تركيا: أوروبا حبيبتي

تركيا: أوروبا حبيبتي


كاتب ومترجم جزائري
21/01/2021

ترجمة: مدني قصري

لعل رجل تركيا القوي، الرئيس الإسلاموي، رجب طيب أردوغان، لم ينم كثيراً خلال الأسبوع الذي سبق اجتماع قمة الاتحاد الأوروبي، في 10 و11 كانون الثاني ( ديسمبر) 2020.

 إنّ احتمال فرْض عقوبات أوروبية1، إضافة إلى العقوبات الأمريكية المحتملة، لن يكون له سوى تأثير مدمّر على نومه، لا شكّ في أنّ تأجيل العقوبات الأوروبية، حتى آذار (مارس)، قد هدّأ قليلاً نوم أردوغان، لكن كلّ راحة قد تكون سابقة لأوانها.

اقرأ أيضاً: تركيا تطرح ورقة الهجرة على الأوروبيين للتهدئة... كيف؟

ففي شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) 2020، ورغم التحذير الواضح الذي وجّهه قادة الاتحاد الأوروبي إلى الرئيس التركي، فقد اختار أردوغان بالفعل، المواجهة. لقد تحوّل خلاف دبلوماسيّ بسيط إلى صدام حضاري صغير. لقد لعب أردوغان دور السلطان العثماني، واعتقد أنّ الاتحاد الأوروبي لن يجرؤ أبداً على حرق الجسور مع تركيا، لقد كان على حقّ، وكان على خطأ في الوقت نفسه.

 لم يقطع الاتحاد الأوروبي علاقاته في النهاية، كما أنّ العقوبات القليلة التي تمّ البتّ فيها في اجتماع القمة، في كانون الأول (ديسمبر) 2020، من غير المرجّح أن تُجبر تركيا على تغيير مسارها، لكن في الموعد النهائي المقبل، سيتعين على أردوغان أن يختار بين خوض صراع حضارات جديد، أو إيقاف التصعيد المستمر.

اقرأ أيضاً: ما الذي يريده أردوغان من الاتحاد الأوروبي

قبل قمة كانون الثاني (ديسمبر)، بفترة وجيزة، طلبت تركيا، كإشارة تهدئة، من سفينتها المتخصصة في البحث عن الهيدروكربونات، مغادرة الأراضي البحرية المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط، بعد أشهر من الاستكشافات التي تحدّت بها الاتحاد الأوروبي، تمّ مرة أخرى استدعاء سفينة الأبحاث "عروج بربروس" Oruç Reis إلى الميناء.

من المهم معرفة مدى الانتقام الذي كان الاتحاد الأوروبي سيفرضه على الاقتصاد التركي المنهار، إذ إنّ بروكسل قرّرت أنّ العقوبة يجب أن تحدّد بدقة

تحوّلت بادرة حسن النية هذه إلى هجوم ساحر، عندما تبنّت أنقرة خطابَ التسامح نحو الأقليات الدينية في تركيا "الأقليات الدينية فرصة لبلدنا، في إطار المساواة بين المواطنين وتاريخ مشترك"، هكذا غرّد المتحدّث باسم الرئاسة، إبراهيم كالين: بأنّ "التمييز ضدّ الأقليات سيُضعف تركيا".

وأضاف أردوغان أنّ مستقبل تركيا يقع في قلب أوروبا، أوروبا هذه نفسها التي اتّهمها بأنّها "بقايا نازية وفاشية".

وبدافع قوي من اليونان وقبرص، هدّد الاتحاد الأوروبي تركيا بفرض حظر على إمدادها بالأسلحة، لكن، بدلاً من السعي إلى فرض حظر فوري، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أنّ قادة الاتحاد الأوروبي يأملون في تنسيق موقفهم مع الناتو والولايات المتحدة، "تجب علينا مناقشة القضايا المتعلقة بصادرات الأسلحة داخل الناتو"، هكذا قالت ميركل في مؤتمر صحفي، قبل أن تضيف "سننسق مع الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن تركيا".

لكن لا يمثل حظر الأسلحة لُبّ المشكلة؛ ففي عام 2018، لم يتجاوز إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي من الأسلحة إلى تركيا 54 مليون دولار، وفي عام 2019؛ أوقف العديدُ من منتجي الأسلحة، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وفنلندا وهولندا) بشكل أحادي، مبيعاتهم لتركيا، أو لجؤوا إلى الحدّ منها.

اقرأ أيضاً: لماذا لجأت تركيا إلى التهدئة مع الأوروبيين قبل وصول بايدن للبيت الأبيض؟

كان السؤال الوحيد المثير للاهتمام هو معرفة مدى الانتقام الذي كان الاتحاد الأوروبي سيفرضه على الاقتصاد التركي المنهار، من الواضح؛ أنّ بروكسل قرّرت أنّ العقوبة يجب أن تقاس وتُقدّر وتحدّد بدقة، لقد استهدفت العقوبات التي تمّ إقرارها عدداً غير محدّد من المسؤولين والكيانات التركية المتورطة في عمليات التنقيب عن الغاز التي قامت بها تركيا في المجال البحري القبرصي، وقد تمّ تأجيل الرسوم الجزائية التي يمكن فرضها على المنتجات التركية، إلى المشاورات التي ستُجرى مع الإدارة الأمريكية المقبلة، إدارة الرئيس المُنتخب، جو بايدن.

قال أردوغان، قبيل قمة الاتحاد الأوروبي: "لا تتوقعوا مني أن أكافئ هذا الإرهابي بالإفراج عنه"، وكان يقصد الزعيم الموالي للأكراد صلاح الدين دميرطاش

سيعلن جوزيب بوريل، منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قريباً، أسماء الأشخاص والكيانات الأتراك الخاضعين للعقوبات؛ فالأمور لا ينبغي أن تقف عند هذا الحدّ، بحلول آذار (مارس) 2021، سيتعيّن على بوريل إعداد قائمة بالإجراءات الأخرى التي يمكن اتخاذها ضدّ تركيا، وفي غضون ذلك، سيكون أمام الاتحاد الأوروبي متّسع من الوقت للتشاور مع الفريق المسؤول حول قضايا الأمن القومي داخل إدارة بايدن.

لذلك؛ فلن تكون المهلة الممنوحة لأردوغان إلا مؤقتة فقط، بحلول نهاية شباط (فبراير)، سيتعيّن عليه توضيح أسلوب لعبه قبل أن يشدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته عليه، أو يؤجّلها مرة أخرى لمدة ربع سنة، هذه التأجيلات لا تقدم لأردوغان أيّ أفق، خاصّة إذا علمنا أنّ الأمريكيين والأوروبيين يهدّدون معاً، أكثر فأكثر، بإضعاف الاقتصاد التركي الهشّ.

السؤال برمّته يتمثل في معرفة ما إذا كان في وسع السياسي الإسلامي المعادي بطبيعته للغرب، والذي بنى شعبيته على إستراتيجية المواجهة مع الدول الأخرى، أن يصبح شريكاً سلمياً في غضون ثلاثة أشهر، فالأمر الذي يصعب تخيله الآن هو أنّ أردوغان غير قادر على إنهاء العجز الديمقراطي الفظيع في بلاده.

قال أردوغان، قبل أيام من قمة الاتحاد الأوروبي: "لا تتوقعوا مني أن أكافئ هذا الإرهابي بالإفراج عنه"، كان الرئيس التركي يتحدث عن قضية صلاح الدين دميرطاش، زعيم حزب سياسي موالٍ للأكراد، فاز بأكثر من 10٪ من الأصوات في الانتخابات الوطنية الأخيرة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: قلق في تركيا وتحذيرات أوروبية من استخدام الملف الحقوقي

وُجِّهت إلى دميرطاش، و12 نائباً كردياً من مجموعته، لائحة اتهام بالإرهاب، وهم قابعون في السجن منذ 2016، منتظرين البدء في محاكمتهم، وهذا الرجل، الذي وصفه أردوغان بـ "الإرهابي"، ليس على الصعيد القانوني البحت سوى مشتبه به ينتظر المحاكمة، وسوء فهم مسؤولي الرئاسة للسلطات الدستورية، هو الذي يدفع أردوغان إلى الاعتقاد بأنّ لديه حرية إدانة مشتبه به، فيما محاكمة هذا المتهم، جارية.

لكسب الوقت، في آذار (مارس)، سيتعيّن على أردوغان أن يبتلع خطاباته وتحدياته الرنانة، وسيتعيّن عليه أيضاً إيقاف أبحاثه عن الغاز في شرق البحر المتوسط​​، ووضع حدّ للتوترات مع اليونان وقبرص، والعودة إلى لغة دبلوماسية تقليدية مع أوروبا، لغة لا تتضمّن كلمات مثل "النازيين، والفاشيين، والعنصريين المناهضين للمسلمين".

 

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://fr.gatestoneinstitute.org

كاتب التقرير بوراك بكديل، أحد أشهر الصحفيين في تركيا، طُرد مؤخراً من الصحيفة التي وظفته لمدة 29 عاماً، لنشره تحليلات على موقع "غاتستون" حول الوضع في تركيا، وهو عضو في منتدى الشرق الأوسط.


هامش:

1- في قمة بروكسل، المنعقدة في 10 و11 كانون الثاني (ديسمبر)، قال دبلوماسي أوروبي: إنّ "الإجراءات التي تمّ إقرارها ستكون عقوبات فردية، ويمكن تقرير إجراءات إضافية إذا واصلت تركيا أعمالها"، وستوضع قائمة بالأسماء في الأسابيع المقبلة، وستقدم لموافقة الدول الأعضاء، بحسب النتائج التي أقرّتها قمّة السبعة والعشرين في بروكسل، وسيتم إدارج هذه الأسماء على القائمة السوداء، التي تمّ وضعها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، لفرض عقوبات على أنشطة التنقيب التركية في مياه قبرص، وتضمّ القائمة مسؤولين من شركة البترول التركية (TPAO)، الممنوع تأشيراتهما، وقد تمّ بالفعل تجميد أصولهما في الاتحاد الأوروبي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية