ليبيا: ما سر غموض موقف البعثة الأممية من قانون انتخاب الرئيس؟

ليبيا: ما سر غموض موقف البعثة الأممية من قانون انتخاب الرئيس؟


24/08/2021

جاء تصويت مجلس النواب الليبي منذ عدة أيام بالموافقة على مشروع قانون انتخاب رئيس الدولة مباشرةً، عبر الاقتراع السرّي العام، ليقطع الطريق على محاولات الالتفاف الإخوانية بالتحالف مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، لتأجيل الانتخابات، أو على الأقل إجراء الانتخابات التشريعية فقط، وتأجيل الرئاسية، أو اختيار رئيس كرتوني عبر مجلس النواب، لتظلّ السلطة في يد الحكومة، وهو ما يعني استمرار الدبيبة في منصبه.

وفي الوقت نفسه، أربك صدور القانون حسابات البعثة الأممية، التي ترعى مسار ملتقى الحوار السياسي بعيداً عن البرلمان، وكانت البعثة تأمل أن يقتصر دور البرلمان على إصدار القانون الذي يخرج عن الملتقى، لهذا لم يصدر تعليق من البعثة على القانون، والذي رفضته القوى السياسية والجهوية التي تدور في فلك الإخوان المسلمين.

قانون انتخاب رئيس الجمهورية

وافق مجلس النواب الليبي، في جلسته التي انعقدت بتاريخ 17 آب (أغسطس) الجاري، على مشروع قانون انتخاب رئيس الجمهورية، وأُحيل القانون إلى اللجنة التشريعية والدستورية للصياغة النهائية، على أن تعقد جلسة أخرى لاحقة، لعرض مشروع القانون المكتمل، وإصدار القانون رسمياً.

جلسة مجلس النواب بشأن مشروع قانون انتخاب الرئيس

وشهدت الجلسة، التي أذيعت على الهواء مباشرةً، احتداماً كبيراً حول تفاصيل القانون، فيما يتعلق بالوضعية الوظيفية لشاغلي المناصب القيادية الذين ينوون الترشح، وتقسيم مناصب الرئيس ونائبه ورئيس الوزراء على الأقاليم الثلاثة التي تشكل الدولة، ولم يختلف الأعضاء الحاضرون على مبدأ الانتخاب المباشر بالاقتراع السري لرئيس الجمهورية.

ويتضمّن القانون بنوداً توضيحية تتعلق بأهلية المرشح لرئاسة الجمهورية، وشروط الترشح، وصلاحيات رئيس الجمهورية، وكيفية اختيار نائب الرئيس ورئيس الوزراء.

توقعات بأن تقبل البعثة الأممية بقانون انتخاب الرئيس الذي سيصدر بشكل كامل عن مجلس النواب، كونه صاحب الحقّ الحصري الوحيد للتشريع

وبحسب القراءة الأولى لنصّ القانون؛ يشترط في مَن يرغب في الترشح لمنصب الرئاسة أن يكون ليبياً مسلماً، من أبوين ليبيَّين، وألا يحمل جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجاً من غير ليبية، وحاصلاً على مؤهل جامعي أو ما يعادله من جامعة معترف بها، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم عليه في قضية جنائية، أو تمت تبرئته بحكم نهائي قاطع، وألا يقل عمره عن 40 عاماً، وأن يكون لائقاً صحياً، ويقدم إقراراً بممتلكاته وزوجته وأولاده القصّر، وإذا كان موظفاً عاماً يعدّ مستقيلاً من وظيفته قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، ويعود إليها حال لم يفز بالانتخابات، ويشترط أن يحصل على تزكية من 5 آلاف مواطن ليبي قبل الترشح.

وتعليقاً على التصويت على مشروع القانون، قال عضو مجلس النواب الليبي، سعيد مغيب: "صياغة اللجنة التشريعية صياغة لغوية أكثر منها قانونية؛ بمعنى أنّ صياغة اللجنة لن تغيّر شيئاً في مضمون نصوص المواد والفقرات، والقانون صدر فعلاً ولا يحتاج إلى موافقة أخرى، وبعد اكتمال صياغة اللجنة القانونية ما سوف يحدث هو التعميم فقط، ولا يوجد مجال لرفض، أو حتى تعديل، ما تم التصويت عليه في الجلسة السابقة.

عضو مجلس النواب الليبي، سعيد مغيب

وأردف في حديثه لـ "حفريات"؛ القانون الذي صدر حدد صلاحيات الرئيس في عدة نقاط، لا تختلف اختلافاً كبيراً عمّا جاء في الإعلان الدستوري المعمول به.

وبحسب مداولات النواب في جلسة نقاش القانون، سيكون في ليبيا سلطة تنفيذية، على رأسها رئيس الدولة، وله نائب، ورئيس حكومة يختاره رئيس الجمهورية، ويتقدّم لنيل الثقة من مجلس النواب، ومن المنتظر أن يحدّد القانون في صيغته النهائية وضعية نائب الرئيس؛ إما عن طريق الانتخاب مع رئيس الدولة مباشرة كفريق واحد، أو عبر تعيين الرئيس، على أن يكون شخص الرئيس، ونائبه، ورئيس الحكومة، ممثلين عن الأقاليم الليبية الثلاثة؛ برقة، طرابلس، فزان.

الإخوان يرفضون القانون

وقال الناطق باسم المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، بقيادة الإخواني خالد المشري ومحمد بنيس: إنّ قانون الانتخابات تضعه لجنة مشتركة من مجلسي الدولة والنواب، وليس حكراً على مجلس النواب ولا المفوضية العليا للانتخابات.

وسبق أن حذّر خالد المشري من إصدار مجلس النواب لقانون الانتخابات منفرداً، وسارع بعقد اجتماع للجنة إعداد مقترحات القوانين الانتخابية المُشكّلة من المجلس، مطلع الشهر الجاري.

وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات رسمية عن المشري والمجلس الأعلى للدولة، تعقيباً على إقرار النواب لقانون انتخاب الرئيس، إلا أنّه من المؤكد رفضهما للقانون، وحول ذلك، قال البرلماني سعيد مغيب: "بكلّ تأكيد، إنجاز هذا الاستحقاق المهم كان لا بدّ من أن يثير غضب تيار الإسلام السياسي، وفي مقدمته الإخوان المسلمين، الذين لا يريدون إجراء الانتخابات في كانون الأول (ديسمبر) القادم، لذلك هاجموا القانون ووصفوا مجلس النواب بالجسم الميت الفاقد للشرعية، ونسوا أنهم قبلوا أكثر من مرة الجلوس والتفاوض مع مجلس النواب، كان آخرها حوار الصخيرات الذي قبلوا فيه أن يتقاسموا مع مجلس النواب تسمية المناصب السيادية".

الإخواني خالد المشري مترأساً اجتماع لجنة إعداد مقترحات القوانين الانتخابية

وأردف مغيب: يقبل الإخوان بمجلس النواب حين يناسبهم ذلك، ويعدّونه جسماً غير شرعيّ إذا لم يناسبهم، وفي جلسة التصويت على قانون انتخاب الرئيس كان نواب الغرب حاضرين، ولم يعترضوا على مشروع القانون إيماناً منهم بأنّه استحقاق مهم، كفيل بإخراج البلاد من الفوضى، عبر الانتخابات العامة المباشرة.

غموض الموقف الدولي

وأثار إحجام البعثة الأممية عن التعقيب على الموافقة على مشروع قانون انتخاب الرئيس عبر البرلمان غموضاً حول موقفهم، على الرغم من أنّ البعثة سبق أن طالبت مجلس النواب مراراً بإصدار القوانين الانتخابية، كما أنّها رعت الاجتماع الذي عقدته لجنة صياغة التشريعات الانتخابية بمجلس النواب مع المفوضية العليا للانتخابات، في روما، نهاية الشهر الماضي، بخصوص إصدار قوانين انتخابات الرئيس والبرلمان وتقسيم الدوائر الانتخابية، دون دعوة المجلس الأعلى للدولة، ولاحقاً طالب بيان البعثة مجلس النواب بالتشاور مع المجلس الأعلى، وردّ رئيس لجنة صياغة التشريعات الانتخابية، عبد الهادي الصغير، على البيان، موضحاً أنّه "لم يتم الاتفاق على ذلك في روما".

المحلل السياسي، هيثم الورفلي، لـ "حفريات": هناك تحالفات جديدة بين القوى السياسية الفاعلة في برقة وأخرى في الغرب الليبي، بهدف عقد الانتخابات العامّة في موعدها

ويرى المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي؛ أنّ البعثة الأممية كانت تفضّل اتفاق ملتقى الحوار السياسي على القاعدة الدستورية التي ستجري الانتخابات وفقاً لها، على أن يناقشها مجلس النواب مع المجلس الأعلى للدولة، ويكون لمجلس النواب الحقّ وحده في إصدارها بقوانين.

وتوقّع الورفلي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أن تقبل البعثة الأممية بقانون انتخاب الرئيس الذي سيصدر بشكل كامل عن مجلس النواب، وكذا القوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية، كونه صاحب الحقّ الحصري الوحيد للتشريع، إلى جانب الضغوط الأمريكية القوية لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، في 24 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

وكانت البعثة الأممية قد أخفقت في إصدار القاعدة الدستورية عبر ملتقى الحوار السياسي الذي ترعاه، وباتت تشكّك في احتمالية عقد الانتخابات في موعدها؛ لهذا جاءت خطوة مجلس النواب لتقطع الطريق على أية محاولات لتأجيل الانتخابات، تحت أيّ مسمى، وكذلك كتعبير عن رفض المجلس الافتئات على حقّه الأصيل كجسم تشريعي وحيد شرعي في ليبيا.

المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي

وحتى إن صدرت القاعدة الدستورية عن ملتقى الحوار السياسي قبل إصدار القوانين من مجلس النواب، فسيظلّ عقد الانتخابات مرتهناً بالتنسيق السياسي بين الفرقاء الليبيين الفاعلين في مختلف المناطق، خصوصاً بين إقليم برقة وطرابلس، وفي هذا السياق أشار المحلل السياسي الورفلي إلى وجود تحالفات جديدة بين القوى السياسية الفاعلة في برقة وأخرى في الغرب الليبي، بهدف عقد الانتخابات العامّة في موعدها، والقضاء على احتكار الإخوان المسلمين للسلطة في طرابلس.

وعام 2014؛ أصدر مجلس النواب القرار رقم (5) بشأن تقرير حكم في انتخاب رئيس الدولة المؤقت، ونصّ على أن "ينتخَب رئيس الدولة المؤقت بطريق الاقتراع العام السرّي الحرّ المباشر، بالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين"، واستند المجلس على هذا القرار في صياغة مشروع القانون حول انتخاب الرئيس.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية