مصلحة العرب مع الصين لا مع غيرها

مصلحة العرب مع الصين لا مع غيرها

مصلحة العرب مع الصين لا مع غيرها


15/12/2022

فاضل المناصفة

كيف تسعى الصين لتعزيز وجودها في العالم العربي؟ في نظام عالمي يتشكل مجددا بقطبية ثنائية، هل ستستطيع الصين إقناع العرب بأنها قادرة أن تكون بديلا للقوى الغربية؟

أتت القمة العربية – الصينية في خضم مرحلة شديدة الاهتزازات على الاقتصاد العالمي بشدة من الحرب في أوكرانيا، فضلا عن التوتر الكبير الذي تعرفه العلاقات الخليجية – الأميركية وعلى رأسها علاقة المملكة العربية السعودية المستضيفة لهذا الحدث والذي يمثل صفعة قوية لإدارة جو بايدن التي أكدت سابقا أنها لن تسمح لروسيا والصين بملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط. ولكن ها هي الآن تفاجأ بأن أسلوب العربدة الذي مارسته لعقود طويلة مستغلة الخطر الإيراني كذريعة، قد ولى وأن العرب سيكونون جزءا من النظام العالمي الجديد الذي سيسقط فيه الدولار لا محالة.

تقرر خلال هذه القمة رفع الصين لحجم التبادل التجاري بينها وبين الدول العربية إلى 430 مليار دولار بحلول عام 2027، بالإضافة إلى إعفاء من الرسوم الجمركية لـ98 في المئة من المنتجات الخاضعة للضريبة المستوردة من الدول العربية. كما ستقدم المساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار لفلسطين واليمن ولبنان وسوريا والبلدان الأخرى المحتاجة، وتوفير 300 نوع من التقنيات الحديثة للدول العربية. ولعل الأهم من كل هذا هو دعوة الرئيس الصيني شي جينبينغ لقادة دول الخليج العربية لأن تكون التعاملات التجارية في شراء النفط والغاز باليوان الصيني، وعلى الرغم من أن الكميات ستكون قليلة كخطوة أولية، إلا أن هذا القرار في حد ذاته ضربة كبيرة توجهها بكين للدولار الأميركي، خاصة وأن كميات النفط التي تزخر بها المنطقة هائلة وأن مثل هذا القرار من المؤكد أن تحذو حذوه دول أخرى من زبائن دول الخليج وعلى رأسها الهند وباكستان ذات الاستهلاك الكبير. سيكون هذا بمثابة إعلان حرب على الدولار المتحكم في أسواق النفط العالمية.

في عام 2004 عقدت الصين أول منتدى للتعاون الصيني – العربي وكانت الكويت أول دولة عربية تبادر بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين في مبادرة “الحزام والطريق” بعد إعلانها في شهر سبتمبر 2013، في ذلك الوقت لم تكن التبادلات الاقتصادية بهذا الحجم الذي ترغب فيه الصين في الوقت الحالي، ولا بحجم الاهتمام الخليجي بالعملاق الصيني والرغبة في تطوير العلاقات، نظرا إلى متانة علاقات دول الخليج مع الولايات المتحدة ووجود تفكك في كيان الدولة العراقية الذي شكل تهديدا حقيقيا على أمن دول الخليج، وهو ما جعلها تحسب ألف حساب في مراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة والتي كانت تسير بمنطق “رابح – خاسر”.

اليوم اختلف الوضع تماما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، خاصة بعد أن بدأت ملامح نظام عالمي جديد بالبروز وكان هذا هو الوقت المناسب للسعودية والدول الجارة لتراجع حساباتها مع حليفتهم السابقة التي لم تفعل شيئا إيجابيا حيال الحرب في اليمن المستمرة منذ أكثر من عقد والتي تدار بأذرع إيرانية، أصبح من الضروري التوجه إلى بناء تحالفات إقليمية جديدة تضمن علاقة بمنطق “رابح – رابح” وتفتح الباب للسعودية والعرب ككل بأن يكونوا جزءا قويا من مشروع طريق الحرير الجديد الذي من شأنه أن يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي.

إن التوجه العربي نحو تقوية العلاقة مع الصين هو قراءة سليمة للمتغيرات التي حدثت وأن دول الخليج لا ينبغي أن تبقى مكتوفة الأيدي وأن توضح موقفها من صراع الجبابرة بأن تصطف مع الشريك الذي يضمن مصالحها ويحترم سياساتها وقراراتها السيادية. والصين تعد أفضل شريك حيث أن سياستها الخارجية تتوافق تماما مع سياسات الدول العربية. فهي تفضل الشراكة الرابحة للجميع، والحوار، والتفاوض، وعدم التدخل، واحترام القواعد الدولية، ورفض العقوبات والاشتراطات.

لم تعد الولايات المتحدة بتلك القوة التي عهدناها عليها منذ عقود طويلة ولم يعد بإمكان هيمنتها الاقتصادية أن تتواصل في ظل ظهور عصبة جديدة من الأمم ترفض أن يستثمر النظام العالمي بنفس النهج، وأن تكون الولايات المتحدة وأوروبا هما المسيطرتان على القرار الاقتصادي والسياسي في العالم، لقد أتت اللحظة المناسبة للعرب التي ستمكنهم من فك القيود وذلك من خلال التوجه شرقا لا غربا. ولكن يجب إدراك أن هذه القمة العربية – الصينية الأخيرة تعد فقط بمثابة اللبنة الأولى في طريق طويل يحتاج إلى المزيد من العمل وبناء الثقة المشتركة ليثمر بالنتائج المرجوة.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية