفال من الذهاب إلى المدرسة أمس، ويبحث المحققون حالياً عن مشتبه بهم آخرين محتملين شاركوا في الهجوم لأن إطلاق النار وقع في أماكن متفرقة.

اقرأ أيضاً: السلطات النمساوية تكشف علاقة منفذ هجوم فيينا بداعش.. تفاصيل

يقول الكاتب والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة ماهر فرغلي: "إنّ داعش أعلن عن مسؤوليته عن العملية، وبصماته واضحة في مسرح العمليات، فالشخص المقتول في العملية ينتمي فكرياً للتنظيم الإرهابي"، موضحاً لـ"حفريات" أنّ هذه العملية "تمت وفق سياسة الاستنزاف التي يتبعها زعيم داعش الجديد حجي عبدالله قرداش "أبو عبدالرحمن المولي الصلابي"، وهو دموي جداً، وقد تمكن من إعادة هيكلة التنظيم وقضى على التصدعات الفكرية والتنظيمية، ونشر عناصر من تنظيمه سواء من الذئاب المنفردة أو الخلايا المنفردة أو مجموعات النخبة".

 النمسا قبل هذه العملية كانت بمنأى نسبياً عن موجة الهجمات الإرهابية في أوروبا

ويتابع فرغلي: مجموعات النخبة لا تتحرك إلا وفق تعليمات من القيادة التنظيمية، أما الخلايا والذئاب المنفردة؛ فيكفي اقتناعهم بالفكر الداعشي ودعمهم لوجستياً من الجماعة، ثم يكمنون إلى أن تعلن القيادة بدء عملياتها، هنا تنطلق للذئاب أو المجموعات المنفردة لتنفيذ عملياتهم، ولهم حرية اختيار الهدف والتوقيت والمكان، وأرى أنّ هذه العملية جاءت تلبية لنداء زعيم داعش ببدء موجة العمليات الارهابية القادمة عبر التسجيل الصوتي له باسم "لبوا النداء".

اقرأ أيضاً: بعد هجوم فيينا.. ميركل تهاجم ما وصفته بـ "الإرهاب الإسلامي".. ماذا قالت؟

وأكد فرغلي أنّ "أوروبا ستواجه موجة إرهابية قادمة أكبر مما يتخيله الأوروبيون أنفسهم، فأوروبا تواجه مشكلتين؛ الأولى: تحديات العائدين من داعش، والقدرة الأمنية لمواجهة الإرهابيين، ومدى نجاح برامج دمج التائبين في المجتمعات الأوروبية، وأيضاً اختراق المؤسسات الدينية الإسلامية من الجماعات الإرهابية.

المشكلة الثانية: مواجهة توطين الإسلام السياسي في أوروبا "فرنسا" نموذجاً، فقد تم ترك الحقل الديني الإسلامي في فرنسا بأيدي الجماعات المتطرفة؛ مع إقصاء مؤسسة الأزهر عن اختيار الخطباء والوعاظ في المراكز الإسلامية مما جعلهم متوغلين في المجتمع".

 

فرغلي: أوروبا ستواجه موجة إرهابية قادمة أكبر مما يتخيله الأوروبيون أنفسهم

وأضاف فرغلي أنّ "عملية فيينا لن تكون الأخيرة، فقد تلكأت أوروبا في مواجهة الإسلام السياسي والمتطرفين، مما أدى لتفاقم الوضع الأمني، وأصبحت مهددة بعمليات إرهابية قادمة ربما تفوق مثيلاتها في السنوات السابقة".

من جهته، يقول الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، الدكتور عمرو عبد المنعم: "هذه العملية تأتي من مجموعة متدربة جيداً، وجاهزة للعملية، ومن الواضح أنهم كانوا أكثر من ثلاث أشخاص، فإضافة للثلاثة المنفذين للهجوم، هناك على الأقل ثلاثة ساندوهم في العملية، منهم مسؤول الدعم اللوجيستي، موضحاً لـ"حفريات": العتاد الذي حمله المهاجم تمثل في الحزام الناسف المزيف لتخويف رجال الشرطة أو أي مدني يريد إيقاف المهاجمين، والخنجر كذلك للإشعار أنه في حال نفذت منه الذخيرة سيقوم بعلميات ذبح، أيضاً المصور الذي سجل الهجوم وأطلقه على حساب الأنستغرام فور العملية، صحيح تم إغلاق الحساب بعدها، لكن هذه الصور كافية للترويج فيما بعد، إضافة لعناصر تأمين الهروب، وأتوقع وجود نساء في المجموعة لزوم التأمين، لسهولة تحركهم في المجتمع دون إثارة الريبة".

ماهر فرغلي: الهجوم جاء تلبية للتسجيل الصوتي لزعيم داعش ببدء موجة العمليات الإرهابية القادمة

وأكد عبد المنعم أن "اختيار فيينا جاء لأنّها هدف سهل باعتبارها ذات استرخاء أمني، ولم يكن متوقعاً قيام عمليات فيها، كما أن حكومتها وأهلها غير متورطين في هجوم على الإسلام ولا المسلمين، أما اختيار المعبد اليهودي فليس له دلالة مباشرة، فالهدف عملية موجعة لأوروبا فحسب"، مبيناً أنّ "النمسا بها عدد من العائدين من سوريا، والمنتمين لداعش، وكانوا ينتظرون ساعة التنفيذ استجابة للتسجيل الصوتي لزعيم التنظيم الجديد عبد الله قرداش".

اقرأ أيضاً: الإرهاب وكورونا والانتخابات الأمريكية..هل تتساوى تجليات نظرية المؤامرة بين الشرق والغرب؟

ومقدونيا الشمالية، موطن منفذ العملية، بحسب تقرير للمجلس البريطاني العام 2018 من أكثر دول البلقان التي صدّرت مقاتلين انضموا إلى صفوف تنظيم داعش وغيره من المجموعات الجهادية في الشرق الأوسط منذ العام 2012، وقد غادر قرابة مئة وخمسين مواطناً وزوجاتهم البلد باتّجاه سوريا، عاد نحو نصفهم، وفق أرقام الشرطة.

واستناداً إلى تقرير لمركز أبحاث "مبادرة الأطلسي" في سراييفو العام 2017، فإن حركة سلفية متطرفة انتشرت في أوساط الجاليات المسلمة بالبلقان من خلال مساجد "موازية" تنظّم تجمّعات أحياناً داخل المنازل، ويتم تجنيد الجهاديين عادة على مستويات فردية شعبية إذ تعتبر شريحة الشباب الهدف الأساسي.

اقرأ أيضاً: ما النتائج المترتبة على إخراج السودان من قائمة "رعاة الإرهاب"؟

هذا وقد توالت الإدانات ضد الهجوم في أنحاء العالم؛ إذ علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "الهجمات الشريرة يجب أن تتوقف، والولايات المتحدة تقف بجانب النمسا وفرنسا وأوروبا كلها في الحرب ضد الإرهابيين، بمن فيهم الإرهابيون المتطرفون"، فيما كتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عبر تغريدة على تويتر "أوروبا تدين بشدة هذا العمل الجبان الذي ينتهك الحياة وقيمنا الإنسانية"، وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على تويتر أيضاً "أوروبا تتضامن مع النمسا، نحن أقوى من الكراهية والإرهاب".

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة بالفرنسية والألمانية "نحن الفرنسيين نشاطر الشعب النمساوي مشاعر الصدمة والألم بعد فرنسا، ها هو بلد صديق يتعرّض للهجوم، إنّها أوروبا خاصّتنا، على أعدائنا أن يدركوا مع من يتعاملون، لن نتنازل عن شيء".

كما نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالهجوم الدامي، قائلة إنّ "الإرهاب هو عدونا المشترك"، وإن محاربته "معركتنا المشتركة". وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "أتابع بأسى شديد الهجمات الإرهابية العنيفة في فيينا، أدين تلك الهجمات بأشد العبارات، وأؤكد تضامن الأمم المتحدة مع شعب وحكومة النمسا".

اقرأ أيضاً: سفير إيراني لدى ميليشيات الحوثي: الإرهاب برعاية الملالي

وعلى الصعيد العربي، كتب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في تغريدة له: "نشارك الأصدقاء في النمسا الحزن، جراء الجريمة الإرهابية التي استهدفت الأبرياء في فيينا، هذه الجريمة الشنيعة ومثيلاتها تتنافى مع كل الأديان والقيم الإنسانية، وتؤكد لنا بأن الإرهاب لا دين ولا عرق له"، فيما أكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الثلاثاء، أن هجوم فيينا "جريمة شنيعة تتنافى مع جميع الأديان والقيم الإنسانية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية