كيف يتعامل المتطرفون مع النصوص التراثية؟

كيف يتعامل المتطرفون مع النصوص التراثية؟

كيف يتعامل المتطرفون مع النصوص التراثية؟


30/09/2023

يتعامل المتطرفون مع النصوص الدينية، خاصة القرآن الكريم والسنّة النبوية، بإجرائية مختلفة عمّا يتعامل به علماء الأمّة، وهي طريقة مستبدة وديكتاتورية في معظم الأحيان؛ ممّا يؤدي بهم إلى فهم مختل، وتطبيقات تصل بهم إلى التكفير والتفسيق والتبديع لكل من خالف نهجهم.

الانتقائية في اختيار النصوص

لا يعدو التراث الديني إلا كونه نقولات ونصوصاً للسلوك الإدراكي للسلف، خضع لتفاعل مستمر بعلاقة ثابتة مع الواقع الذي دائماً ما يخلق نماذج متعددة من التصورات، لكنّ التراث لدى المتطرفين له أهمية تنبع من كونه يصلح لأن يكون أساساً لخلق بناء فكري وإطار للتعامل مع مجموعة المتغيرات بصورة قديمة زاهية وواضحة، لأنّها ملتزمة بأقوال السلف الصالح الذين بلا شك لديهم قبول جماهيري.

وينتج عن تعامل المتطرفين واستخدامهم النصوص بالطريقة السابقة ما يلي: الاهتمام بانتقاء نصوص خاصة في الفقه والحديث لا تُعنى باكتشاف خبرات السلف ودلالتها، بل بجمع الأدلة التي تدلل على الأعمال المستهدفة ومذاكرتها فقط، واعتبار أنّ شرعية السلطة الحاكمة ستستمد من تطبيقها للإسلام بطريقة حرفية، وإلّا اعتُبرت غير شرعية مقصرة فى حق الدين، وكذلك الاستعلاء الديني بين الجماعات وغيرها من الناس، باعتبار أنّ مقدار الاتصال بالتراث هو المقدار الذي يحدد أقرب الأشخاص إلى الحق.

وبناء على ما سبق، نشأت حركات (سلفية) تريد إحياء التراث من خلال الفقه السياسي أو الوظيفة السياسية للتراث، وألغت عنصر الزمان، وكان من المفترض أن تسعى لإدارة قراءة النص في إطار أكثر اتساعاً، أو بمعنى إطار الحركة الجماعية الإنسانية، بحيث يُعبّر عن التقاء بين ماضٍ وحاضر ومستقبل.

 نشأت حركات (سلفية) تريد إحياء التراث من خلال الفقه السياسي أو الوظيفة السياسية للتراث

وهنا يتم طرح السؤال حول: ما المنهج السليم؟ هل تستدل ثم تعتقد، أم تعتقد ثم تستدل؟ وعلى الفور سنجد أنّ الحركات السلفية النصوصية تستدل أوّلاً، دون قراءة واعية للنص في سياقه الزمني والمكاني، رغم أنّ النصوص تحتاج إلى رؤية ذات إخلاص وصواب ودراية يتحقق فيها طرفا المعادلة، وهو تصحيح التصور وتخليص العقل من الشوائب والأخطاء.

 يواجه التجديد مشاكل وعقبات كالتي واجهها الفقهاء، باعتباره مؤامرة على الدين

ويعتبر المتطرفون أنّ التجديد والمجددين مارقون عن الدين، وأنّ أئمة التراث وحدهم هم المعصومون، كما طرحت التشكيلات السلفية بعض القضايا التي عفى عليها الزمن، وعلى سبيل المثال لا الحصر قضايا الخلافات بين الفرق المختلفة كالمعتزلة والقدرية والأشاعرة... إلخ، وافتعلت المعارك في مسائل وسع الخلاف فيها الأمّة كمسألة النقاب وعمل المرأة والموسيقى... إلخ، بل تعدى الطرح إلى فرض هذه القضايا بالإكراه.

مسألة التجديد في التعامل مع النص

وحين تطرح مسألة التجديد وكيفية التعامل مع النصوص بطريقة صحيحة، يقف المتطرفون في المواجهة، رغم أنّ التراث ونصوصه ليس عصياً على التجديد، بل هو قابل له لأنّه يعترف بالثوابت، لكنّه في الوقت نفسه يؤمن بالمتغيرات، كما أنّه يمتاز بالعمق الزمني، فهو ضارب في بدايات الدولة وعصور الإسلام الأولى حتى العصور المتأخرة التي تدهورت فيها أحوال المسلمين، لذا لو نظرنا إلى القرآن، لوجدناه يدفع الناس إلى التفكير ويتحدث عن الأنبياء، فهو لا يتوقف عند زمن معيّن، وهذه الاستمرارية هي منهج الإسلام الذي يؤكد أنّ التراث قابل للنقد والضبط.

وبالطبع، فإنّ كثيراً من السلفيين النصوصيين مهمتهم قاصرة على الاستناد لنص تراثي قديم دون دراية ووعي، رغم أنّه في كثير من الأحيان يحتاج هذا الأمر إلى ضبط، وخصوصاً في مرويات التاريخ والأحاديث النبوية التي لا مانع من إعادة تحقيقها وضبطها، حتى لو وجدنا في ذلك مصاعب.

إنّ كثيراً من السلفيين النصوصيين مهمتهم قاصرة على الاستناد لنص تراثي قديم دون دراية ووعي

يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث: "هناك من يتطاولون على أئمة الفقه باسم الدفاع عن الحديث النبوي، مع أنّ الفقهاء ما حادوا عن السنّة، وكل ما فعلوه أنّهم اكتشفوا عللاً في بعض المرويات فردّوها وفق المنهج العلمي".

من هنا يواجه التجديد مشاكل وعقبات كالتي واجهها الفقهاء، باعتباره مؤامرة على الدين، مع أنّ لذلك أولوية كان على الجميع أن يصرف لها جهده في الأعوام الماضية بديلاً عن المعارك الأخرى، فيما لا بدّ أن نستقي من كتب التراث ما كان وفق متطلبات الزمن والعصر وما يجري على سنّة الحاضر والحياة الواقعية التي نعيشها، وأن نوظفه وننقله من المثالية إلى الواقعية، وأن نكفّ عن افتعال المعارك بين القديم والحديث والتراث والمعاصرة، فكلّ منهما مكمل للآخر وامتداد له.

في الختام، سيظلّ التراث والنصوص القديمة المعتبرة العلامة القوية على الحضارة الرائعة وعلى نهضة أمتنا من قبل، وسيظلّ ذلك نبراساً نأخذ منه ما يفيد أمتنا، بشرط أن يكون ذلك وفق منهج علمي مدروس.

مواضيع ذات صلة:

مذبحة التراث على يد الإسلامويين

كيف زيّفت الجماعات الإسلامية وعينا بالتراث؟

التراث: مقدس عند الحاجة إليه وإنساني عند الحاجة لتجاوزه




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية