داعش ما بعد "الخلافة": باقٍ ويتوسّع

داعش ما بعد "الخلافة": باقٍ ويتوسّع

داعش ما بعد "الخلافة": باقٍ ويتوسّع


26/03/2023

قبل أربع سنواتٍ من هذا الشهر، دحرت “الخلافة” المزعومة لتنظيم داعش مع سقوط قرية الباغوز في شرق سوريا. يُذكر أن التنظيم كان قد أعلن عن استعادة الخلافة في يونيو 2014، وبعد أيام ظهر الخليفة آنذاك، أبو بكر البغدادي، في مسجد نوري في الموصل معلنًا على الملأ دولته الجديدة.

بعد ستة أشهر من معركة الباغوز، قُتل البغدادي، ومنذ ذلك الحين قُتل اثنان من خلفائه. ومنذ عام 2019 لم يسيْطر داعش على أي مدنٍ، بل إنه في معقله في العراق وسوريا، طردت عناصره إلى الصحاري. لكن هذه لم تكن نهاية التنظيم. ففي حين أن موجة الهجمات الإرهابية العالمية التي يشنها داعش قد تراجعت، وإن لم تتوقف، فإنه ينتعش ويتوسّع، حتى في “المركز”.

في هذا الصدد، وفي هذا الأسبوع، كشف آرون زيلين من “معهد واشنطن”، عن أداة تفاعلية ترصد أنشطة داعش، “خريطة لأبرز أنشطة تنظيم داعش في جميع أنحاء العالم“، التي لا توثّق هجمات التنظيم منذ أغسطس 2021 فحسب، بل أيضًا إنتاجه الإعلامي، والعقوبات المفروضة على قادته وكياناته التجارية، والقضايا القانونية ضد مقاتليه في جميع أنحاء العالم. وكما وصف زيلين في إطلاق هذا المشروع، فإن الغرض هو محاولة تجنب تكرار ما حدث في المرة السابقة.

في أواخر العام 2013، اعتقد المسؤولون الحكوميون والمحللون -حتى أولئك الذين يتابعون عن كثب ما كان يُعرف آنذاك باسم “حركة الدولة الإسلامية”- أن “الطفرة في القوات الأمريكية” و”صحوة” العشائر السنية في الفترة 2007-2008 قد هزمت التنظيم، وأن أنشطته المتبقية كانت قابلة للاحتواء. وبعد أشهر، سيطر داعش على منطقة أكبر من بريطانيا العظمى، وهدم الحدود بين دولتين معترف بهما دوليًا.

واصل داعش وتيرة ثابتة من الهجمات في “المركز” وفي العراق وسوريا. الكثير من هذه الهجمات هي هجمات حرب عصابات على قوات الأمن، خاصة في العراق، حيث يستهدف الجيش النظامي بانتظام، والوجود المستمر في المناطق السنيّة للميليشيات الطائفية الوكيلة لإيران، الحشد الشعبي، يوفر لداعش الكثير من الدعم السلبي، والوقود السياسي للتجنيد.

في سوريا، أولى داعش خلال العام الماضي اهتمامًا خاصًا للهجمات على مزارعي الكمأة، التي تعتبر واحدة من الفرص الاقتصادية القليلة في المناطق التي تُسيْطِر عليها الدولة السورية. كما نفّذ داعش هجماتٍ أكثر إثارة في سوريا، ولا سيّما ضد السجون التي تضم أكثر مقاتلي داعش صلابة في المنطقة التي يسيْطر عليها المسلحون الأكراد المدعومون من الولايات المتحدة. لقد كانت حرب الاستنزاف الطويلة هذه، إلى جانب إطلاق سراح العناصر البارزة من السجون، وتأمين التعاون المحلي من خلال الإرهاب والإغراء، حاسمة لإحياء داعش في المرة الأخيرة.

خارج “المركز”، يحقق داعش تقدمًا سريعًا في إفريقيا. فلقد أثبتت منطقة الساحل أنها بؤرة ساخنة خاصة لداعش. في نيجيريا، أعاد داعش السيطرة على فرعه المنشق “بوكو حرام” في ربيع عام 2021 وقاتل الحكومة النيجيرية حتى وصل الجانبان إلى طريق مسدود، واحتفظ بالسيطرة على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في الشمال، واستخدم المنطقة كمنصة انطلاق لشنِّ هجماتٍ في أماكن أخرى من الدولة، ضد المدنيين المسيحيين وقوات الأمن.

في دول الساحل الأخرى، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، يُلاحظ أن سجل داعش أكثر تباينًا، نظرًا لوجود تنافس بينه وبين تنظيم القاعدة، لكن الجهاديين حصلوا على ميزةٍ تتمثل في سحب فرنسا لقواتها العسكرية القادرة، واستبدال مجموعة “فاغنر” الروسية غير الكفؤة، ووحدات أخرى، بها. في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى -في الصومال والكونغو وموزمبيق- أنشأ داعش موطئ قدمٍ له، ويواصل توسيعها. المشكلات المُزمنة في نصف الكرة الأرضية، من الافتقار إلى قدرة الدولة الفعّالة إلى المحسوبية العرقية والأعمال العدائية لعدم كفاية البنية التحتية لمكافحة التطرف، تشير إلى أن إفريقيا ستظل بيئة ملائمة لنشاط داعش.

منطقة النشاط الرئيسة الأخرى لداعش خارج “المركز” هي أفغانستان وجنوب آسيا على نطاق أوْسَع. فلقد أدّى سقوط أفغانستان في أيدي طالبان والقاعدة في أغسطس 2021 عندما اختارت الولايات المتحدة وبقية دول الناتو الانسحاب، إلى ترك الدولة في يد حكومة الأمر الواقع التي لا يضاهي قسوتها سوى افتقارها إلى القدرة. فالاقتصاد الأفغاني في حالةٍ يُرثى لها، والقدرة الأمنية لنظام طالبان ضعيفة، على الرغم من الدعم المستمر على نطاقٍ واسع من باكستان، والمزيد من الدعم غير المباشر من دول مثل الصين.

وكما كان متوقعًا، أُطلق سراح الكثير من سجناء داعش مع انهيار الدولة. وفي ظل الوضع الجديد منذ عام 2021، يتصاعد نشاط تنظيم داعش، حيث يشن بانتظام عملياتٍ عبر الحدود في باكستان، واضعًا الهند نصب عينيه، وإن كان مخيبًا للآمال إلى حد ما في الممارسة العملية حتى الآن.

وبالنظر إلى أن التنظيم قد استخدم وجوده في أفغانستان لتنفيذ هجماتٍ إرهابية عالمية في الماضي، فإن هذا الوضع خطيرٌ للغاية، ويبعث على القلق.

في الوقت الحالي، تتلاحق الأحداث بسرعةٍ كبيرة، ولكن كما يتبيّن لنا من أحداث 2013-2014، من الأهمية بمكان عدم إغفال داعش في مراحل إعادة البناء. لذا، يتابع موقع “عين أوروبية على التطرف” عن كثب تركيز قيادة داعش في سوريا، وتقدم التنظيم في إفريقيا، وفي أفغانستان.

ذلك أن التاريخ يخبرنا أن ثمة طفرة كبيرة قد تطرأ على أيٍّ من هذه الجبهات أو جميعها في غضون مهلةٍ قصيرة.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية