كيف سقط 70% من ضحايا التظاهرات في العراق بنيران القنّاصة؟ ‎

العراق

كيف سقط 70% من ضحايا التظاهرات في العراق بنيران القنّاصة؟ ‎


24/10/2019

أعلنت لجنة التحقيق بشأن التظاهرات في العراق، أول من أمس؛ أنّ الاستخدام المفرط للقوة كان سبباً في سقوط ضحايا من المتظاهرين، مؤكدة مقتل 149 مدنياً و8 عسكريين، خلال ستة أيام من التظاهرات، التي بدأت في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.

مسؤولون عراقيون: المسلحون الذين قتلوا المتظاهرين كانوا تحت إمرة القيادي في الحشد الشعبي أبو زينب اللامي

وأكّدت اللجنة، في تقريرها، وجود حالات قنص بين المتظاهرين، مؤكدة أنّ "70% من الإصابات كانت في الصدر والرأس".
وتحدّث التقرير الحكومي عن وجود "مواقع للقنص"، وفق ما أورد موقع "التحرير نيوز"، لكن من دون تحديد هوية القناصة، وسبق للسلطات أن اتّهمت "قناصين مجهولين" أطلقوا النار على المتظاهرين والقوات الأمنية، على حدٍّ سواء، دون تسميتهم أو الإعلان رسمياً عن خطة لمتابعتهم والوصول إليهم، طالما أنّها أقرّت بمسؤوليتهم عن قتل مواطنين عراقيين، سواء كانوا من المتظاهرين أم من القوات الأمنية؟
هنا يبرز سؤال انشغل به كثيرون من العراقيين: من هم القناصون؟ ومن أمرهم بإطلاق النار؟
قد يكون تقرير لوكالة "رويترز"، بثّته في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، هو من وفّر مدخلاً للجواب، وكشف أنّ "قناصة تابعين لميليشيات مدعومة من إيران اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين في العراق، ما تسبَّب بمقتل أكثر من 100 شخص وإصابة نحو 6 آلاف آخرين".

الرئيس برهم صالح مع مستشار الأمن الوطني رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض
وذكر التقرير، نقلاً عن مسؤولين عراقيين (لم يسمّهم)، قولهم: إنّ هؤلاء المسلحين كانوا تحت إمرة القيادي في الحشد الشعبي، أبو زينب اللامي، الذي كُلِّف بمهمَّة "سحق التظاهرات من قبل مجموعة قادة آخرين".
وتعرِّف مؤسسة أمريكية اللامي، واسمه الحقيقي حسين فالح، بأنّه "مدير جهاز الأمن في قوات الحشد الشعبي منذ عدة أعوام"، وهو الجهاز المسؤول عن معاقبة قادة الحشد في حال خالفوا الأوامر أو التعليمات، وفق مركز أبحاث مكافحة الإرهاب في "الأكاديمية العسكرية الأمريكية"، في وست بوينت بولاية نيويورك.

اقرأ أيضاً: انتفاضة عراقية ضد الهيمنة الإيرانية!
ويبرز اللامي كشخصية قوية للغاية، ومخيفة على نطاق واسع، وله خطّ اتصال مباشر مع قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بشكل مستقل عن أبو مهدي المهندس، ومن المرجح أنّه يتم حالياً إعداد أبو زينب اللامي ليحلّ محلّ المهندس، على رأس قوات الحشد الشعبي في العراق.

العنبر: تقرير اللجنة الوزارية العليا لم يتطرق للجهات الحكومية التي لديها حقّ الردع، ومنع الاستمرار باستخدام القوة المفرطة

قبل نحو 3 أشهر؛ طرح اسم اللامي بالفعل كمرشح لمنصب نائب وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات، وهو منصب يخوّله للحصول على نفوذ كبير في الحكومة العراقية، وفق "مركز مكافحة الإرهاب" في المؤسسة العسكرية الأمريكية ذاتها، الذي يؤكّد أنّ "اللامي يقود أقوى وكالة داخل الحشد الشعبي (أمن الحشد)، وهي مجهزة تجهيزاً جيداً، ولديها قوات خاصة، وقدرات استخباراتية عالية".
لاحقاً؛ توعّد رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض، بمحاسبة ومقاضاة من يتهم الحشد باعتقال بعض الناشطين، بعد "مزاعم بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بوقوف الحشد الشعبي وراء اعتقال بعض الناشطين".
وفي السياق؛ قال الأمين العام لـ "كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي: إنّ "استهداف ‏مدير أمن الحشد الشعبي، أبو زينب اللامي، رسالة قبيحة واضحة المطالب ‏والأهداف، لضرب القوى الخيرة والمجاهدة".‏
وأضاف في تغريدة نقلتها وكالات أنباء محلية: "الأفواه والأقلام الصفراء والمأجورة التي تتناول المجاهد أبو زينب ‏اللامي، مدير أمن الحشد الشعبي، ما هي إلا رسالة قبيحة وواضحة المطالب والأهداف، ‏ينوي أصحابها ضرب القوى الخيرة والمجاهدة، لا سيما الحشد الشعبي، وقادة ‏التحرير في الاحتلالَين الأمريكي والداعشي".
ابحث عن إيران
رغم تهديدات أركان الحشد، كتب الصحفي، سرمد الطائي معلّقاً على النتائج على صفحته على "فيسبوك": "لا تسألوا عن الحكومة العراقية بعد الآن، نسأل فقط عن الفصائل المسلحة التي قتلت شبابنا بكامل حريتها رغم أنف الدولة، إيران لا تتحمل رؤية عراق مستقل، لا تتحمل رؤية مجتمع شيعي يؤيد الدولة، ويؤيد الجيش برمزه عبد الوهاب الساعدي ضدّ ميليشيات تستغل اسم علي والحسين لبسط الهيمنة على العراق".

اقرأ أيضاً: إيران حين أضمرت السوء لحلفائها.. ماذا فعلت لإنهاك العراق؟
ويؤكّد الطائي أنّ "إيران تريد اختطاف الشرعية في العراق، حكومة السيد عادل عبدالمهدي مخطوفة، والردّ سيأتي من موجة شباب الرافدين والقوى الوطنية العابرة للطائفية.. لن نملَّ هذا الحديث؛ لأنّ الرأي العام العراقي بدأ تدريجياً يدرك الانقلاب الإيراني الذي يظهر تدريجياً بملامحه المدمرة كلّ يوم".

قائد أمن الحشد الشعبي أبو زينب اللامي (يمين) مع قائد قوات الحشد أبو مهدي المهندس
من هنا يمكن فهم غضّ نظر الحكومة العراقية "المخطوفة من قبل إيران"، بحسب الطائي، عن القناصين، ومسؤولية قوى منضوية تحت إطار الحشد الشعبي عنهم.
ولتدارك الفضيحة، شدّد رئيس الجمهورية، برهم صالح، على ضرورة متابعة التحقيقات لكشف المتورطين بإراقة دماء المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية وإحالتهم إلى القضاء.
وذكر بيان رئاسي، الخميس الماضي؛ أنّ الرئيس صالح اجتمع بمستشار الأمن الوطني، ورئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض، وأكّد له "على أولوية حماية السلم المجتمعي والأمن العام، وضرورة متابعة التحقيقات لكشف المتورطين بإراقة دماء المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية، وإحالتهم إلى القضاء، وتأمين الحماية للتظاهرات السلمية التي كفلها الدستور".

الطائي: إيران لا تحتمل وجود عراق مستقل وتريد اختطاف الشرعية فيه، فحكومة عبدالمهدي مختطفة

جوانب أخرى من الفضيحة الحكومية، بحسب المحللين والمعلقين، يكشفها التقرير، فـ "قادة الشرطة والجيش يتخذون قراراتهم من وراء ظهر القائد العام (رئيس الوزراء عادل عبد المهدي)، ويقتلون المتظاهرين دون موافقته، وفي هذه الحالة أمامه خياران؛ إما أن يستقيل احتجاجاً على فقدانه موقعه وصلاحياته ومكانته، أو أن يحلّ الجيش والشرطة"؛ وفق قول الإعلامي د. حميد عبد الله، على صفحته على "فيسبوك".

بينما يذهب الكاتب والصحفي، مشرق عباس، إلى القول: "إذا كان تقرير اللجنة الحكومية صحيحاً، وأعمال القتل مجرد سلوك فردي اتفق عليه المئات من ضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية في 7 محافظات، دون حصولهم على أوامر عليا؛ كيف إذاً أسقط "خبير المؤامرات" المؤامرة الانقلابية ضدّ الدولة التي شيّدها بدمه؟!"، في إشارة إلى ما قاله رئيس "هيئة الحشد الشعبي"، فالح الفياض: "إننا بنينا هذه الدولة بالدم".
يستمرّ الكاتب عباس بأسئلته عبر منشوره على "فيسبوك": "لماذا خرجت وسائل إعلام الحشد بفرية "المؤامرة" والقضاء عليها؟ ولماذا اختطف الناشطون وما يزالون مغيبين؟ لماذا تبنّى عبد المهدي نظرية المؤامرة؟ ولماذا تصرّف الجميع على أساس هذه النظرية التي تسعى لقلب نظام الحكم؟ ولماذا اختفى القناصون؟ وكيف تمّ تحليل فيديوهات القتل المباشر؟
اللامي مع الفياض في جولة ميدانية

المجهول الذي يمتلك حقّ الردع؟
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، الدكتور إياد العنبر، عبر منشور له على "فيسبوك"؛ أنّ "تقرير اللجنة الوزارية العليا لم يتطرق إلى الجهات الحكومية التي لديها (حقّ الردع)، ومنع الاستمرار في استخدام القوة المفرطة! فالعنف رافق التظاهرات منذ اليوم الأول إلى يومها الخامس، وإحصائيات الشهداء من المتظاهرين تشير إلى أنّ عمليات قتلهم كانت مستمرة وليست نتيجة يوم واحد".
بينما يصف الكاتب سلام الحسيني، في منشور له على "فيسبوك"، ذلك التجاهل في التقرير النهائي للتحقيق الحكومي بـ "الاحتيال"، ويكتب: "بمعنى كلّ هذه الأسماء والرتب العسكرية تصرفت وحدها، باجتهاد شخصي، بلا أمر من جهة عليا تتمثل في الحكومة أو الحزب".

اقرأ أيضاً: لماذا تستّرت لجنة التحقيق العراقية على القتلة الحقيقيين؟
وعن عقوبة "الإعفاء" من الخدمة، بوصفها عقوبة على المسؤولين عن العنف، يضيف الحسيني: "تخيلوا معي؛ إعفاء القاتل فقط لا غير، بلا محكمة، ولا أيّ شيء آخر، هذه ليست عقوبة؛ بل مكافأة قدّمها (القائد العام رئيس الوزراء)، عبد المهدي، للقتلة، كلّ الظنّ أنّ أغلب هذه الأسماء ضحية لجهة إجرامية متورطة بالمجزرة بشكل مباشر، أكبر من هؤلاء وعبد المهدي وحكومته، والنتائج في التقرير تُخفي وجه الوحش الحقيقي الذي يلتهم شباب العراق".
وينظر الحقوقي طارق المعموري إلى الموضوع على نحو رأى فيه، بحسب ما كتبه على صفحته على "فيسبوك"، أنّ التقرير الحكومي، كونه يمثّل "الإطاحة بالمؤسسة العسكرية الرسمية"، فلجنة التحقيق "ضحّت بحدود ٣٥ ضابطاً من القوات الرسمية، ولم تتجرأ على ذكر ميليشيا واحدة، ذوّبت قضية القناصين، وعدّت وجود قناص واحد في بناية سبباً لهذا العدد الكبير من الضحايا، في حين أنّ القوات الأمنية كانت تتجمّع تحت موقع القناص، الذي ذكره التقرير، بالضبط! وكانت مسيطرة عليه، كذلك من الواضح جداً أنّ عدد القناصين كان كبيراً، وليس مجرد شخص واحد".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية