الولايات المتحدة وتسليح الشرق الأوسط: لعبة الموت الرابحة

الولايات المتحدة وتسليح الشرق الأوسط: لعبة الموت الرابحة


06/10/2020

تتميّز سياسة الشرق بسلسلة من الأحداث المثيرة للجدل، والتحولات الجذرية أيضاً، وبعد مجيء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي ادّعى أنّه يريد الانسحاب الكامل من المنطقة، وأعلن بالفعل سحب جيوشه من سوريا، انتفض لاحقاً، لينفخ أبواق الحرب في وجه إيران؛ حيث رأى عدّة محللين أنّ تضارب أفعال ترامب، ليس إلّا محاولة انقلاب على سلفه، الذي استثمر بشدة في الشرق الأوسط.

 كان الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط هو الملمح الرئيس للهيمنة الأمريكية التي تبلورت فيما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنّ التسليح أيضاً كان أهم ملامح فرض تلك الهيمنة، واستعراض القدرات العسكرية، أمام القوى العظمة المنافسة الأهم (الاتحاد السوفييتي)، والآن هو أحد أهم مصادر دخلها الذي تسعى لاستمراره وتمدّده.

أباطرة السلاح

تعكس الإستراتيجية الأمريكية الكبرى، منذ بداية الحرب الباردة، الموضوعات المهيمنة في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية، إذ ركّزت على إنشاء وإدارة نظام أمني عالمي، واحتواء التهديدات الخارجية للنظام وردعها؛ ففي الماضي، قامت الإستراتيجية الدفاعية على مجابهة الاتحاد السوفييتي، في عدة حروب في المنطقة، كانت أشهرها حرب أفغانستان.

 وبحسب الباحث في الشؤون الأمنية ودراسات الشرق الأوسط، والمدير التنفيذي لمركز الإنذار المبكّر، أحمد الباز؛ فإنّ عملية بيع الأسلحة الأمريكية لأطراف النزاع في المنطقة هو نهج توسّع فيه الرؤساء الأمريكيون، على اختلاف توجهاتهم.

حصة الولايات المتحدة في سوق السلاح العالمي، تتجاوز الـ 60%، وهي صناعة تدر مئات المليارات، فضلاً عن أنها إحدى أهمّ الصناعات للحفاظ على مكاسبها السياسية والإستراتيجية

يتابع الباز، في حديثه لـ "حفريات": "زيادة مبيعات الأسلحة، الآن ولاحقاً، في حالة فوز ترامب، هي نهج ترامبي بامتياز، فالرئيس الأمريكي يدرك أنّ الدفع بعمليات التسليح إلى منطقة الشرق الأوسط، حتى إن كان يزيد من عسكرة هذه المنطقة، إنما هو أمر يدعمه في البيت الأبيض، من جهة أنّ الوفرة في توريد الأسلحة تعني من ضمن ما تعني وفرة في الوظائف، ورضا من مجالس إدارات شركات الأسلحة على إدارة ترامب (لوكهيد مارتن ورايثون وبوينج وغيرها)، مجالس الإدارات هذه تكون عادة المنفِق الأكبر على حملات الترشح للرئاسة، كما أنّه من الممكن القول إنّ الولايات المتحدة، كقوة عظمى، كانت عليها مسؤوليات كثيرة، تجاه عسكرة الشرق الأوسط، وزيادة التسليح، من حيث كونها من كبار موردي الأسلحة، فكان من الممكن أن تقوم باتخاذ نهج عكسي، فيما يخصّ عمليات التوريد، من حيث استخدام منع التصدير، كمحفز لإنهاء النزاعات العسكرية في الشرق الأوسط، عبر التلويح بأنّ استمرار التوريد، مثلاً، يكون مرهوناً بوضع حلّ لأزمة أو حرب قائمة".

اقرأ أيضاً: قائد القوات المشتركة لجبهة الضالع لـ "حفريات": الإخوان يهرّبون أسلحة التحالف للحوثيين

ويرى الباز؛ أنّ ما حدث كان العكس؛ حيث دفعت الولايات المتحدة بمزيد من الأسلحة، التي كانت ضوءاً أخضر، لاستمرار الصراعات العسكرية في المنطقة، بل وتعميقها، في مناطق قتال متداخلة الأطراف؛ وبما أنّ التنظيمات باتت هي المهيمنة، لا الدول، فإنّ الأسلحة الأمريكية باتت تجد طريقاً لتصل إلى هذه التنظيمات، وقد يكون من أهم الأسباب في ذلك الوفرة التسليحية.

الجماعات الإسلامية.. دمية الأمريكي

نشر معهد ستوكهولم الدوليّ لأبحاث السلام تقريراً حول مبيعات الأسلحة حول العالم، في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، وجاءت الأرقام صادمة للاقتصاديين، فبالرغم من تردّي الوضع الاقتصادي على الصعيد العالمي، زادت مبيعات الأسلحة حول العالم 5%، فيما زادت حصة الأمريكي من السوق بنسبة 7.2%، عن العام السابق.

 وفي تصريح لها عبر وكالة"RT"  الروسية، قالت مديرة برنامج نقل الأسلحة والإنفاق العسكري في المعهد، أود فلوران: "هذه زيادة كبيرة خلال سنة واحدة بالنظر إلى المستويات المرتفعة أساساً لمبيعات الأسلحة الأمريكية مجتمعة".

 زادت مبيعات الأسلحة حول العالم 5%

 ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد سلطان؛ أّنّ الولايات المتحدة تختلق الأزمات في المنطقة، أو تهيّئ مناخاً سياسياً غير مستقرّ، فتصبّ الزيت على النار، بمبيعات الأسلحة التي تمثل دخلاً للدولة أكبر مما يتخيّله أحد.

اقرأ أيضاً: مساعٍ أوروبية جديدة لوقف تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا

يتابع سلطان في تصريح لـ "حفريات": " فيما يخص مبيعات السلاح والحركات التي تستخدمها أمريكا، من المعروف أنّ الشركات الأمريكية العملاقة، مثل شركة لوكهيد مارتن، وغيرها من الشركات التي تستحوذ على سوق السلاح وبيعه، هي المتحكمة في السوق، تقريباً حصة الولايات المتحدة الأمريكية في سوق السلاح العالمي، تتجاوز الـ 60%، وهي صناعة تدر مئات المليارات على الولايات المتحدة، وهي إحدى أهمّ الصناعات التي تستحوذ عليها في سبيل الحفاظ على مكاسبها السياسية والإستراتيجية".

الباحث أحمد سلطان لـ"حفريات": الولايات المتحدة الأمريكية، بإداراتها المتعاقبة والمختلفة، تستغل الظرفية السياسية والسياقات التي تنشأ فيها حركات الإسلام السياسي، لتستخدمها في تعزيز مكانتها وقوتها

 وفي سبيل الحفاظ على تلك المكاسب، يردف سلطان "تقوم الشركات بفرض أجنداتها وحضورها بقوة على السياسة الخارجية الأمريكية، وتسهم في توجيه صانع القرار الأمريكي عن طريق جماعات الضغط ومراكز القوى والنفوذ، التي تملكها  داخل النظام السياسي الأمريكي، وهو نظام سياسي في غاية التعقيد".

وإذا كان الحديث عن الحركات الإسلامية، فإنه عن حركات مسلحة، ساهمت الولايات المتحدة في تسليحها، وهي الحركات التي تستفيد من وجودها أمريكا، سواء قدّمت لها دعماً بصورة مباشرة، أو قدّمت لها دعماً غير مباشر عن طريق تهيئة الظروف السياسية لنمو هذه الحركات، فمثلاً؛ بالحديث عن تنظيم داعش، لا يمكن القول إنّ أمريكا صنعته بشكل مباشر، لكنّها دعمته بطريق غير مباشر، عن طريق إسقاط النظام العراقي وإحداث الفوضى.

نشر الفوضى أقصر طرق الهيمنة

ويرى سلطان أنّ هذه الفوضى، هي التي وفّرت بيئة خصبة للنموّ والتمدّد لهذا التنظيم الإرهابي الخطير، كما أنّها كانت مناخاً مناسباً لأفراد القاعدة، الذين هربوا إلى أفغانستان، فعادوا مرّة أخرى إلى العراق، وأنشأوا تنظيمات كبيرة، بات لها امتداد في أماكن أخرى؛ فنشأ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، على يد "أبو مصعب الزرقاوي"،  برفقة مجموعة من المقاتلين الأجانب، حتى بدأ التنظيم فيما بعد، بجذب مقاتلين من كلّ الجنسيات، وفي ظلّ حالة الفوضى وانتشار السلاح التي كانت بالعراق، بدأ التنظيم في التمدّد، وصار لاحقاً، نتيجة تطورات وظروف تاريخية يطول شرحها، تنظيم داعش.

تجيد أمريكا استخدام هذه التنظيمات أحياناً في إثبات قوة سلاحها وجدارته، كما فعلت في العراق وسوريا؛ كان هناك استخدام لأنواع معينة من السلاح، وفي أفغانستان استخدمت ما تسمَّى بـ "أم القنابل"، في محاولة لمنافسة الروس في تصنيع الأسلحة، واستعراض كل دولة لترسانة أسلحتها في أرض معركة بعيدة عنهم، في مناطق أخرى؛ إذ تستفيد أمريكا من  بعض الحركات، مثل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وأحياناً تقدّم دعماً، مثلما حدث في مرحلة ما عرف بـ "الجهاد الأفغاني"؛ حيث كانت تقدم الأسلحة وتسهّل دخولها إلى أرض المعركة، كما أنّها مدّت المقاتلين بصواريخ الـ "مان بادز"، المعروفة بـ "سينجر"، وهي منظومة صاروخية محمولة كتفاً لإسقاط الطائرات، ومن هنا توهّم الروس بأنّ منظوماتهم الجوّية أقوى وأنجع من السوفييت".

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

يستكمل سلطان: "حتى نكون أكثر تحديداً، نحن نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية، بإداراتها المتعاقبة والمختلفة، فهي دولة تستغل الظرفية السياسية، والسياقات التي تنشأ فيها حركات الإسلام السياسي، لتستخدمها في تعزيز مكانتها وقوتها السياسية؛ حيث ساهمت في تشكيل التحالف الدولي عام 2014، وانضمت له لاحقاً 82 دولة، وتستخدم قوتها وقوة حلفائها السياسيين في استغلال الأزمات، واستنزاف ثروات المنطقة، في الوقت الذي يتحدث فيه كلّ رئيس أمريكي عن الدفع مقابل الحماية، فهو يصدّر سلاحاً للمنطقة بشكل عام، وفي الوقت نفسه يلتزم بمعادلة مفادها؛ أنّ الدولة الأهم والحليفة له تستطيع تحقيق السيادة والهيمنة على جميع الجيوش العربية مجتمعة؛ لهذا تمّ تطوير برامج الـ "F 16" لدول دون أخرى، ومنح طائرات " "F 35لدول دون أخرى أيضاً، وسقوط مقاتلات "F 16" على أيدي داعش، وهو دليل على أنّ أمريكا تستخدم حركات الإسلام السياسي المسلحة، لتعزيز قوة سلاحها، وفرض هيمنتها على المنطقة، وحتى تتّسع حصتها التي تسعى لأن تتجاوز الـ 60 % من سوق السلاح العالمي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية