الأديب الجزائري أشرف مسعي لـ "حفريات": نعاني من داء الأيديولوجيّات

الأديب الجزائري أشرف مسعي لـ "حفريات": نعاني من داء الأيديولوجيّات


11/02/2021

أجرى الحوار: كامل الشيرازي 

يؤكد الأديب الجزائريّ أشرف مسعي؛ أنّ بلاده "لا تعاني من أزمة هوية، بل تشكو داء الأيديولوجيات المقيتة"، وفي حديث خاص لـ "حفريات"، يتهّم مبدع مجموعة "خطيئة قديس" ما يسمّيها "جماعات سياسية معينة مسلحة بـــ "أصحاب الرساميل" بالبحث عن "إشعال نار الفتنة بين أطياف الشعب الجزائريّ.

وأشرف مسعي ابن محافظة تبسة (586 كيلومتراً شرق الجزائر العاصمة).

تراجع المقروئية عائد للحالة الاجتماعية أولاً، فالمواطن البسيط في رحلة بحث عن لقمة العيش، لا يجد وقتاً، ولا متنفساً للاطلاع على المستجدات الثقافية

وُلد ببلدية صفصاف الوسرى، في الثامن من نيسان (أبريل) 2001.

وهو الآن بصدد تحضير شهادة "الليسانس" في اللغة والأدب العربي، وكان أصدر مجموعة "خطيئة قديس" تتضمّن 38 نصّاً كافكاوياً.

هنا تفاصيل الحوار:

انطوى اشتغالكم الجديد "خطيئة قديس" على تشكيلة من الأسئلة الفلسفية الكافكاوية؛ ما ارتسام ذلك عندكم؟ وما صلة ذلك بما يطرَح عن أزمة الهوية المزمنة في الجزائر؟

وُلد التفلسف من رحم "الحيرة"، وعليه؛ فإنّ الدهشة هي التي دفعت الإنسان للتفلسف وركوب قوارب السؤال إلى المعرفة، والفلسفة ناتجة عن عدم اقتناع بالأجوبة المألوفة والمتداولة والمعروفة، وبما أنّ النفس البشرية فضولية بطبعها والسبيل الوحيد لإشباع هذا الفضول هو التفلسف وبالأحرى السؤال...

الجزائر لا تعاني من أزمة هوية؛ بل من داء الأيديولوجيات المقيتة، التي تتسبب فيها جماعات سياسية معينة برفقة "أصحاب الرساميل"، وغايتهم إشعال نار الفتنة بين أطياف الشعب.

مسعي: كتبت خطيئة قديس متأثراً بالفكر الكابوسي الكافكاوي

حدّثنا عن علاقتك بكافكا ودواعي إمعانك في التعاطي معه على منوال طرحتموه في "38 نصاً فلسفياً كافكاوياً ساخراً"؟

كتبت خطيئة قديس، متأثراً بالفكر الكابوسي الكافكاوي، باحثاً في مغاور النفس الإنسانية عن الحقيقة المطلقة، تلك النفس الزاخرة بالمتناقضات، بالأحلام والآلام والآمال، فرُحت أجوب شوارعها بطرح السؤال بحثاً عن حقيقتي.

نعم، أجدني فيما يكتب كافكا؛ كتاباته هي الإنسان الذي حصره في "أناه"؛ بالحفر والنبش في باطن النفس البشرية، أي أنّها عينة من عينات الذات الإنسانية، ومن خلالها يمكن استقراء متناقضاتها.

ماذا تخطّط من وراء التورّط في ما هو فلسفي؟ ولما الإيغال في التفلسف؟ وهل من اتجاه في المستقبل حول هذا المنحى؟

الغاية من التوغّل في كلّ ما هو فلسفي، هي محاولة للتجديد وخلق نصّ جديد يحاكي نصّاً قديماً، بروح فكريّة أعمق، والتخلّص والتملّص من النمطيّة المعهودة؛ أي أنّني أستلهم من الجواب أسئلة فرعيّة وأخوض فيها من زاوية فلسفيّة معيّنة، رغبة في إحياء النصّ القديم.

كيف ترى الأدب الجديد في الجزائر؟ وما مقاربتكم للممارسة الإبداعية لدى طلائع الجيل الجديد؟  

الأدب الجديد في الجزائر، في السنوات الأخيرة، يعرف قفزة ونهضة فكرية نوعية؛ فقد اكتسحت النصوص الإبداعية الشبابية الساحة الثقافية والأدبية، فمنهم من انتهج نهج المدرسة الكلاسيكية (مقلدون)، ومنهم من راح يبحث عن مواضيع جديدة لم يسبق الخوض فيها، وهذا هو الكاتب الذكي، برأيي، فالكتابة تجديد وصناعة وخلق للنصّ.

كيف تتصوّرون سبل إصلاح الوضع الثقافيّ في الجزائر، بعد أن وصل القطاع، بحسبكم، إلى "أقصى درجات البؤس والانهيار"؟

 السبيل الوحيد لإصلاح الوضع الثقافي في الجزائر هو تسليم المشعل للشباب المبدع، وإعادة بعث مشاريع ومسابقات ثقافية جديدة تشجّع التجارب الشبانية، وترك الكراسي لوجوه ثقافية جديدة بوسعها إثراء المشهد الثقافي، والمرور من الثقافة المستهلكة إلى الثقافة المنتجة.

فرانس كافكا

لطالما نادى متابعون بإحياء الثقافة وابتعاث الحياة الإبداعية في الجزائر عبر ترسيخ معالم صناعات ثقافية شاملة ومستدامة؛ كيف يمكن تجسيد هذا التصوّر؟

الثقافة هي المرآة العاكسة لحياة الشعوب، والثقافة الجزائرية معروفة بتنوعها واختلافها، فلكلّ شبر من التراب الوطني طقوس ثقافية خاصة به، وهذا التنوع التضاريسي الثقافي يجعل من هذه الأخيرة مورداً اقتصادياً مهماً، إذا عملنا على الإنتاج الثقافيّ، وهذا مجردّ مثال بسيط على ذلك: إنتاج الأفلام السينمائية والوثائقية المشجعة على السياحة.

ما مقاربتكم لراهن الكتابة الإبداعية في الجزائر؟ ماذا عن التحولات الطارئة نمطياً وموضوعاتياً، وأسئلة الرواية الجزائرية في سائر المنعطفات من الكلاسيكية إلى أنساق التجريب المختلفة تاريخياً وواقعياً؟

الطقس الإبداعيّ في الجزائر يخضع، كذلك، للمتغيرات الطارئة على الساحة الاجتماعية والسياسية؛ فهو متذبذب ومتغير بتغيرها، فالمبدع ابن بيئته، يعالج مشكلاتها، بحسب رؤيته، فعليه أن يواكب هذه المتغيرات التي ستنعكس فيما بعد على كتابته الأدبية نمطياً وموضوعاتياً.

ما موقفكم من السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر، وكيف تتصوّرون أفق الانبعاث على نحو مغاير؟ 

البيئة الثقافيّة الجزائريّة ملوّثة وتكرّس للنظام الرداءة والتفاهة والسفاهة والبلاهة؛ فهناك بعض المحسوبين على الثقافة ينصّبون أنفسهم آلهة عليها، فالفساد السياسيّ مسّ حتى الساحة الثقافية؛ فالمبدع الحقّ يعاني من المحسوبية والبيروقراطية الممنهجة ضدّه، فالدعوات الثقافية اليوم توجّه (الفنان) في الجزائر لأداء ما تشتهر محلياً بــ "أغاني الواي واي"، ويلبس سروالاً ممزّقاً، أما المبدع فتوجّه له دعوة في حالة فوزه بجائزة خارج الوطن، فهذا إن دلّ فإنّه يدلّ على الهوية الثقافية المشوّهة، أما المثقف الجزائري فما يزال يتخبّط في مسألة الجهويات وسفاسف الأمور .

هل هناك أزمة نخب في الجزائر؟ وما صحة انعزالها عن السياق العام؟

النخب الثقافية ليست منعزلة عن السياق العام، لكنّها ترفض الخوض والدخول في بيئة اجتماعية ملوثّة، بفكر هجين مستورد من الغرب، يجب على المثقف أن يبحث بدوره عن وسائل وآليات تمكّنه من إيصال أفكاره وتوجهاته وعرضها على الجميع.

الطقس الإبداعيّ في الجزائر يخضع للمتغيرات الطارئة على الساحة الاجتماعية والسياسية

ما المسافة الفاصلة، الآن، بين الثقافة والشارع الجزائري؟ هل هي أزمة هوية أم مرجعيات؟ وفي أيّ سياق تقحمون تراجع المقروئية؟ 

هوّة شاسعة تفصل بين المثقف والشارع الجزائري فالمواطن الجزائريّ يعزف عن استهلاك المنتوج الثقافيّ الجزائريّ، ومن أهم العوامل التي تسبّبت في ذلك غياب الترويج للمادة الثقافية؛ حيث راح المواطن يستهلك كلّ ما هو مستورد من الغرب ومن المشرق، فكيف أقنع شاباً جزائرياً بأنّ الرداء المحلي الأصيل "القشابية"، واللباس العريق "البرنوس الجزائري" أفضل بكثير من سروال ممزق مستورد؟ وكيف أقنع فتاة في سنّ العشرين بأنّ مشاهدة فيلم جزائري أفضل من مشاهدة مسلسل تركي؟

مسعي: العقلية الثقافية الجزائرية مشوّهة وتدلّ على تمزّق وتميّع وتشوّه الهوية الثقافية للفرد الجزائري، وقد ساهم الإعلام سلباً في الترويج الثقافة المستوردة

العقلية الثقافية الجزائرية مشوّهة وتدلّ على تمزّق وتميّع وتشوّه الهوية الثقافية للفرد الجزائري، وقد ساهم الإعلام سلباً في الترويج الثقافة المستوردة وغياب جودة البديل المحلي أيضاً.

تراجع المقروئية راجع للحالة الاجتماعية أولاً، فالمواطن البسيط في رحلة بحث عن لقمة العيش، لا يجد وقتاً، ولا متنفساً للاطلاع على المستجدات الثقافية، ويجد نفسه محتاراً بين شراء كتاب وشراء المستلزمات الضرورية للعيش، لكن في الآونة الأخيرة هناك بعض المبادرات الخاصة التي تشجّع على المطالعة والقراءة؛ كالنوادي والمقاهي الأدبية التي تدفع بالفرد للمطالعة، لكنّها تبقى نادرة.  

ما مقاربتكم للواقع الإبداعي في الوطن العربي وسط السجالات بين ثقافة الورق والثقافة الإلكترونية؟ وماذا عن ارتسامات الخريطة الإبداعية العربية من حيث بنية الفكر والوعي والفاعلية؟

في ظلّ عصر العولمة، الحركة الثقافية العربية معطّلة، ونحن هنا لا نتحدث على العولمة كمفهوم اقتصادي فقط، بل كمفهوم مؤثر في القطاع الثقافي أيضاً؛ لذلك وجب علينا أن نواكب هذا التطور الرهيب، فنحن نعيش عصر الرقمنة على جميع الأصعدة والميادين، وهي السبيل الوحيد لحفظ الموروث الثقافي العربي من الاندثار؛ فحياتنا اليوم أصبحت عبارة عن بطاقة لحفظ الذاكرة؛ لذلك علينا أن نروّج لمنتوجنا الثقافي، والتكنولوجيا تتيح وتضمن لنا ذلك؛ لذلك وجب علينا مسايرة عصر السرعة، والمرور من الاستهلاك والاستيراد إلى الإنتاج والتصدير الثقافي، فعلينا اليوم أن نستثمر في الفكر والإنتاج الثقافي بلمسة عصرية إلكترونية لنضمن استمرارية الحياة الثقافية العربية.

ما الكيفية لإيصال ثقافتنا، نحن كعرب، بتنوّعها واختلافها، إلى الغرب؟

إنّ السبيل الوحيد لإيصال ثقافتنا، نحن كعرب، بتنوّعها واختلافها إلى الغرب، هو إحداث تنمية ثقافية داخلية شاملة، مغاربياً ومشرقياً وعربياً، وإعادة بعث الموروث الثقافي بلمسة عصرية، والانفتاح على الأسواق الثقافية العالمية، وخلق سوق للاستثمار الثقافي، إضافة إلى غزارة الإنتاج، وكما ذكرت سابقاً؛ يجب أن يكون للثقافة دورها في تحريك العجلة الاقتصادية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية