كيف قفز الإخوان في تونس على حقوق المواطنة؟

كيف قفز الإخوان في تونس على حقوق المواطنة؟

كيف قفز الإخوان في تونس على حقوق المواطنة؟


26/05/2024

 

انحسار جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في عدد من البلدان العربية بات حقيقة لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عن واقعها ووقائعها، فضلاً عن المآلات المترتبة عليها، لا سيّما أنّ هناك محاولات جديدة ومشبوهة تجري بين أفرع التنظيم لإعادة التموضع مرة أخرى، مستغلين الصراع المحتدم في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، وتشكيل دخان كثيف يتهيكل من خلاله الإسلامويون باعتبارهم صناع مشهد زائف يتصل بتحرير فلسطين، والاحتماء بالمسألة التي كانوا سبباً في تشظيها وانقسامها، وتحويل طبيعتها الوطنية إلى صفة طائفية وحرب دينية تخدم أجندة "ملوك الطوائف".

الإرهاب صفة إخوانية

ومنذ "طوفان الأقصى" حاولت حركة (النهضة) "فرع إخوان تونس" ابتعاث حالة من الاستقطاب السياسي والمجتمعي، وذلك لجهة صراعهم المرير مع الرئيس قيس سعيّد، وقد استنفدوا إمكاناتهم في العودة إلى الشارع مجدداً أو إيجاد فرصة للقبول مجتمعياً، بعدما تم نبذهم على المستوى الشعبي، بالإضافة إلى ملاحقتهم اليوم ومساءلتهم قانونياً وقضائياً على خلفية قضايا عديدة تتعلق بالفساد والاغتيالات وتسفير الشباب إلى مناطق التوتر والمساهمة في تعبئتهم بالجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في ليبيا وسوريا.

وقبل أيام كشف وزير الداخلية التونسي كمال الفقي عن حصيلة المهاجرين غير النظاميين، وفضّ الشبهات والالتباسات حول عمليات التهريب وارتباطاتها بالإرهاب، موضحاً أنّ قرابة (53) ألف شخص حاولوا مطلع العام الحالي تخطي الحدود البحرية نحو أوروبا عبر السواحل التونسية. وأثناء تدشين "الملتقى العربي للحد من تهريب المهاجرين وتعزيز مسار الهجرة الآمنة والنظامية"، قال الفقي: إنّ من بين هؤلاء (48765) أجنبياً، مؤكداً أنّ إحباط تلك العمليات جاء نتيجة "الجهود الجبارة لمختلف الأسلاك "الأجهزة" الأمنية والعسكرية في حماية الحدود".

المواجهة بين حركة النهضة التونسية والرئيس التونسي قيس سعيّد لا تتوقف

وأشار إلى أنّ القوى الأمنية والعسكرية نجحت عبر الحدود البحرية في ملاحقة وضبط نحو (595) وسيطاً ومنظّماً (مهرّباً) لرحلات الهجرة غير النظامية، وحجز (429) مركباً وزورقاً معداً للغرض نفسه. وتابع: "ظاهرة الهجرة غير النظامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجريمة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين التي أصبحت تديرها شبكات دولية متخصصة". موضحاً أنّه "تأكد للجميع تقاطعها مع جرائم أخرى على غرار الإرهاب وتهريب المخدرات وتجارة الأسلحة وتبييض الأموال وغيرها".

وفي حديثه لـ (حفريات) يوضح الباحث المختص في العلوم السياسية الدكتور مصطفى صلاح أنّ عمليات الهجرة والإرهاب تكاد تكون الارتباطات بينهما "عضوية" و"مباشرة"، حيث إنّ هناك جيوباً عديدة وممرات خفية وغير علنية تسعى من خلالها جماعات الإسلام السياسي في فترات الكمون للعمل والنشاط، خاصة التشبيك مع عناصر أكثر تشدداً لتوسيع شبكاتها التنظيمية وأداء عدة أدوار تتبنّى من خلالها العنف والعمل المسلح.

صناعة الأكاذيب

وفي ما يخص سعي إخوان تونس نحو تهييج وتعبئة الشارع، يوضح صلاح أنّ "الإخوان على مدار تاريخهم وفترات عملهم السياسي العلني والسري، وسواء في مصر أو غيرها من المناطق، يعتمدون الاستراتيجية التي تقوم على فكرة الاستقطاب وخلق حالة انقسام مجتمعي، وذلك من خلال نشر الشائعات وترويج الأكاذيب، ناهيك عن تمرير قضايا بعضها وطني أو قومي أو إسلامي وأدلجتها بما يتلاءم وأدبياتهم، ومن ثم، تصدر المشهد باعتبارهم حراس هذه القضايا، مع الأخذ في الاعتبار أنّ تبنّي مقولات حول قضايا مثل المسألة الفلسطينية أو حقوق العمال أو الديمقراطية، يكون أمراً مؤقتاً إلى حين الانتهاء من تحقيق الغرض السياسي. فقط يكون سلّماً للوصول أو "التمكين"، وبعد ذلك يتم التخلي عنه بكل مرونة وأريحية". ويردف: "جبهة الخلاص المعروفة بوقوعها ضمن نطاق نفوذ الإخوان في تونس، قامت مؤخراً بمحاولة القفز على حراك عفوي وفئوي للمحامين مرة وللصحافيين مرة أخرى". 

الإثنين الماضي، وفي ظل الفوضى التي يسعى لإحداثها إخوان تونس وأذرعهم، ترأس الرئيس التونسي بقصر قرطاج جلسة عمل للنظر في مشروع تعديل الفصل (96) من المجلّة الجزائية (القانون). وأكد على ضرورة أنّ "المحاسبة مطلب شعبي، وأنّ القوانين يجب أن تُطبّق للمحاسبة لا لتصفية الحسابات". وطالب بـ "إدراج حكم جديد يتعلّق بتجريم من يتعمّد الامتناع عن إنجاز أمر هو من علائق وظيفته، بهدف عرقلة سير المرفق العام، لأنّ كثيرين يتعللون بما جاء في الفصل (96) من المجلة الجزائية للامتناع عن القيام بالواجبات الموكولة إليهم". 

وقال سعيّد: إنّ "هذا المشروع يأتي ضمن الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى تحقيق الموازنة بين أهداف السياسة الجزائية في مكافحة الفساد من جهة، وعدم عرقلة العمل الإداري وتحقيق نجاعته من جهة أخرى".

ما بعد تجفيف منابع التمويل

من الملاحظ أنّ حركة (النهضة) بعد 25 تموز (يوليو) عام 2022، وبعد أن فقدت السلطة وأصبحت غير قادرة على تجييش الشارع إثر تجفيف منابع التمويل لديها، لجأت إلى رسم تحالفات مع قوى وشخصيات من خارجها فقدت امتيازاتها بدورها وأصبحت تدفع بهؤلاء إلى مسرح المواجهة وتتخفى وراءها خاصة بعد إيقاف أغلب قياداتها، حسبما يوضح أمين عام التيار الشعبي بتونس زهير حمدي. 

ويقول حمدي لـ (حفريات): إنّ حركة (النهضة) تعمل على خوض معركة الحقوق والحريات عوض معركة السلطة، لإظهار أنّ هناك انتهاكات ضد الإعلاميين والحقوقيين والمحامين، وأنّ النظام يكمم أفواه الجميع وليس النهضة فحسب، مع تحريك شبكة علاقاتها في الخارج، خاصة في أوروبا، للضغط على النظام وابتزازه على أساس عدم احترام حقوق المهاجرين غير النظاميين وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان، وما إن تخفت جبهة حتى تدفع بجبهة جديدة للحديث عن فقدان المواد الأساسية من الأسواق، وتردي الوضع المعيشي، والحقوق والحريات.

رغم ذلك فإنّ النهضة تراجع تأثيرها في الشارع بشكل كبير، وفق أمين عام التيار الشعبي بتونس، موضحاً أنّه "لولا مجموعات المصالح المرتبطة بها لما استطاعت أن يكون لها آذان صاغية أو تأثير". ويردف: "ربما ازدادت وتيرة إثارة البلبلة في البلاد باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فهذه الانتخابات آخر الأوراق والرهانات التي تخوضها حركة (النهضة) مع حلفائها، نظراً لأهمية هذا الاستحقاق، وإن عبّرت عن عدم وجود مرشح لديها، فإنّها تعمل مع حلفائها لتقديم مرشح رئاسي. وفي جميع الأحوال فإنّ حجم الكتلة الانتخابية لديها بات ضعيفاً؛ لذلك هي تراهن فقط على الغاضبين الذين يرون أنّهم فقدوا مصالحهم في هذه المرحلة، سواء في الداخل أو في الخارج".

ويختتم حمدي حديثه مؤكداً أنّ النهضة لم تعد قادرة على التأثير الكبير في الانتخابات باعتبار فقدانها للشارع ولكثير من أنصارها، خاصة الموارد المالية التي كانت المحرك لانتصاراتها الانتخابية، فضلاً عن وجود أغلب قياداتها في السجن بتهم إرهابية أو تآمر أو فساد.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية