مع التراجع الفرنسي.. هل تنجح تركيا بحل مشاكلها الاقتصادية عبر بوابة أفريقيا؟

مع التراجع الفرنسي.. هل تنجح تركيا بحل مشاكلها الاقتصادية عبر بوابة أفريقيا؟


15/06/2022

انتقل محور التركيز التركي داخل القارة الأفريقية، من الاقتصاد كأولوية لاستغلال كافة الفرص المتاحة في القارة السمراء لتنمية الاقتصاد التركي، إلى محاولة لفرض التواجد الأمني والعسكري ومزاحمة دول أوروبية وخلق مساحات بديلة للنفوذ التركي بعيداً عن منطقة شرق المتوسط، وكذلك إيجاد مساحة أكثر رحبة لإنقاذ الاقتصاد التركي المتهاوي، لكنه يصطدم مع سياسات الدول الغربية ذات النفوذ الممتد على مدى بعيد داخل القارة وفي مقدمتها فرنسا. 

وخلال الأشهر الماضية برز الصراع الفرنسي التركي، كقوتين متنافستين على مراكز الاستثمار والموارد الطبيعة في شمال وغرب أفريقيا، فيما استغلت تركيا تراجع التواجد الفرنسي عسكرياً واقتصادياً في عدة مناطق لمحاولة ملء الفراغ، لكن تلك المحاولات هي محل تحذيرات دولية، خشية استغلال أنقرة لنفوذها لصالح القضايا التي تدعمها إقليمياً ولا تتفق مع توجهات دول الجوار.

الباحثة في إدارة الدراسات الإستراتيجية، بمركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، ريم محسن الكندي، ترى أنّ "الفترة الماضية شهدت تنامي نفوذ تركيا في منطقة شمال وغرب أفريقيا على عدة مستويات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، فضلًا عن تمددها في باقي دول القارة حيث تعتبر أفريقيا ساحة رئيسية للتنافس والصراع الحالي بين أنقرة وباريس".

ويرجع الأمر، بحسب ما أوردته الباحثة في دراستها المنشورة حديثاً عبر الموقع الرسمي للمركز تحت عنوان: "استثمار ممنهج.. كيف وظفت تركيا تراجع النفوذ الفرنسي في شمال وغرب أفريقيا؟"، إلى "تزايد ثقل أنقرة السياسي والاقتصادي بصورة لافتة داخل القارة السمراء على حساب تراجع النفوذ الفرنسي بسبب سياسات الرئيس ماكرون، وسياسات فرنسا في ليبيا ومالي، وسوء إدارتها للعلاقات مع الجزائر ذات الدور العسكري البارز بالمنطقة فضلاً عن تصاعد الاحتجاجات في تشاد ضد الوجود الفرنسي". 

 ريم محسن الكندي: الفترة الماضية شهدت تنامي نفوذ تركيا في منطقة شمال وغرب أفريقيا على عدة مستويات

وتشهد شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، بما في ذلك تشاد ومالي والنيجر وتونس والجزائر، تصاعداً ملحوظاً في التنافس التركي الفرنسي، بعدما ظلت هذه الدول طيلة العقود الماضية الحليف الأبرز لفرنسا. وظهرت في الفترة الأخيرة بوادر تصدعات نسبية بين فرنسا وإدارات هذه الدول، خاصة في ظل انفتاح تشاد ومالي والجزائر والنيجر على تركيا مؤخراً. وبات هذا التطور يقلق فرنسا بشكل كبير، خاصة بعدما اتجهت هذه الدول إلى رفض الضغوط الفرنسية، وعملت على توسيع شراكتها الاقتصادية والعسكرية مع تركيا، وكذلك تعزيز التعاون مع النظام التركي في مجال محاربة التنظيمات الإرهابية، بحسب الكندي.

إعادة التموضع التركي عسكرياً

ووفق الدراسة، تزامن انسحاب القوات الفرنسية من بعض المواقع في دول شمال وغرب أفريقيا منذ نهاية العام الماضي، مع تلميحات لإعادة تموضع تركيا، لملء الفراغ الذي تركته القوات الفرنسية.

 برز الصراع الفرنسي التركي كقوتين متنافستين على مراكز الاستثمار والموارد الطبيعة في شمال وغرب أفريقيا

واللافت أنّه في مقابل تراجع الحضور العسكري الفرنسي، نجحت تركيا في ترسيخ وجودها العسكري مع دول شمال وغرب أفريقيا، وكشف عن ذلك على سبيل المثال توقيع تركيا والنيجر في تموز (يوليو) 2020 اتفاقية ستنشئ تركيا بموجبها قاعدة عسكرية إستراتيجية برية وجوية مع تدريب جيش النيجر، وتزويده بأحدث الأسلحة وتدريب قوات الأمن.

كما أنّ تركيا تحيط بالنفوذ الفرنسي بتشاد ومالي وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا من مختلف الجوانب، عبر مستشاريها العسكريين، وصادراتها العسكرية إلى هذه الدول.

وتشير الدراسة إلى الحرص من جانب تركيا على استثمار الاحتجاجات الشعبية الانتقامية التي تعرضت لها باريس في دول شمال وغرب أفريقيا، لصالح تحسين صورتها وترسيخ نفوذها في مواقع جديدة. 

توظيف الأزمات الفرنسية لصالح التمدد التركي

وفي هذا السياق، أبدت تركيا اهتماماً خاصاً بتوظيف تصريحات مسيئة أطلقها الرئيس ماكرون ضد الجزائر في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، حيث اتهم السلطات الجزائرية بأنها "تُكنُّ ضغينة لفرنسا". وأضاف "إن الجزائر كان يحكمها نظام سياسي عسكري له تاريخ رسمي لا يقوم على الحقيقة بل على كراهية فرنسا".

تركيا تحيط بالنفوذ الفرنسي بتشاد ومالي وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا من مختلف الجوانب

كما نجحت تركيا في تغذية المشاعر الأفريقية المناهضة للاستعمار تجاه فرنسا التي فشلت في تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في مناطق نفوذها الأفريقية، كما أصبحت فرنسا متّهمة بصنع الحكومات في أفريقيا وإفشالها، وإبقاء البلدان تحت وصايتها الاقتصادية من خلال الفرنك الأفريقي.

فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية

تحت هذا العنوان تشير الدراسة إلى المحاولات التركية اللافتة لتسويق صناعاتها العسكرية في الأسواق الأفريقية بصورة أساسية، ولعل هذا ما تجسد بوضوح في صفقات المسيرات التي تم الإعلان عن عقدها مع  دول شمال وغرب أفريقيا، وغيرها من دول القارة.

ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021، توسعت تركيا في بيع الطائرات بدون طيار إلى الدول الأفريقية، حيث أبرمت صفقات مع المغرب وإثيوبيا والنيجر وأنجولا وتشاد. 

 استغلت تركيا تراجع التواجد الفرنسي عسكرياً واقتصادياً في عدة مناطق لمحاولة ملء الفراغ

ووفقاً لبيانات جمعية المصدرين الأتراك في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ارتفعت مبيعات الأسلحة التركية إلى أفريقيا بنسبة 39.7%، حيث شهدت الأشهر الـ11 الأولى من العام 2021 وصول الصادرات إلى رقم قياسي بلغ 2 مليار و793 مليون دولار، بحسب الدراسة. 

إنقاذ الاقتصاد التركي المتعثر

وتسعى أنقرة  منذ أعوام للبحث عن منافذ خارجية لتعزيز اقتصادها المتراجع، خاصةً في ظل الثروات المعدنية الهائلة التي تمتلكها دول شمال وغرب أفريقيا (النفط واليورانيوم والذهب وغيرها من المعادن)، فضلاً عن الثروات الحيوانية والزراعية. 

وقد برزت الأهداف الاقتصادية لتركيا، وفق الدراسة، في تصريحات الرئيس التركي الذي أشار إلى أنّ بلاده تسعى إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع القارة الأفريقية، والذي وصل في نهاية العام 2021 إلى ما يقرب من 29 مليار دولار، منها 11 مليار دولار مع أفريقيا جنوب الصحراء مقابل ما يقرب من 4 مليارات دولار مع الجزائر.

محاولات تركية لافتة لتسويق صناعاتها العسكرية في الأسواق الأفريقية

وبحسب الباحثة، يبدو أنّ دول غرب وشمال أفريقيا تجاوبت مع رغبة تركيا في تعزيز التبادلات التجارية، خاصة مع تصاعد توتر علاقاتها مع باريس؛ إذ أعلن الرئيس الجزائري عشية زيارته لتركيا في أيار (مايو) 2022 عن توقيع بلاده عدداً من اتفاقيات التعاون مع تركيا في عدة مجالات مختلفة، وسبق إعلان تبون، تأكيد سفير مالي لدى تركيا في 5 أيار (مايو) 2022 على أنّ بلاده ترغب في تعزيز التعاون الاقتصادي مع أنقرة.

تعويض خسارة شرق المتوسط

وبحسب الدراسة، يبدو أنّ أنقرة تسعى إلى تعزيز دورها في منطقة غرب وشمال أفريقيا بعد وجود مؤشرات على تصاعد التحديات التي تواجهها في منطقة شرق المتوسط للتنقيب عن مكامن الطاقة بسبب تحركات خصومها الأوروبيين، وبخاصة باريس.

 كما أنّ دخول الانتخابات التركية المزمع عقدها في 2023، والتي تتزامن مع تراجع الرصيد التقليدي للرئيس التركي، وحزب العدالة والتنمية في الشارع التركي، تفرض على النظام الحاكم تحقيق اختراقات خارجية يمكن توظيفها في تحقيق انتصار داخلي، وتعويض شعبية الرئيس التركي؛ إذ كشف آخر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "يويلام" للأبحاث خلال شهر أيار (مايو) 2022 أنّ أردوغان يتخلف عن مرشح أحزاب المعارضة المرتقب بـ(7.8) نقاط، كما أشار الاستطلاع إلى أنّ 34% من المستطلعين قالوا إنّهم سيصوتون لأردوغان مقابل 51.8% قالوا إنّهم يفضلون مرشح المعارضة.

 الكندي: مقابل تراجع الحضور العسكري الفرنسي نجحت تركيا بترسيخ وجودها العسكري مع دول شمال وغرب أفريقيا

وأخيراً ترى الباحثة، أنّ الموقف التركي الذي يتبنى إستراتيجية مرنة، إزاء محاولة استثمار تراجع الحضور الفرنسي في غرب وشمال أفريقيا، يعكس حرصاً لدى أنقرة على تحقيق اختراقات في أفريقيا، وهو ما حدا بها إلى رفع مستوى التنسيق العسكري مع دول المنطقة، وتعزيز التبادلات التجارية فضلاً عن توظيف التوترات الراهنة بين باريس ودول الساحل لتقليص نفوذ فرنسا. 

ومن جانب آخر، فإنّ حرص تركيا على تعظيم وحماية مصالحها في دول المغرب العربي، يدفعها نحو استثمار تراجع دور باريس من خلال التزام موقف أكثر تقارباً مع دول شمال أفريقيا وتجمع دول الساحل غرب القارة.

مواضيع ذات صلة:

هل يوفر انسحاب فرنسا وأمريكا من أفريقيا فرصة لصعود "داعش"؟

هل تكون الجزائر بوابة أردوغان لاستعادة النفوذ في شمال أفريقيا؟

من تركيا إلى روسيا... دول تطمع بنفوذ باريس في أفريقيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية