اليمن 2022: لا سلم ولا حرب، ولكن إلى متى؟

اليمن 2022: لا سلم ولا حرب، ولكن إلى متى؟

اليمن 2022: لا سلم ولا حرب، ولكن إلى متى؟


27/12/2022

حالة "اللا سلم واللا حرب" جملة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، التي استعارها بيان المجلس السياسي الأعلى، أعلى هيئة سياسية للحوثيين في اليمن لتوصيف الوضع في البلاد التي شهدت هدنة رسمية في نيسان (أبريل) الماضي، ظلت صامدةً رغم رفض الحوثيين تجديدها منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

بخلاف السادات ليس هناك حقّ في صف الحوثيين؛ فهم من بدأ الأزمة بالانقلاب على الشرعية في العام 2014، بينما جاء تدخل التحالف العربي العسكري لدعم الشرعية بناءً على طلبها ووفقاً للقوانين الدولية. بعد ثمانية أعوام من الحرب يبدو أنّ الجميع صار منهكاً، وبات البحث عن حلٍ سلمي هو الخيار الممكن، على الرغم من استمرار العدوان الحوثي.

الهدنة الهشة

منذ انتهاء الهدنة الأممية مطلع تشرين الأول "أكتوبر" الماضي، صعّدت ميليشيا الحوثي من هجماتها على موانئ النفط في محافظتي شبوة وحضرموت في الجنوب اليمني بثلاث غارات لطائرات مسيّرة. وشهدت الأيام الأخيرة تصريحات حوثية معادية للسعودية، على خلفية ما يُثار عن إخفاق المفاوضات التي ترعاها سلطنة عمان بين الحوثيين والسعودية.

ووقع التحالف والشرعية هدنة لمدة شهرين على مستوى البلاد مع الحوثيين في نيسان (أبريل) الماضي كانت الأولى منذ عام 2016. وجُددت هدنة الشهرين مرتين، لكنها انتهت دون تجديد بسبب مطالب الحوثيين فيما يتعلق بأجور موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتهم، فضلاً عن حرية الملاحة الجوية والبحرية، بينما لم تلتزم الجماعة بالتعهدات برفع الحصار عن مدينة تعز وما يتعلق بإيرادات ميناء الحديدة.

حققت القضية الجنوبية انتصارات على أطماع الإخوان المسلمين

يسعى الحوثيون إلى التوصل إلى اتفاق مع التحالف العربي لا يستند إلى المرجعيات الثلاث لحلّ الأزمة التي يتبناها التحالف والشرعية والمجتمع الدولي، عدا الدول التي تدعم الحوثيين وعلى رأسهم إيران ومن يدور في فلكها. والمرجعيات هي المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم (2216) لعام 2015، وتوصّف هذه المرجعيات الحوثيين كأحد الشركاء في اليمن، بينما تريد الجماعة تأسيس دولة يمنية خاضعة لهم، بالتوافق مع أطراف قبلية ودينية وجزء من حزب المؤتمر الشعبي مقابل مصالح لهؤلاء.

ويريد الحوثيون فصل المسار الإنساني عن السياسي، وهي دعوة ظاهرها تخفيف المعاناة عن اليمنيين وباطنها تمكين الحوثيين لأنفسهم عبر مزيد من التسلح والتدريب من إيران، ولو كانوا جادين في تخفيف المعاناة لرفعوا الحصار عن مدينة تعز، التي يتعرض أهلها لحصار حوثي منذ أعوام، وهجمات وعدوان لا يتوقف أودى بحياة الآلاف منهم.

لا سلم ولا حرب

وشهدت العاصمة العُمانية، مسقط، نشاطاً كبيراً خلال الفترة الماضية بهدف التوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة في اليمن، مع انخراط أوروبي ملحوظ للدفع نحو التسوية. يرى المراقبون أنّ الجمود سيد الموقف، ما دفع مسقط لإرسال وفد مصحوب برئيس فريق التفاوض الحوثي إلى صنعاء لحلحة القضايا العالقة.

تثير حالة "اللا سلم واللا حرب" مخاطر كبيرة على الحوثيين؛ حيث تتصاعد موجات الغضب الشعبي احتجاجاً على القوانين والقرارات الحوثية المعادية لحقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص، فضلاً عن رفض معظم اليمنيين للهيمنة الحوثية المذهبية التي تتسرب إلى التعليم في جميع مراحله.

من غير المتوقع هدوء الصراع في البلاد، في ظل مشروع حوثي يريد الهيمنة على مجمل البلاد، وأطماع إخوانية في مناطق سيطرة الشرعية

وخلال العام المنصرم شهدت مناطق تحت سيطرة الحوثيين صدامات بين المواطنين والميليشيا، منها ما حدث في قرية "خبزة" في محافظة البيضاء، وما أظهرته مقاطع فيديو من اعتداءات حوثية على المواطنين بسبب الخلافات على مصادرة الأملاك، فضلاً عن الرفض الشعبي لحكم الإمامية بنسختها الحوثية الأشد تطرفاً.

لهذا جاءت التهديدات الحوثية بشنّ هجمات على المملكة العربية السعودية ومناطق سيطرة الشرعية، كوّنهم يتغذون على الحرب في وجه الرفض الشعبي لهم. ويبقى مشكوكاً فيه قدرة الحوثيين على شنّ هجمات كبرى بعد انكسار هجومهم الأكبر والأخير على محافظة مأرب مطلع العام الجاري، مع احتمال تعويض ذلك بهجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ.

سعيد بكران: لم تعد هناك حرب ولا انتصارات

من جانب آخر؛ ليست مناطق الشرعية بأفضل حال؛ لا تفرق الأزمة الإنسانية الطاحنة بين اليمنيين في أي مكان، بعدما تسببت الحرب في أسوأ أزمة إنسانية عرفها القرن الحالي بحسب الأمم المتحدة، التي تعاني عجزاً في تدبير التمويل مع تراجع اهتمام المانحين الدوليين الغربيين بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

في الجانب الآخر، لا تبدو الشرعية تتحضر لعملية عسكرية جديدة، حتى مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي ضمّ في عضويته القادة الفاعلين في مناطق الشرعية عسكرياً وسياسياً. لم يُنجز المجلس الرئاسي إلا القليل في فضّ الاشتباكات بين مكونات الشرعية، خصوصاً حزب التجمع الوطني للإصلاح (الإخوان المسلمين) والمجلس الانتقالي الجنوبي الممثل لقطاع واسع من سكان المحافظات الجنوبية.

 السياسي سعيد بكران لـ"حفريات": لم تعد هناك حرب ولا انتصارات، وبدأت الالتزامات داخل معسكر الحوثيين تعلو إلى السطح ومنها الرواتب والخدمات والحريات، وكلها تشكل عبئاً

فيما يتعلق بالمصالحة وإعادة هيكلة القوات العسكرية والأمنية وتنفيذ اتفاق الرياض أخفق المجلس الرئاسي في إحراز تقدم، وبدأت المشاريع غير الموجهة ضدّ الحوثيين مباشرةً في الظهور، مثل ما يُثار عن تأسيس دولة حضرموت في الجنوب، وهي دعوة يدعمها الإخوان نكاية في الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بدولة جنوبية فيدرالية.

آمال السلام

ويحلل السياسي الجنوبي سعيد بكران موقف الحوثي من الهدنة، بأنّ الحوثيين حريصون على صورتهم أمام الرأي العام الدولي لهذا لا يستطيعون بدء هجوم واسع، فضلاً عن إخفاقهم في معركة مأرب التي استمرت لمدة عام ونصف العام. وأفاد بكران بأنّ الحوثيين يخشون وقف الحرب التي كانوا يبنون عليها صورتهم أمام المجتمع المحلي؛ عبر تحقيق انتصارات تمكنوا منها بسبب الخلافات داخل معسكر الشرعية.

وأضاف لـ"حفريات" بأنّه لم تعد هناك حرب ولا انتصارات، وبدأت الالتزامات داخل معسكر الحوثيين تعلو إلى السطح ومنها الرواتب والخدمات والحريات، وكلها تشكل عبئاً على الجماعة، وبالتالي تحاول رسم صورة المنتصر النهائي في الحرب، وتسعى لفرض شروط على الشرعية بهدف تخفيف الضغط الشعبي عليها. ونوّه السياسي الجنوبي بأنّ "الحوثيين غير قادرين على شنّ الحرب لأسباب ليس من بينها السعي للسلام".

أمال معلقة على الوساطة العمانية

على المستوى الشعبي يأمل الجميع بحلّ سلمي يرفع عن كاهلهم المعاناة، التي خلفت أكثر من 11 ألف ضحية من الأطفال بين قتيل ومشوه جراء الحرب والتجنيد القسري للأطفال من قبل الحوثيين، بحسب ما وثقته منظمة اليونيسيف.

ذكرت التقارير الأممية أنّ أكثر من 23.4 مليون شخص من بين 30 مليوناً في حاجة إلى مساعدة إنسانية وحماية، بينهم 12.9 مليون طفل. ويعاني ما يقدر بنحو 2.2 مليون طفل في اليمن سوء تغذية حاداً، بما في ذلك ما يقرب من 540 ألف طفل دون سن الخامسة ممن يعانون سوء التغذية الحاد الشديد.

ويفتقر أكثر من 17.8 مليون شخص، بما في ذلك 9.2 مليون طفل، إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة. وفي الوقت ذاته، يواجه اليمن أزمة تعليمية حادة، إذ إن هناك مليوني طفل خارج المدارس، وقد يرتفع هذا العدد إلى 6 ملايين طفل في المستقبل، لأنّ مدرسة واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس في اليمن تعرضت لتدمير أو أضرار جزئية.

أمام حجم هذه الكارثة تتضاءل وتختفي مبررات الحرب، ويصبح السلام حلماً فوق كل اعتبار، ومع ذلك تدرك غالبية اليمنيين أن لا سلام دون هزيمة الحوثيين عسكرياً.

وبفرض صدق الأنباء عن تفاوض سعودي حوثي لإقامة منطقة حدودية عازلة بينهما، كبداية نحو تسوية سياسية للأزمة، فمن غير المتوقع هدوء الصراع في البلاد، في ظل مشروع حوثي يريد الهيمنة على مجمل البلاد، وأطماع إخوانية في مناطق سيطرة الشرعية، وما خلفته الحرب من ثارات وعداءات قبلية في بلد تعتبر القبيلة هي الأساس الاجتماعي في معظم مناطقه.

مواضيع ذات صلة:

بعد إقصائهم... إخوان اليمن يتحالفون مع تنظيمات إرهابية

إحصاء أممي قاتم: أطفال اليمن في فم الموت اليومي

اليمن: ما علاقة المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت بالإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية