باحثة فرنسية تتلقى تهديدات بالقتل بسبب كتابها "الحركة الإخوانية وشبكاتها"

باحثة فرنسية تتلقى تهديدات بالقتل بسبب كتابها "الحركة الإخوانية وشبكاتها"

باحثة فرنسية تتلقى تهديدات بالقتل بسبب كتابها "الحركة الإخوانية وشبكاتها"


كاتب ومترجم جزائري
12/07/2023

ترجمة: مدني قصري

 تبدو فرنسا ممزّقة أكثر من أي وقت مضى بسبب الانقسامات في الهُوية، والتي تم رعايتها فيما وراء اليمين المتطرف والعنصريين الأصوليين. منذ السنوات الخمس الماضية أصبح الجدل حول الإسلاموفوبيا عنيفاً ومحتدماً للغاية، وأقل أكاديمية وأكثر سياسية. بناءً على خبرتها الجامعية في الولايات المتحدة تحلل جوسلين سيزاري قضية فلورنس بيرجود بلاكير، إذ تسلط الضوء على حرب الثقافة الفرنسية، وهو عامل مهم في استقطاب الجدل القائم حول الدراسات الإسلامية.

للوهلة الأولى نلاحظ أنّ كتاب "الحركة الإخوانية وشبكاتها، الاستطلاع" الذي نشرته فلورنس بيرجود بلاكلر في كانون الثاني (يناير) 2023 يضاف بلا شك إلى القائمة الطويلة من الأعمال التي تتناول تأثير الإخوان المسلمين في أوروبا. لذلك من المدهش أن الكتاب أثار شلالاً من النقد والشتائم والرقابة والتهديدات بالقتل ضد فلورنس بيرجود بلاكلر. أنا لا أنوي مناقشة الأهمية الأكاديمية للكتاب، ولكن تحليل ردود الفعل التي أثارها، سواء كانت مواتية أو معادية، من أجل تسليط الضوء على المنحدر الزلِج والمرعب الذي تنزلق فيه الحروب الثقافية على الطريقة الفرنسية.

في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2022 شجب السياسيون والعلماء من جميع المعتقدات "أمركة" الجدل السياسي الذي يرون أنه يركز كثيراً على الاختلافات العرقية والدينية والجنسانية التي تقوض الطبيعة المُوحِّدة للهُوية الفرنسية الشمولية. لا شك أنّ لسياسة الهُوية تأثيراً قوياً بالفعل على المشهد السياسي الفرنسي، لكنها بعيدة كل البعد عن كونها مجرد أمركة.

الحرية الدينية ضد الليبرالية الجديدة

في الولايات المتحدة أثارت الثورة الثقافية/ الجنسية/ السياسية في الستينيات في القرن العشرين مقاومة من قبل العديد من الجماعات المسيحية المحافظة. فهذا التوتر، وخاصة داخل الطبقة الوسطى البيضاء سرعان ما تحوّل إلى حرب ثقافية في أواخر التسعينيات، حيث وضعت هذه الثقافة "الفيكتوريين الجدد" في وضعٍ معارضٍ ومناوئٍ لـِ "الكوزموبوليتانيّين" (أي الداعين للمواطنيّة العالمية واختلاط الأجناس). لقد حذّر الفيكتوريون من تجاوزات السوق، من خلال الدعوة إلى الانضباط وضبط النفس في مسائل الجنس والمخدرات والكحول والعمل، إلخ. بينما أثنَى الطرف الآخر - الكوزموبوليتانيون - على القوة التحررية للصلات النيوليبرالية العابرة للحدود وطبيعتها الداعية للمساواة والتعدّدية التي تسير جنباً إلى جنب مع حسٍّ أخلاقيٍّ أكثر "تحرّراً".

غلاف كتاب "الحركة الإخوانية وشبكاتها، الاستطلاع" لفلورنس بيرجود بلاكلر

من بين القضايا الرئيسية لهذه الحرب هناك مسألة الإجهاض، والزواج من نفس الجنس، ومنع الحمل، وهي القضايا التي تمت مناقشتها من زاوية الحرية الدينية. يؤكد المؤمنون على حقهم في عدم انتهاك إرادة الله (على سبيل المثال، من خلال التزامهم كمؤسسة دينية بتوفير وسائل منع الحمل في الخطط الصحية للمؤسسة). وعلى العكس من ذلك يدافع الآخرون عن حقّهم في التحكم في حياتهم الجنسية وفي أجسادهم ورعايتها الصحية. إنّ مثل هذا النقاش لا يمكن أن يحدث في فرنسا أبداً، لأنّ الممارسة الحرّة للدين تُقلّصها قدرةُ الدولة على التمييز في الدين باسم المساواة (على سبيل المثال، من خلال حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس).

كتاب "الحركة الإخوانية وشبكاتها، الاستطلاع" الذي نشرته فلورنس بيرجود بلاكلر يضاف إلى القائمة الطويلة من الأعمال التي تتناول تأثير الإخوان المسلمين في أوروبا

أدت الأزمة المالية لعام 2008 إلى إحداث فجوة بين المستويات العليا والدنيا للطبقة الوسطى في المجتمع. في الوقت نفسه أدى وصول المزيد من قطاعات المجتمع الأمريكي إلى التعليم العالي إلى جلب الحرب الثقافية إلى الساحة السياسية والثقافة الشعبية. وقد تجسّد هذا التوسع من خلال الجدل والمناقشات حول العِرق (وهي قضية لم تكن أولويّة بالنسبة للطبقة الوسطى البيضاء في الستينيات)، وحول النظرية النقدية للعِرق وصولاً إلى التمييز الإيجابي في المدارس.

تركيز فرنسي على الإسلام

في الحالة الفرنسية، لا ينصب الاستقطاب على الأخلاق الدينية، بل على مكانة الإسلام في الفضاء العام. فالانقسام لم يعد قائماً بين الأيديولوجيات اليمينية واليسارية المتعلقة بالإسلام والمسلمين، بل بين منتقدي الإسلام الذين يتظاهرون بأنهم مدافعون عن القيم الجمهورية، وبين أولئك الذين يدافعون عن الإسلام ضد العنصرية والتمييز. كما أنّ هذا التركيز يُقسِّم أيضاً حتى الشخصيات العامة التي تحمل الثقافة الإسلامية.

كان وزير الداخلية، الجزائري المولد، جيرالد دارمانين، من الداعمين الرئيسيين لجهود الرئيس إيمانويل ماكرون لإغلاق المساجد والجمعيات الإسلامية المشتبه في تورّطها في أعمال التطرف. ومن ناحيتها أيّدت أنيسة خضر، العضو السابق في الحزب الفرنسي "رونيسانس" Renaissance، وهي تونسية الأصل وترعرعت في إحدى الضواحي الفرنسية، مشروعَ قانون ماكرون "لتعزيز احترام مبادئ الجمهورية" - المعروف أيضاً باسم "قانون مناهضة الانفصالية" – مبرِّرةً موقفها بالقول إنها "ليست ضد الإسلام أو حول الإسلام"، بل إنها تركز على تعزيز العِلمانية. وبالمثل وصف غالب بن الشيخ، رئيس مؤسسة الإسلام في فرنسا، مشروع القانون - الذي صدر منذ ذلك الحين - بأنه "غير عادل ولكنه ضروري" لمحاربة التطرف.

 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

هذا الاستقطاب لا صلة له بوضع الهجرة أو بالطابع الشمولي للمواطنة في حد ذاته، إذ لا تزال هذه الموضوعات تقسِّم اليمين واليسار على طول الخط التقليدي. ففي الثمانينيات على سبيل المثال ألقت الأحزابُ اليمينية باللوم على الاشتراكية التي كانت في منظورهم سبباً في فقدان الهُوية الوطنية، وقد دعّمت هذه الأحزاب تعريفاً مقيّداً للمواطنة يتعارض مع التعددية وسياسات الهجرة التي يروّج لها اليسار. وقد كانت هذه الأفكار في صميم سياسات الرئيس نيكولا ساركوزي الذي ركّز حملته الانتخابية على استعادة الهُوية الفرنسية التي كانت مهدّدة في رأيه من قبل العولمة وهجرة المسلمين. وعلى هذا النحو فقد ساهم ساركوزي في تحويل انعدام الأمن الاجتماعي الناتج عن الإصلاحات النيوليبرالية وتراجع التصنيع إلى حالةٍ من انعدام الأمن الثقافي الناتج عن هجرة المسلمين.

مخاوف العسكريين من "الحرب الأهلية"

وتذهب سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أبعد من ذلك، حيث تتجاهل الانقسام بين اليمين واليسار، لأنه أنشأ حركته الخاصة التي لا تتناسب مع الانقسام الأيديولوجي التقليدي. لقد ضمّت حكومته الأولى، في عام 2017  شخصيات من مجموعة واسعة من الخلفيات والأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب الجمهورية المستوحَى من الديغولية والحزب الاشتراكي وحزب "مودم الوَسَطي".

في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية شجب السياسيون والعلماء من جميع المعتقدات "أمركة" الجدل السياسي الذي يرون أنه يركز كثيراً على الاختلافات العرقية والدينية والجنسانية

في الوقت نفسه انخرط ماكرون بعمق في الحرب الثقافية. ففي عام 2021 ألقى خطاباً في الذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت ووضع إكليلًا من الزهور على قبره. من خلال قيامه بذلك يسعى ماكرون إلى تكريس إرث بونابرت الذي يمثل في الوقت نفسه الشخصيةَ الرئيسية في إنشاء الدولة الفرنسية الحديثة وفي إنشاء الدولة المستعمِرة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://orientxxi.info/magazine/france-islamophobie-et-guerre-des-cultures-l-affaire-bergeaud-blacker,6518




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية