هدنة طرابلس الهشة: صراع مفتوح بين الجميع وتحريض دار الإفتاء على قوات الردع

هدنة طرابلس الهشة: صراع مفتوح بين الجميع وتحريض دار الإفتاء على قوات الردع

هدنة طرابلس الهشة: صراع مفتوح بين الجميع وتحريض دار الإفتاء على قوات الردع


02/07/2025

رغم ملامح الهدنة التي تفرض نفسها على أحياء العاصمة الليبية طرابلس، والتي تتزامن مع بعض الإجراءات التي يشرف عليها المجلس الرئاسي، فإنّ ثمة مخاوف من اشتعال الأزمة مرة أخرى ضد بعض القوى العسكرية، لا سيّما قوات الردع بقيادة عبد الرؤوف كاره، حيث تبرز تلك المخاوف مع غياب أفق يخترق الأزمة السياسية في ليبيا ويعالج انسداداتها المزمنة طوال الأعوام الأخيرة. 

ملامح هدنة هشة تخيّم على طرابلس

تعكس هذه الهدنة حالة هدوء حذر بين التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس أكثر من كونها تسوية واقعية للوضع السياسي والأمني، خاصة أنّ إجراءات المجلس الرئاسي تظل محدودة الأثر ما لم تندرج ضمن عملية سياسية وطنية واسعة وعميقة تقوّض تعددية الشرعيات وتعمل بجد نحو توحيد المؤسسات الأمنية والسياسية والمناصب التنفيذية، الأمر الذي يعمّق هشاشة الوضع ويجعل الشارع الليبي أكثر فقدانًا للثقة بكل الأجسام القائمة، وهو ما يجعل هذا الهدوء الظاهر مرشحًا للانهيار في أيّ لحظة ما لم يتحقق توافق حقيقي يعالج جذور الانقسام ويعيد بناء الدولة.

"الهدنة في طرابلس تبدو هشة إلى حدّ كبير، ولم تنتج عن تسوية سياسية بل عن مواءمات لحظية بين أمراء السلاح."

في هذا السياق، قال المحلل السياسي عثمان بركة إنّه يمكن القول إنّ الهدنة في طرابلس تبدو هشة إلى حد كبير. وتابع بركة حديثه لـ (حفريات) مشددًا على أنّه ينبغي أن نفهم جيدًا أنّ توقف إطلاق النار لم ينتج عن عمل سياسي معلن ولا عن تسوية تهدف إلى الاستقرار وديمومته، وإنّما ما حدث ـ بتقديره ـ هو مواءمات لحظية بين أطراف تتقاسم النفوذ في العاصمة طرابلس.

عثمان بركة: الهدنة ليست نتاج تسوية بل مواءمات لحظية بين أمراء السلاح

ولفت إلى أنّ عوامل التوتر البنيوي، سواء تلك المرتبطة بتداخل الأجهزة الأمنية مع الكتائب المسلحة أو بخلافات المصالح الاقتصادية، ما تزال قائمة وقادرة على تفجير المواجهات في أيّ لحظة.

وأشار إلى أنّ الجميع، في اعتقاده، لا يتفق مع الجميع، كما أنّهم لن يواجهوا بعضهم بعضًا؛ لأنّ كلًّا منهم لا يضمن الانتصار لجماعته. وبيّن أنّ هناك مسميات تشكّل حصان طروادة ضد الوطن، وهذا الوصف ينطبق على جماعة الصادق الغرياني، فمواجهة قوات الردع ما هي إلا ذريعة من أجل خلق الفوضى داخل العاصمة فقط.

ورجح أنّ العاصمة طرابلس ـ حسب ظنه ـ لن تشهد حربًا، ولن تنعم بالاستقرار، وستستمر هذه الحال الفوضوية.

ثلاثة عوامل تحافظ على تهدئة مشروطة في العاصمة

وبالسؤال حول أبرز الاعتبارات التي تضع الاستقرار الميداني في طرابلس نحو التمركز والاستمرار؟

أجاب الكاتب الليبي عثمان بركة: إنّ هناك ثلاثة اعتبارات رئيسية:

أوّلًا: التوازن بين كافة التشكيلات المسلحة، الذي يجعل كلّ طرف حذرًا من الإقدام على خطوات قد تعمّق الانزلاق نحو أعمال عسكرية.

ثانيًا: الضغط الدولي والإقليمي على القيادات الفاعلة في الداخل الليبي لتجنب انزلاق واسع قد يهدد ما تبقى من العملية السياسية.

ثالثًا: شبكات المصالح الاقتصادية والمالية التي خلقت حالة اعتماد متبادل بين بعض الأطراف، ممّا يدفعها نحو إبقاء التهدئة ولو بشكل مؤقت.

وحول هيئة  قرارات المجلس الرئاسي والحكومة، وهل تدعم أطر الهدنة؟

شدد بركة على أنّ قرارات المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية تسهم إلى حدّ معيّن في دعم الهدنة شكليًا، لكنّها غالبًا تتسم بالطابع الإجرائي أكثر من كونها معالجة جذرية. فهي تحاول إدارة التوازن بين المجموعات المسلحة دون المساس بمراكز نفوذها الحقيقية. لذلك فإنّ الدعم الذي توفّره هذه القرارات محدود في العمق، وإذا لم يقرن بخطوات لإصلاح القطاع الأمني، فإنّ فعاليته ستبقى نسبية وهشة.

دار الإفتاء في مواجهة قوات الردع وسجن معيتيقة

وبسؤاله هل حقيقةً يحفّز تيار دار الإفتاء ضدّ قوات الردع وسجن معيتيقة؟

أشار عثمان بركة  المحلل السياسي الليبي إلى أنّ هناك مؤشرات متكررة على وجود مواقف نقدية صريحة من بعض الشخصيات المحسوبة على تيار دار الإفتاء تجاه دعم قوات الردع وإدارة سجن معيتيقة، بحجة الخروقات الحقوقية واتهامات بتجاوزات ضد المدنيين. وبيّن أيضًا أنّ فهم هذا الموقف لا يكون إلا من خلال دعم تيار دار الإفتاء لإرادة حكومة الدبيبة".

"غياب الثقة بين أطراف الحكم في العاصمة، يجعل أيّ توافق هشًا، ويكرّس الفوضى والانقسام على حساب الدولة والمواطن."

قال الصادق الغرياني، مفتي المؤتمر الوطني العام المعزول من البرلمان: إنّ الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة في البلاد تستدعي خروج الليبيين إلى الميادين للمطالبة بالعدالة وحماية الثروات ورفع المظالم. وخلال ظهوره في برنامج "الإسلام والحياة" على قناة (التناصح) التابعة له، دعا الليبيين إلى الخروج "بالآلاف المؤلفة" للتنديد بما وصفه بـ "تخاذل المجالس"، مؤكدًا ضرورة حفظ ثروات البلاد ونشر العدالة وفتح السجون التي يُحتجز فيها من وصفهم بالمظلومين، في إشارة إلى سجن يديره جهاز الردع ويضم الآلاف من المتهمين بقضايا الإرهاب.

وأضاف الغرياني أنّ "جهاز الردع لا يحترم القانون، ويعذّب السجناء، ويفعل بهم ما نراه على مدى سنوات"، مشددًا على ضرورة أن "تخرج السجون من تحت سيطرة وهيمنة من وصفهم بـ "الظلمة"، وأن تكون تحت سلطة قانونية مسؤولة تُحاسب.

وأشار إلى أنّ الاشتباكات الأخيرة في العاصمة تسببت في مقتل وجرح عدد من السجناء، قائلًا: "لو كان هؤلاء الناس في سجون تابعة للدولة، لما حدث لهم هذا".

وجدير بالذكر أنّ تصريحات الغرياني جاءت بعد ساعات من حديث عبد الحميد الدبيبة، خلال اجتماع جمعه مع قيادات من وزارة الداخلية، أكد فيه على ضرورة الاحتكاك مع "الميليشيات" ورفضه لبقائهم، وأنّ المكان لا يتسع لهم معًا، في تلميح إلى جهاز الردع.

وقال الدبيبة خلال الاجتماع: "الحمد لله على سلامتنا بعد ما حدث في السابق"، في إشارة إلى الاشتباكات الأخيرة في العاصمة، مضيفًا: "ندعو الله أن يسلمنا فيما هو قادم".

عادل الفايدي: المجلس الرئاسي وُلد ميتًا وسط انقسامات وصراعات مريرة

من جانبه، وصف الدكتور عادل الفايدي، عضو المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، الهدنة بأنّها هشة.

واستطرد، في سياق تصريحاته لموقع (حفريات)، قائلاً: إنّ ذلك يأتي وسط انقسامات وصراعات على المال والسلطة، بالإضافة إلى اختلاف المشارب والمرجعيات بين جهات السيطرة". وأضاف: "الأهمّ في تقديري هو عنصر انعدام الثقة بين أطراف الحكم في العاصمة طرابلس، فضلًا عن ضعف الجيش أمام الجماعات المسلحة التي تفوقه عُدّةً وعتادًا."

"قرارات المجلس الرئاسي تتسم بالطابع الإجرائي، ولا تمسّ مراكز النفوذ، ما يجعل تأثيرها شكليًا ومحدودًا في عمق الأزمة."

وبيّن الفايدي أنّ المجلس الرئاسي وُلد ميتًا، بصلاحيات بروتوكولية محدودة ومهام إدارية تُعنى بإدارة الوجاهة وتمثيل الدولة على حدّ قوله، وسط انعدام وجود جسم يسيطر بشكل مطلق، أو بسبب خلافات الأطراف الخارجية التي تتحكم بالجماعات المسيطرة في الداخل. وأكد أنّ حالة الضعف التي يعاني منها المجلس، والشكل الساخر الذي أصبح عليه، وانقسامه على نفسه وعدم توافق أعضائه لا فكريًا ولا تنظيميًا، يجعله أكثر هشاشة وينعدم معه أيّ تأثير فعلي.

وأضاف: "وجود المجلس في العاصمة يضعه في مواجهة مع دار الإفتاء المهيمنة على الحكومة، والجماعات الإسلامية وميليشياتها التي تجمع بين المال والسلاح."

لا أمل في هدنة مستقرة دون توافق جامع أو ثورة شعبية حقيقية

وصف الفايدي عضو المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية الوضع الحالي في العاصمة طرابلس بأنّه يشهد العديد من التحركات الشعبية التي ترقى إلى مستوى الانتفاضة في أحياء المدينة، وذلك بهدف العمل على إسقاط الحكومة. وأشار إلى التحركات الميدانية أمام مقر البعثة الأممية وتهديدها في حال أصبحت أداة ضد إرادة الشعب الليبي، فضلًا عن التوجه نحو مجمع "مليته" النفطي الذي يغذي إيطاليا عبر أوروبا وإغلاقه احتجاجًا على دعم إيطاليا لحكومة عبد الحميد الدبيبة.

وختم بالقول: "لا ضامن لنجاح أيّ هدنة في ظل تضارب مصالح الخارج وتدخلاته، وضعف البعثة الأممية المتعمد لخدمة مصالح الدول المهيمنة. لا أمل في هدنة في ظل هذه المعطيات والأسباب إلّا بمعجزة إلهية، أو بجيش يحظى بالتوافق والإجماع، ومدعوم بحاضنة جماهيرية، أو ثورة شعبية عارمة تحتاج إلى قيادة تصنع الحدث وتقوده."




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية