من دون حلّ القضية الفلسطينية كيف تدار التوازنات السياسية الهشّة؟

من دون حلّ القضية الفلسطينية كيف تدار التوازنات السياسية الهشّة؟


كاتب ومترجم جزائري
06/07/2022

ترجمة: مدني قصري

أثار توقيت الاحتفالات الدينية والسياسية، إلى جانب الهجمات في إسرائيل واغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، مخاوف من حدوث انفجار في العنف بعد عام من الحرب، التي استمرت 11 يوماً في غزة. لقد خفتت حدّة التوترات، لكن لم يظهر أيّ حلّ سياسيّ، واستمرّ الصراع منخفض الحدة وما تزال التوازنات السياسية جدّ هشّة.

في كلّ عام، تحتفل إسرائيل بيوم القدس (يوم أورشليم بالعبرية) لإحياء ذكرى احتلال الجيش الإسرائيلي للقدس الشرقية، عام 1967؛ يخرج آلاف الإسرائيليين إلى شوارع المدينة المقدسة، ملتَحفين طوال يوم كامل بالأعلام الزرقاء والبيضاء، ويمكث معظم المتظاهرين في القدس الغربية، أو يدخلون أحياناً شرقاً إلى المدينة القديمة عبر بوابة يافا، لكنّ أكثرهم تطرفاً، وهم غالباً من سكان مستوطنات الضفة الغربية يسيرون نحو باب العامود، المدخل الرئيس للجزء الإسلامي من المدينة القديمة، هذا فيما يطلق البعض استفزازات قومية ضدّ بعض الفلسطينيين المحليين القلائل الذين يأتون لرؤية المشهد.

في كلّ عام السيناريو نفسه، والإهانات العنصرية نفسها: "الموت للعرب! الجو مكهرب من مدخل باب العامود إلى حائط البراق، بدلاً من إحياء ذكرى مرحة يظلّ المشهد استعراضاً للقوة، ويسعى لأن يُظهر عن طريق الاستفزاز أنّ غزو 1967 جعل الإسرائيليين السادة الوحيدين للمكان. وفي هذا العام، أكثر من ذي قبل، كانت المخاوف من حدوث سيول من تفجّر الغضب جد قوية؛ ففي إحدى المظاهرات رحّب أحد المتظاهرين في الموكب بوفاة الصحفية الفلسطينية: "شيرين ماتت! صرخ مبتسماً. جاءت "مسيرة الأَعلام" هذه بعد أسابيع عديدة من التوتر، وأتت لتغلق تقويماً احتفالياً جهنمياً أثار مخاوف من حدوث الأسوأ، والخوف من حدوث تصعيد جديد للعنف انطلاقاً من القدس.

لكن إذا تم احتواء التوترات والتشنجات في النهاية؛ فإنّ هذه المخاوف تعكس هشاشة الوضع.

قمعٌ عنيف في الضفة الغربية

 بين نهاية آذار (مارس) وبداية أيار (مايو)، تمّ شنّ ستّ هجمات ضدّ إسرائيليين، ما أسفر عن مقتل خمسة عشر شخصاً على الأقل، وأحيت هذه الأحداث ذكرى الانتفاضة الثانية (2000-2005)، وخلقت هيجاناً واسعاً في المجتمع الإسرائيلي. وعلى غرار أعمال العنف، في أيار (مايو) 2021، فقد خَدَشَت هذه الأحداث أوهامَ السلام التي خلقتها التحالفات الإقليمية الجديدة، وفقاً لدونيس شاربيت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسرائيل المفتوحة (رعنانا)؛ حيث قال: "ذكّرت هذه الهجمات الإسرائيليين بأنّ الصراع مع الفلسطينيين ما يزال دون حلّ، على الرغم من التقارب مع العديد من الدول العربية التي وقّعت على اتفاقات أبراهام".

هُوية بعض المهاجمين، وهم مواطنون فلسطينيون في إسرائيل اِدّعوا الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية، خلقت سوء الفهم والالتباس، ما أثار الجدل والذهان وفقاً للباحث: "الإسرائيليون الذين اعتادوا على المطالب القومية الفلسطينية، فوجئوا بظهور داعش".

تحتفل إسرائيل بيوم القدس (يوم أورشليم بالعبرية) لإحياء ذكرى احتلال الجيش الإسرائيلي للقدس الشرقية، عام 1967

لقد تجاهلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأهملت هذا التهديد الذي بدا محصوراً في المنطقة السورية. صحيح أنّ الفلسطينيين (بمن فيهم فلسطينيون من داخل إسرائيل قد انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية (قبل عدة سنوات) لكنّ الظاهرة كانت قضية هامشية تماماً. داعش، في الرأي العام الإسرائيلي بعيدة (في أفغانستان)، وهذا أمرٌ ينتمي إلى الماضي. في الوقت نفسه، ولإضافة بعض الفروق الدقيقة يجب التذكير بأنّ ادّعاء هجوم من قبل داعش أمرٌ يثير الحيرة إلى حدّ ما).

إعلان المسؤولية عن الهجوم لا يعني بالضرورة أنّ أعضاء هذه المجموعة الإرهابية كانوا متورطين بشكل مباشر، بالتالي، فإنّ الهوية الإسرائيلية الفلسطينية للمهاجمين هي التي تسبّبت في إثارة الاضطراب، وما يزال السكان الإسرائيليون يعانون من أعمال الشغب العنيفة التي اندلعت في المدن المختلطة في إسرائيل، في أيار (مايو) 2021، والتي تورّط فيها فلسطينيون من إسرائيل.

إنّ مشاركة قلّة منهم تُعيدنا إلى هذه الأحداث الرهيبة، وهكذا سرعان ما تراجع إلى الخلف الادعاء بأنَ  بعض الهجمات كانت من فِعلِ داعش. يتكون الائتلاف الذي يدعم الحكومة الإسرائيلية الحالية من حزب عربي (إسلامي معتدل، وهو حزب القائمة العربية الموحدة).

اعتداءات في إسرائيل، واغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، ومقتل فلسطينيين على هامش التظاهرات في الضفة الغربية.  هذه الأحداث سُجِّلت في رزنامة حساسة للغاية

وفي هذا السياق، انتهز اليمين المعارض الفرصة لتأجيج النار، دائماً ما يكون موقف عرب إسرائيل في هذا النوع من المواقف حساساً للغاية؛ بسبب توترات الهُوية اليهودية العربية ومسألة ولاء مواطني إسرائيل العرب المنقسم بين الولاء لشعبهم، الشعب الفلسطيني، والولاء لدولة إسرائيل".

على مدى عدة أسابيع، تركزت الأخبار على تهديد الهجمات في إسرائيل، لكن في 11 أيار (مايو)، أدّى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة إلى تحويل النقاش من قضية أمنية في الدولة اليهودية إلى انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

لقد خلق اغتيال الصحفية الفلسطينية مشاعر قوية، حتى خارج الضفة الغربية، باعتبارها فلسطينية من أصول مسيحية تم تكريمها في الأوساط الفكرية والشعبية لمسيرتها المهنية المثالية حول تغطية الصراع. داخل المجتمع الفلسطيني لا تفسَّر الانفعالاتُ التي أحدثها موتها من خلال مسيرتها المهنية وهُويتها وحسب، وهي عوامل حشد جميع الفلسطينيين، لكن أيضاً من خلال ظاهرة البحث عن أبطال جدد وفقاً للباحث جان بول تشاغنوليود، رئيس معهد بحث ودراسات البحر الأبيض والشرق الأوسط "Iremmo": "لقد ضعُف الفاعلون السياسيون الفلسطينيون، أياً كان الحزب، ويشهد اغتيال شيرين أبو عاقلة على هذه الحقيقة".

أدّى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة إلى تحويل النقاش من قضية أمنية في الدولة اليهودية إلى انتهاكات لحقوق الإنسان

على نحو متزايد أصبح ممثلو المجتمع المدني (صحفية في هذه الحالة) هم أبطال ورموز القضية الفلسطينية. حتى إن لم لم يتمكّن أيُّ تحقيقٍ من إلقاء الضوء على ملابسات وفاتها؛ فإنّ عدة عناصر، مثل الشهادات الفورية بعين المكان، وطبيعة إطلاق النار الذي نفذه قناص متمرّس، وموقف السلطات الإسرائيلية، سرعان ما طرحت مسألة ذنب الجيش الاسرائيلي. في نهاية شهر أيار (مايو)، أكّدت قناة "CNN" هذه الشكوك بنشر تقرير عن تورّط إسرائيل، وهكذا نشأت روايتان حول وفاة الصحفية:

1- على الجانب الفلسطيني؛ يظلّ اليقين الفعلي من ذنب الجيش الإسرائيلي يعزز، بسبب عدم وجود تحقيق دولي الشعورَ بأنّ الجنود الإسرائيليين يتمتعون بحصانة كاملة.

2- على الجانب الإسرائيلي: فإنّ الشك حول الهُوية الحقيقية لمطلق النار، حتى لو لم يتم استبعاد الجيش الإسرائيلي، يعزز الشعورَ بأنّ إسرائيل سرعان ما تُتهَّم دون دليل.

بعد مرور أيام قليلة، في 16 أيار (مايو)، حلّ موقفُ الشرطة الإسرائيلية التي أصدرت تعليماتها لقافلة تشييع شيرين أبو عاقلة بنزع الأعلام الفلسطينية إلى حدّ إسقاط التابوت، محلَّ القدس كفضاء توتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين. في هذه الأثناء كانت المناقشات حول خطر تصعيد العنف مضطرمة للغاية، لسبب وجيه؛ هو أنّه قبل عام أدّت التوترات، على الرغم من أنّها كانت محصورة في القدس الشرقية في أعقاب التهديد بطرد العديد من العائلات الفلسطينية في حيّ الشيخ جراح، بدورها إلى اندلاع حرب استمرت 11 يوماً في غزة.

بالنسبة للفلسطينيين، أدّى دفن الصحفية إلى زيادة التوتر بشكل كبير، مما أدى إلى تأجيج الشعور بسرعتين، خاصة بسبب رفع الأعلام الفلسطينية وتمثيلها في إسرائيل والأراضي المحتلة من القدس الشرقية. وبحسب دينيس شاربيت: "تساءلنا عن سبب إصدار التعليمات بحظر رفع الأعلام الفلسطينية في القدس الشرقية. يمكننا فهم هذه التعليمات في الأوقات العادية، لكن في مثل هذه الظروف كان من الأفضل والمبرر تعليقها مؤقتاً، من الصعب جداً قبول هذا الحظر من الجانب الفلسطيني، لا سيما أنه، في يوم الأحد التالي، نظّم الإسرائيليون استعراضاً في البلدة القديمة، بمناسبة "يوم القدس"، ورُفعت الأعلام الإسرائيلية طوال المسيرة. وهكذا سرعان ما برزت مسألة الأعلام في الأيام التي أعقبت الدفن بمناسبة ذكرى النكبة…".

"في جامعة تل أبيب تعرّض المتظاهرون للمضايقة بسبب التلويح بالأعلام. وقد ثار جدل: هل ينبغي السماح بالحقّ في رفع العلم الفلسطيني؟ هل هو علم العدو؟ هل هو علم القومية الفلسطينية؟ هل هو علم السلطة الفلسطينية التي ليست دولة معادية بالمعنى الدقيق للكلمة؟ هل هو رمز ثقافي؟ فيما يتعلق بجامعة تل أبيب ودفن شيرين أبو عاقلة، كان ينبغي مراعاة المدة القصيرة نسبياً للاحتفالين للابتعاد عن أيّ تدخّل (...). كان من الضروري التحلّي بضبط النفس وعدم المخاطرة برؤية اليمين الإسرائيلي، يلتقط مثل هذه الصورة من أجل الحصول على نتائج سياسية، زاعماً (خطأ) أنّ هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التلويح بالأعلام الفلسطينية في القدس الشرقية منذ عام 1967 ".  

أرض خصبة للعنف

اعتداءات في إسرائيل، ومقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، ومقتل فلسطينيين على هامش التظاهرات في الضفة الغربية.  هذه الأحداث سُجِّلت في رزنامة حساسة للغاية؛ في أيار (مايو) الماضي توالت عدة مهرجانات دينية وتذكارية حشدت روايات تاريخية وسياسية متعارضة.

تدهور حالة محمود عباس الصحية يغذي القلق

شهد المسؤولون الإسرائيليون والفلسطينيون الأسابيع وهي تمرّ بقلق شديد، خوفاً من تصعيدٍ لعنفٍ لا تمكن السيطرة  عليه، قد يؤدي إلى اندلاع الحرب "الموعودة". في نهاية نيسان (أبريل)، أطلقت الصواريخ ردّاً على الضربات الإسرائيلية، واضطرمت غزة مرة أخرى. في ذروة التوترات استحوذت الصحافة على الموضوع، متسائلة عمّا إذا كان من الوارد أن تقع المنطقة مرة أخرى في حرب مفتوحة بين إسرائيل وحماس بعد مرور عام على الحرب في غزة. لكن هل من الممكن مقارنة الوضع اليوم حقاً بربيع عام 2021؟ هل للجهات الفاعلة السياسية، على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، مصلحة في إشعال نزاع جديد شديد الحدة؟

في أيار (مايو) 2021؛ انطلقت الشرارة من القدس. في سياق حشد المجتمع المدني الفلسطيني ضدّ عمليات الإخلاء في الشيخ جراح، ردّت شرطة الاحتلال بقمع وحشي، واقتحمت المسجد الأقصى بأحذيتها لقمع المتظاهرين، وإطلاق النار على المكان المقدس (ثالث أهم المقدسات في الإسلام) والغاز المسيل للدموع في عزَ الصلاة في رمضان.

 أثار نشر هذه الصور في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي صدمة عميقة في الرأي العام الفلسطيني. انتهزت حماس، التي تتولى السلطة في غزة هذه الفرصة للردّ على استفزازات الشرطة الإسرائيلية، مستغلة الأحداث بإطلاق صواريخ باتجاه القدس. يجب وضع ردّ الفعل هذا من قبل الجماعة الإسلامية في سياق التنافس بين فتح وحماس في ذلك الحين. ففي بداية شهر أيار (مايو)؛ قبل أيام قليلة من الهجمات الصاروخية على القدس ألغى الرئيس محمود عباس (فتح) تنظيم الانتخابات الفلسطينية. وقد أثار القرار، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، غضبَ حماس، التي كانت تأمل في كسب نقاط في الضفة الغربية بهذه الانتخابات. في ذلك الوقت، من خلال إطلاق الصواريخ على القدس أراد الحزب الذي يسيطر على قطاع غزة أن يصبح المدافعَ الوحيد عن القضية الفلسطينية.

على الرّغم من رحيل بنيامين نتنياهو يتواصل بناء مساكن جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي

لكن منذ ذلك الحين تغيرت المعادلة السياسية، "من كلّ جانب، بما في ذلك جانب الفلسطينيين، لا أحد يريد حرباً جديدة" كما أكّد حمادة جابر. وفق هذا الباحث في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR)؛  فإنّ حماس تعدّ تحرّكها، في أيار (مايو) 2021، انتصاراً، ويمكنها أن تلعب على ميزان القوى الجديد هذا مع الإسرائيليين. في الواقع، في الأشهر الأخيرة، سهّلت حكومة بينيت دخول عمّال غزة إلى إسرائيل، وبذلك وفّرت بعض الأكسجين في قطاع غزة المدمَّر اقتصادياً. وبحسب الباحث جان بول تشاغنولود؛  فإنّ "حماس حصلت على بعض الانفتاح في غزة على تصاريح العمل الممنوحة لسكان غزة، بالتالي، لا مصلحة لها في الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل مرة أخرى".

 صراع منخفض الحدّة

 فور مرور هذا التقويم الجهنمي، وانتهاء يوم القدس دون وقوع حوادث كبيرة، في نهاية أيار (مايو)، أظهر القادة السياسيون ارتياحهم، ومع ذلك فإنّ نهاية هذه الفترة الحساسة لا ينبغي أن تجعلنا ننسى حقيقة مهمة: لا توجد بوادر لعملية سلام جارية في الوقت الحالي، ورغم أنّ صفحات هذا التقويم المتوتر قد طويت فإنّ الصراع باقٍ لا محالة.

بالنسبة إلى إسرائيل، التي تكتفي بالوضع الراهن (احتلال الضفة الغربية المجزّأة بما في ذلك القدس الشرقية واستمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية) يتمثّل التحدي في وقف التخطيط للهجمات وإدارة العنف اليومي، لكن لا تلوح في الأفق أيّة إرادة جادة للشروع في عملية سلام.

تتكون حكومة نفتالي بينيت المتنوعة الأطياف، التي أسقطت بنيامين نتنياهو، من عناصر من اليسار الإسرائيلي الراديكالي (ميرتس)، ويدعمها حزب عربي ( القائمة العربية الموحدة). فقد أثار نفتالي، إذاً، الآمال والارتياح بين بعض المدافعين عن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. لكن هذا التحالف غير متجانس لأقصى الحدود؛ لذا فهو لا يمتلك الوسائل ولا الطموحات لإعادة إطلاق عملية السلام. هدفه الرئيس هو الاستجابة لمطالب جزء كبير من الإسرائيليين، وهي: تشكيل حكومة لتجنب انتخابات جديدة، بالتالي، ضمان الأداء السليم للدولة مرة أخرى من خلال التصويت على الميزانية، وبالمناسبة إسقاط نتنياهو الذي شوّهت صورتَه العديدُ من قضايا الفساد.

 لا أحد يريد حرباً جديدة

حلّ الصراع لا يدخل في هذه المعادلات، علاوة على ذلك؛ فإنّ دعم الحكومة من قبل الحزب العربي ( القائمة العربية الموحدة) لا يشكّل خطوة نحو عملية السلام. من المؤكد أنّ موقف الشرطة الإسرائيلية في القدس حساس؛ لأنّ ناخبي هذا الحزب الإسلامي المعتدل يتكوّنون من شريحة كبيرة من العرب الإسرائيليين الممارسين للدين. لكنّ زعيمه، منصور عباس، يركّز مطالبه على الاهتمامات الاقتصادية والأمنية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ولم يجعل استئناف المحادثات مع رام الله شرطاً لدعمه، بحكم المجموعات السياسية المختلفة التي تتكون منها؛ فإنّ هذه الحكومة في النهاية غير مستقرة؛ فهي ليست في وضع يسمح لها بإطلاق سياسة طموحة فيما يتعلق بالصراع، بحسب جان بول شاجنولود: "فإذا انحرفت بخطوة واحدة يمكن الإطاحة بها، لقد فقدت بالفعل الأغلبية في البرلمان؛ لذلك فهي تحافظ على الوضع الراهن، إنّها تعتمد بشكل خاص على منصور عباس، الذي يحظى بالتقدير، للمفارقة، من قبل جزء من الرأي العام الإسرائيلي المحافظ؛ فهذا الوضع السريالي يمكن أن يتطور بسرعة، فهو هشّ".

 كما يجب ألا ننسى مَن هو الشخص الذي على رأس هذا التحالف. يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف، نفتالي بينيت (يمينا)، بشدة، إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ويؤيد ضمّ إسرائيل أحادي الجانب للمنطقة ج في الضفة الغربية. على الرّغم من رحيل بنيامين نتنياهو يتواصل بناء مساكن جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. وهذا، على الرغم من أنّ الاستيطان يشكّل أحد العوائق الرئيسية للسلام، بحسب الفلسطينيين، لا شكّ في أنّ الإجراءات السياسية وملامح شخصية نفتالي بينيت تظلّ عقبات رئيسة أمام استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.

لا شكّ في أنّ تغيير الحكومة في إسرائيل قد خفّف إلى حدّ ما التوترات بين تل أبيب ورام الله، لقد تعزز التعاون الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ وصول نفتالي بينيت كرئيس للوزراء، وهكذا اختار محمود عباس الحفاظ على علاقات صحيحة مع الدولة اليهودية، حتى إن كان التعاون الأمني ​​لا يحظى بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

كما أنّه اختار فرض سلطته في وجه التهديد الذي تشكّله عليه حماس، التي تكتسب شعبية في الضفة الغربية.

وبحسب آخر استطلاع للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية "PCPSR"؛ فإنّ 75٪ من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية يطالبون اليوم باستقالة محمود عباس. إنّ تزايد عدم شعبية الرئيس الفلسطيني الذي يُنظر إليه في الضفة الغربية على أنّه مستبدّ فاسد، بات يُضعف فتح، بحسب الباحث حمادة جابر: "الحركة تدفع ثمن عدم الشعبية هذا، لقد فازت حماس في الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت، في منتصف شهر أيار (مايو). ومع ذلك، كثيراً ما يقال إنّ بيرزيت تعبّر عن نبض المجتمع الفلسطيني. هذه الانتخابات خيرُ مثال على خسارة فتح لمكانتها في المجتمع في السنوات الأخيرة". وهكذا، بِدافع الخوف من فقدان سلطته، يسعى رئيس السلطة الفلسطينية إلى تعزيز سلطويته.

على أيّة حال، لا يبدو  أنّ "الريّس" يواجه تهديداً من شأنه أن يزعزع سلطته. وفقاً للباحث جان بول شجنولود؛ يمكن فهمُ الحفاظ والتمسك بمحمود عباس من خلال الاعتماد على مفهوم العصبية الذي صاغه ابن خلدون: "روح الجماعة والتضامن هي التي توحّد جماعة معيّنة ضدّ معارضيها. يرتبط أفرادها بالدم، أو من خلال التجارب القتالية المشتركة في الكفاح من أجل التحرر الوطني و /أو الاستيلاء على السلطة. ومن هنا تعتزم هذه المجموعة الملتفة حول زعيمٍ أن تفعل كلّ شيء للحفاظ على مواقعها وقوتها. ويُوضح هذا التصور تموقع السلطة الفلسطينية.

محمود عباس محاط بمجموعة مكوّنة من الأعضاء أنفسهم الذين يعرفون بعضهم منذ فترة طويلة، حتى قبل فترة طويلة من انتخابه، والذي يعود تاريخه بالفعل إلى 17 عاماً، كانون الثاني (يناير) 2005.

تبذل هذه المجموعة المتحالفة، بلا شكّ، مع قلة أخرى، قصارى جهدها للحفاظ على السلطة. في العام الماضي؛ رأينا مثالاً على هذه الرغبة في التشبث بالسلطة بإلغاء الانتخابات الفلسطينية.

كان أنصار عباس يعلمون أنهم سيخسرونها، هذا الموقف السلطوي يَلقى الدعمَ من قبل الإسرائيليين، لا سيما من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية من خلال التعاون الأمني ​​الوثيق الذي ترعاه وتحافظ عليه السلطة الفلسطينية مع هذه الأجهزة".

 لكنّ الزعيم الفلسطيني، البالغ من العمر 87 عاماً، ليس خالداً، تدهور حالته الصحية يغذي القلق: مَن سيخلفه؟ وكيف يمكن تصليح موازين القوى بعد عباس؟ وهل الخلافة ستكون عنيفة؟

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Israel-Palestine-sans-resolution-de-la-question-palestinienne-gerer-les.html

مواضيع ذات صلة:

هكذا ردت إسرائيل على تقرير يدينها في نزاعها مع الفلسطينيين.. ماذا عن أمريكا؟‎‏

إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية أم قتلها؟

كيف جمعت فلسطين الغزاة ووحّدت المبشرين والأساطيل الدولية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية