الحسابات وميزان الردع.. الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قريبة؟

الحسابات وميزان الردع.. الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قريبة؟

الحسابات وميزان الردع.. الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قريبة؟


28/04/2024

سارة شريف

على الرغم من أن الحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة استحوذت على اهتمام العالم، إلا أن من ينظر بدقة سيرى أن هناك خطر حقيقي من اندلاع حرب بين إسرائيل و”حزب الله”، وهذه الحرب لن تكون مثل الحرب الأخرى، ولن تكون مثل أي حرب آخرى عرفها الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.

التوتر يزداد على الحدود بين إسرائيل و”حزب الله”، الهجمات الصاروخية والقذائف بشكل شبه يومي، والحديث عن الحرب يتصدر العناوين الرئيسية.. لفهم مدى احتمال وقوع حرب، هناك عدد من الأسئلة التي ستحدد إجابتها ما إذا كانت الحرب قريبة أم بعيدة.

الهجمات أكثر جرأة

أول الأسئلة هي: هل الهجمات الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل أكثر جرأة؟

يوم الثلاثاء 23 نيسان/أبريل الجاري، شن “حزب الله” أعمق هجوم له على إسرائيل منذ بداية حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ودوت صفارات الإنذار، فيما أطلقت طائرات مسيرة وصواريخ على ما وصفته وسائل الإعلام الموالية لـ”حزب الله” بأنها “أهداف عسكرية” بين عكا ونهاريا. ولم تقع إصابات.

وردا على ذلك، قصفت الطائرات الإسرائيلية أهدافا لـ”حزب الله” عبر الحدود، بينما أفاد الجيش الإسرائيلي إنه ليس لديه علم بقصف “حزب الله” لأي من منشآته، لكنه قال في وقت سابق يوم الثلاثاء إنه اعترض “هدفين جويين” قبالة الساحل الشمالي لإسرائيل، وفقا لموقع “جيروزاليم بوست”.

يذكر أن عطية، هو العضو رقم 287 الذي اعترفت الحركة بوفاته منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول. وقُتل ناشط بارز آخر، وهو حسين عزقول، “مهندس وحدة الصواريخ في حزب الله”، صباح الثلاثاء الماضي، في هجوم للجيش الإسرائيلي على قرية أدلون القريبة من الحدود، وفي الأسبوع الماضي، أصاب “حزب الله” أيضًا 14 جنديًا إسرائيليًا والعديد من المدنيين في هجوم على عرب العرامشة على الحدود، فيما يبدو أن الهجمات الأخيرة أكثر جرأة لكنها لم تخرج عن قواعد اللعب المتفق عليها.

من جانبه، أطلق وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، تهديداً جاء فيه: “الفترة المقبلة ستكون حاسمة”، وأوضح غالانت أن “العمليات التي يتم تنفيذها ذات جودة عالية جدًا”، مضيفاً أن نتائج العمليات مثيرة للإعجاب للغاية – حيث تم القضاء على نصف قادة “حزب الله” في جنوب لبنان.

وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أن من بين الأهداف التي تم ضربها في موجة الهجمات الواسعة – “منشآت تخزين وأسلحة وبنية تحتية إرهابية وأهداف أخرى تستخدمها المنظمة الإرهابية في المنطقة”. كل ذلك، في إطار جهود تدمير البنية التحتية للتنظيم في المنطقة الحدودية.

حسابات إيران و”حزب الله”

السؤال الثاني هو: ما هي حسابات “حزب الله” ومن خلفه إيران حيال فتح مواجهة مع إسرائيل؟

لسنوات طويلة، لعب كلاً من إسرائيل و”حزب الله” وفق قواعد معينة، وهي باختصار أن يتم الحفاظ على ميزان الردع، على أن تكون هناك مناوشات من حين لآخر تستلزم الرد ولكن دون التدهور لمواجهة واسعة، ولكن منذ بداية الحرب في غزة ودعوات “حماس” للحزب للانضمام إلى الحرب، واجه “حزب الله” ضغوطاً، فاتبع سياسة المناوشات المحدودة دون فتح جبهة مع إسرائيل وكان المبرر حينه أن (حماس لم تعلم الحزب نيتها بالهجوم في 7 أكتوبر). 

هذا يشير إلى عدم وجود نية لدى “حزب الله” لبدء حرب مع إسرائيل، ولكن في الوقت نفسه، يريد الحزب ألا يظهر من يتخلى عما يصفه بـ “المقاومة” فيكتفي بالمواجهات المحدود من آن لآخر.

خلال الشهور الأخيرة ورغم المواجهات المحدودة، فقد “حزب الله” المئات من مقاتليه، والذي يصعب استبدال الكثير منهم، وعلى الرغم من أن الحزب يمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار إلا أن إيران كما يبدو حتى تلك اللحظة لا تريد إقحامها في الحرب بشكل مباشر. 

إن صراعاً خطيراً مع إسرائيل يلحق ضرراً كبيراً بـ”حزب الله” من شأنه أن يدمر خط الدفاع الأول لإيران في أي صراع مستقبلي مع إسرائيل.

ومن ناحية “حزب الله” نفسه، فهو يواجه عدد من التحديات التي تمنعه من بدء حرب واسعة، على رأسها التضاريس الجبلية في شمال إسرائيل، والتي ستمنع “حزب الله” من شن نوع من هجمات الموجات البشرية التي شنتها “حماس”، وكذلك رغبته في عدم الانخراط في حرب واسعة قد تثر على شعبيته في لبنان، بيد أنه حزب سياسي ويشارك في الحكم وليس مثل حركة “حماس”.

كانت المعادلة بين “حزب الله” وإسرائيل تجري على النحو السابق ذكره، ولكن بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل بحوالي 300 صاروخ ومسيرة والرد الإسرائيلي بالهجوم على منشأة بأصفهان، فإن هناك من يرى أن التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل تزيد بشكل كبير من احتمالات الصراع ــ أو حتى الحرب الشاملة ــ بين إسرائيل و”حزب الله”.

حسابات إسرائيل

السؤال الثالث هو: ما هي حسابات إسرائيل حيال الحرب؟

إسرائيل دوماً استعدت لمعركة واسعة مع “حزب الله”، فدوماً كانت حرب لبنان الثالثة على أجندتها، وبعد فترة وجيزة من هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، كادت إسرائيل أن تشن حربًا وقائية ضد “حزب الله” في جنوب لبنان. 

كان هناك تقديرات استخباراتية إسرائيلية تؤكد بأن مقاتلي “حزب الله” كانوا على وشك عبور الحدود إلى شمال إسرائيل كجزء من هجوم متعدد المحاور، لكن واشنطن أوقفت هذا الهجوم بحسب دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

ووفقاً لمقابلات أجراها المركز مع مسؤولين أميركيين، فقد كانوا قلقين من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى إشعال حرب إقليمية دون داع، وكانوا متشككين في دقة المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، ومنعت واشنطن هذه الحرب.

من ناحية أخرى، فإنه من الصعب على إسرائيل استيعاب الهجمات الصاروخية من “حزب الله”، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تكن إسرائيل لتسمح لـ”حزب الله” إطلاقاً بإطلاق 2000 صاروخ على إسرائيل دون الرد بشكل واسع، ومع ذلك فإن سبب عدم فتح إسرائيل جبهة مع “حزب الله”، هو أن إسرائيل أرادت التركيز في حربها مع “حماس”. 

الحقيقة أن هناك دوافع لدى إسرائيل لبدء حرب مع “حزب الله”، وأهمها هو نزوح الآلاف من الإسرائيليين من الحدود الشمالية إلى الجنوب، وهذا وضع غير مسبوق في تاريخ إسرائيل، والاحتمال الواقعي الوحيد لتغيير هذا الوضع يتلخص في شن عملية عسكرية إسرائيلية عبر الحدود لنقل مقاتلي “حزب الله” شمالاً. 

ولكن مع استمرار القتال في غزة، ومع تصميم الإدارة الأميركية على تجنب المزيد من التصعيد، فليس من الواضح ما إذا كانت القيادة الإسرائيلية ستجد نفسها قادرة على إصدار الأمر بمثل هذه العملية.

وهناك دوافع أخرى داخلية، تتعلق برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تشير بعض التقديرات أنه قد يرغب في توسيع الصراع لأنه محاصر سياسياً، وقد يؤدي توسيع الصراع إلى لبنان إلى كسب المزيد من أصوات اليمين الذي يدفعون نحو الحرب. 

فضلاُ عن إلى جذب الانتباه بعيداً عن الخرق الأمني ​​الهائل الذي أدى إلى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأيضا عدم تحقيق حسم واضح على حركة “حماس” في غزة، الهدف المعلن للحرب، أو حتى استعادة الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة.

هل انهارت قواعد اللعب؟

السؤال الذي طرح يوم الأربعاء 24 نيسان/أبريل بشأن التصعيد هو: ما إذا كانت قواعد الاشتباك قد تغيرت بالفعل. هل من المحتمل أن يدخل الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” مرحلة جديدة؟

على الرغم التوتر عبر الحدود، لا يبدو أن إسرائيل ولا “حزب الله” يسعيان إلى مواجهة شاملة، ومن جانبه، سعى “حزب الله” إلى سلوك مسار دقيق، حيث رد بضربات تقتصر إلى حد كبير على المنطقة الحدودية الإسرائيلية، دون استفزاز رد فعل أكبر بكثير من جانب إسرائيل. 

من جانبه علق المُحلل السياسي، ماجد حبته، قائلاً: المناوشات المحدودة، التي تقوم بها قوات “حزب الله” في منطقة الحدود، لا تتناسب مع قدرات تلك القوات، التي ظل نصرالله يهدّد بها إسرائيل لسنوات، ولا تتسق، أيضًا، مع تهديداته بالتدمير الشامل والكامل، الساحق والماحق، التي لم نجد لها ترجمة على الأرض، منذ سنة 2006 إلا في مناوشات شبيهة بتلك التي تحدث منذ 8 أكتوبر الماضي.

حبته خلال حديثه لـ”الحل نت”، أشار إلى أن حسن نصرالله، كان قد أكد في خطبة الجمعة، أن تطور الأمور في الجبهة الشمالية مرتبط بمسار وتطور الأحداث في غزة وسلوك الجيش الإسرائيلي تجاه لبنان، إلا أن تدخل “حزب الله”، أو ما يوصف بـ”محور المقاومة” إجمالًا، سيظل محدودًا، ولن يتجاوز أقصى نتائجه ما حققته المُسيَّرات والصواريخ، التي أطلقتها إيران على إسرائيل.

ماذا لو اندلعت الحرب؟

في حين لا يبدو أن أياً من الطرفين يسعى حالياً إلى حرب أوسع نطاقاً، فإن فرص سوء التقدير والتصعيد غير المقصود مرتفعة. إن تاريخ الصراع بين إسرائيل ولبنان مليء بالقرارات الخاطئة وسوء الفهم الذي أدى إلى حرب أوسع نطاق، وطالما أن الصراع مستمر في غزة، فإن احتمالات التهدئة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية تظل ضئيلة.

إذا فشل الردع، سواء عن طريق الصدفة أو عن طريق الاختيار، فمن الممكن أن تندلع حرب لا تخطر على بال أحد، وقد تجر خلفها مواجهات متعددة مميتة في الشرق الأوسط.. ما الذي سيحدث؟

في الحرب، إسرائيل تريد أن تمنع ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وذلك من خلال ملاحقة قدرات “حزب الله” الصاروخية والطائرات بدون طيار ومحاولة دفع مقاتلي الحزب بعيداً عن الحدود، ربما إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني، حيث استعدت إسرائيل لهذه العمليات منذ سنوات؛ فجمعت المعلومات الاستخباراتية عن مواقع صواريخ “حزب الله” والطائرات بدون طيار.

وقد تقوم إسرائيل بعد ذلك بغزو لبنان بعدة فرق (استخدمت أربع فرق في غزة، حيث تتطلب التضاريس الحضرية الكثيفة قوة بشرية كبيرة)، سعياً إلى كشف وتدمير الأنفاق ودحر مقاتلي “حزب الله” إلى الجانب الآخر من نهر الليطاني. ورغم أن جنوب لبنان ليس مكتظا بالسكان مثل غزة، إلا أنه من المرجح أن بعض القتال قد يشمل حرب مدن.

“حزب الله” من جانبه، سيرد بعدة طرق، فستقوم قواته بشن هجمات تشبه حرب العصابات على المستوطنات القريبة، وباستخدام شبكة أنفاق واسعة النطاق ومواقع دفاعية جيدة الإعداد بالقرب من الحدود الإسرائيلية، مستفيدة من التضاريس الوعرة هناك، حيث سيحاول “حزب الله” شن هجمات عبر الحدود، وكذلك ربما التسلل البحري من أجل ضرب إسرائيل مباشرة.

بالإضافة إلى ذلك، سيستخدم “حزب الله” ترسانته الصاروخية والضخمة لمهاجمة إسرائيل، مما يؤدي إلى إرباك الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية وضرب أهداف في جميع أنحاء البلاد.

التوقعات تفيد بأنه سيكون هناك خسائر بشرية من الجانبين، لكن عدد اللبنانيين الذين سيقتلون سيكون أكبر بكثير من عدد الإسرائيليين، كما أن إسرائيل ستتكبد خسائر كبيرة في بنيتها التحتية العسكرية والمدنية.

ومن المرجح أن هذه الحرب ستتوسع في مرحلة ما، حيث ستشارك تنظيمات مرتبطة بإيران بطريقة أكثر تنسيقاً بكثير من الهجوم الإسرائيلي على “حماس”، حيث يتمتع الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، بعلاقات شخصية قوية مع الجماعات الأخرى المرتبطة بإيران، مما يرفع من احتمالية مشاركتهم.

سيؤدي التصعيد الإقليمي الأوسع إلى المزيد من الهجمات من قبل حلفاء إيران ضد القوات الأميركية المتمركزة في العراق والأردن وسوريا، والتي قد تؤدي بدورها إلى ردود فعل أكثر فتكا من جانب الولايات المتحدة.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية