إغلاق إذاعة "بي بي سي" العربية.. تحول إلى الرقمنة أم تراجع في القوة الناعمة؟

إغلاق إذاعة "بي بي سي" العربية.. تحول إلى الرقمنة أم تراجع في القوة الناعمة؟

إغلاق إذاعة "بي بي سي" العربية.. تحول إلى الرقمنة أم تراجع في القوة الناعمة؟


04/10/2022

في قرار صادم، أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم الخميس الماضي، أنّها تخطط لإلغاء العديد من خدمات "بي بي سي" العالمية؛ ما يعني أنّ ما يقرب من 400 موظف سوف يفقدون وظائفهم.

هذه الخطوة التي ستؤدي إلى توقف 382 شخصاً عن العمل، هي جزء من برنامج لخفض التكاليف والانتقال إلى المنصات الرقمية.

وقالت هيئة الإذاعة البريطانية إنّها اضطرت إلى اتخاذ خيارات صعبة، في أعقاب ارتفاع رسوم الترخيص المستمر، وارتفاع معدلات التضخم.

التحول الرقمي

تم إطلاق "بي بي سي" عربية كخدمة إذاعية، في 3 كانون الثاني (يناير) 1938، وتمّ تغيير علامتها التجارية، لتصبح تحت اسم الخدمة العالمية في العام 1965، وقد تمّ تمويلها بالكامل من قبل حكومة المملكة المتحدة حتى العام 2014، وخلال هذه الفترة نمت لتصبح خدمة وسائط متعددة ومتاحة على التلفزيون والراديو وعبر الإنترنت وعبر الأجهزة المحمولة، على مدار 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وتصل خدمتها إلى 43 مليون شخص أسبوعياً.

أحمد كمال سرور، أول مذيع في بي بي سي العربية يقرأ النشرة في عام 1938

ارتبطت "بي بي سي" عربية في ذهن المستمع العربي، بأصوات المذيعين وخبراء التحليل السابقين والحاليين أمثال: سامي حداد، ومنير عبيد، وسلوى الجراح وغيرهم، وعبر أكثر من 80 عاماً من البث، ناقشت الإذاعة قضايا الراهن، وعاصرت الصراعات الكبرى في المنطقة، وكذا قضايا التحرر الوطني، وكافة أوجه الشأن العربي، لتغطي القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، وتقدم أخباراً دقيقة تهم جمهورها المتنوع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستمرت "بي بي سي" عربية في ابتكار وإنشاء محتوى خاص للجماهير الأصغر سناً والنساء؛ حيث تمّ إطلاق مسلسلات وبرامج إذاعية جديدة لمنطقة الخليج وشمال أفريقيا، وبثت المسلسلات الرقمية الأولى، التي سلطت الضوء على مواضيع لا تغطيها وسائل الإعلام الأخرى في المنطقة.

ثروت حنفي: التحول الرقمي لا يلغي بالضرورة البث الإذاعي، فالتليفزيون حينما ظهر استمرت الإذاعة، ولم يغن الكتاب الإلكتروني عن الكتاب الورقي، لكنه هرم الأولويات، وتدخل لغة المال في مسار الإعلام

 

أعلنت "بي بي سي" عربية عن توقف بثها، والذي شمل أيضاً توقف البث بالفارسية، وقالت ليليان لاندور، مديرة خدمة "بي بي سي" العالمية، إنّ الإذاعة وضعت خططاً لتسريع عروضها الرقمية، وزيادة التأثير على الجماهير في جميع أنحاء العالم، يدعم هذا إستراتيجية "بي بي سي"، التي تمّ الإعلان عنها في وقت سابق من هذا العام؛ لإنشاء مؤسسة رقمية حديثة ومبسطة تحقق أكبر قيمة، وتقدم المزيد للجماهير.

لاندور بررت توقف البث بالعربية والفارسية، مؤكدة أنّ ذلك جاء بداعي تغير احتياجات الجمهور، مع وصول المزيد من الأشخاص إلى الأخبار رقمياً، وأنّ القرار يتماشى كذلك مع المناخ المالي الصعب، حيث أدّى التضخم المرتفع، والتكاليف المرتفعة، وتسوية رسوم التراخيص إلى خيارات صعبة لهيئة الإذاعة البريطانية، لافتة إلى أنّ خدمات "بي بي سي" الدولية تحتاج إلى توفير نحو 28.5 مليون جنيه إسترليني، كجزء من المدخرات السنوية، كما أنّ هناك حاجة لنحو 500 مليون جنيه إسترليني؛ لجعل "بي بي سي" رقمية، وعليه فإنّ هناك مقترحات بإغلاق المزيد من الأقسام، وانتقال سبع خدمات لغوية أخرى إلى الخدمات الرقمية فقط، وهذا يعني أنّ ما يقرب من نصف جميع خدمات اللغة الـ 41 ستكون رقمية فقط.

تحول راديو سوا-المشرق مع مطلع الأول من تشرين الأول الجاري، إلى العالم الرقمي، ليغادر موجات الـ FM، مع الإعلان عن قرب إطلاق تطبيق مجاني جديد للهواتف المحمولة

 

وتقول مديرة الخدمة العالمية، ليليان لاندور في تصريحات نقلها موقع "بي بي سي" بالإنجليزية: "لم يكن دور الـ"بي بي سي" أكثر أهمية من أيّ وقت مضى في جميع أنحاء العالم، تحظى "بي بي سي" بثقة مئات الملايين من الأشخاص؛ للحصول على أخبار عادلة ونزيهة، خاصّة في البلدان التي تعاني من نقص في المعلومات، نحن نساعد الناس في أوقات الأزمات، سنستمر في تقديم أفضل محتوى للجمهور باللغة الإنجليزية، وأكثر من 40 لغة". وأضافت: " تتغير الطريقة التي يصل بها الجمهور إلى الأخبار والمحتوى، ويتزايد التحدي المتمثل في الوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم".

تراجع القوة الناعمة

أعلنت الـ"بي بي سي" عن توقف بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية، في ظل الخطط الجديدة، بالإضافة إلى توقف إذاعة "بي بي سي" عربية، وراديو "بي بي سي" بالفارسية، ومن جهة أخرى فسوف تستمر الخدمة الإذاعية في دول مثل: روسيا، وأوكرانيا، وأفغانستان؛ لتغطية الأخبار الحيوية؛ باستخدام منصات البث والتوزيع المناسبة، كما سيستمر البث بالإنجليزية على مدار 24 ساعة، في جميع أنحاء العالم، على أن يتم تحديد بعض الجداول والبرامج الجديدة في الوقت المناسب.

لاندور بررت توقف البث بالعربية والفارسية، مؤكدة أنّ ذلك جاء بداعي تغير احتياجات الجمهور

ويرى الإعلامي المصري بالقنوات الإقليمية، ثروت حنفي، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ تقلص القوة الناعمة لبريطانيا أصبح أمراً واقعاً، تفرضه الظروف الاقتصادية والسياسية حول العالم، فمع تخلي الحكومة عن تمويل هيئة الإذاعة البريطانية، وجهت الحرب الروسية الأوكرانية، ضربة للمستثمرين في هذا الكيان التاريخي، بما أحدثته من أزمة مالية كبيرة، بالإضافة إلى تداعيات انتشار فيروس كوفيد -19، كلّ هذا أدى إلى اتخاذ القرار بتوقف البث للشرق الأوسط وإيران، في دلالة على تراجع الاهتمام السياسي بالمنطقة من قبل بريطانيا، وتغير أولويات السياسة الخارجية.

ليليان لاندور: تتغير الطريقة التي يصل بها الجمهور إلى الأخبار والمحتوى، ويتزايد التحدي المتمثل في الوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم

 

ويرى حنفي أنّ التحول الرقمي لا يلغي بالضرورة البث الإذاعي؛ فالتليفزيون حينما ظهر استمرت الإذاعة، ولم يغن الكتاب الإلكتروني عن الكتاب الورقي، لكنه هرم الأولويات، وتدخل لغة المال في مسار الإعلام، ما يعني أنّنا بصدد تحولات كبرى، مع تغير موازين القوى العالمية.

راديو "سوا" يغادر إلى العالم الرقمي

من جهة أخرى، تحول راديو سوا-المشرق مع مطلع الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، إلى العالم الرقمي، ليغادر موجات الـ FM، مع الإعلان عن قرب إطلاق تطبيق مجاني جديد للهواتف المحمولة بدلاً من الحالي.

من جهته، علّق رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال MBN بالوكالة، حسان الشويكي على ذلك قائلاً في تصريحات نشرها موقع "سوا": "بما أنّ الشباب تحت سن الـ 35 عاماً، يشكلون 60 في المئة من سكان العالم العربي، فإنّ هذا التحول يشكل عنصر جذب يسمح بالتفاعل مع الجيل الجديد، الذي بات يتلقى الأخبار رقمياً، ويستمع إلى المحتوى الإذاعي رقمياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية