الإخوان والغرب: قلق وأخطار

الإخوان والغرب : قلق وأخطار

الإخوان والغرب: قلق وأخطار


10/06/2025

منذ نشأتهم في مصر في عام 1928 على يد حسن البنا، تبنت جماعة الإخوان المسلمين هدفًا رئيسيًا يتمثل في إعادة بناء "الخلافة الإسلامية" وتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة جوانب الحياة. ورغم أن جذور الحركة في الشرق الأوسط، إلا أن الإخوان لم يقفوا عند حدود العالم العربي. على العكس، سعت الجماعة بنجاح إلى تصدير أفكارها إلى الغرب، حيث تمكنت من تأسيس شبكات قوية في أوروبا وأمريكا الشمالية مستغلة المساحات الديمقراطية والحقوق المدنية لتعزيز نفوذها.

هذه الشبكات، وإن كانت تبدو للوهلة الأولى كأنها تعمل في إطار سلمي وقانوني، تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا على استقرار المجتمعات الغربية. فالإخوان، من خلال بناء مجتمعات موازية، استخدام خطاب مزدوج، وتهيئة البيئة الفكرية للتطرف، يشكلون تهديدًا لا يقتصر على الحاضر فحسب، بل يمتد إلى الأجيال المقبلة. لفهم هذا الخطر بشكل دقيق، يجب التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: النفوذ الثقافي والاجتماعي، الاستراتيجية السياسية، والعلاقات مع التطرف والإرهاب.


لطالما كان الهدف الرئيسي للإخوان هو إرساء قواعد مجتمع إسلامي يلتزم بالشريعة. في الغرب، استغلت الجماعة الهجرة الإسلامية الكبيرة لتعزيز وجودها داخل الجاليات المسلمة، خاصة في دول مثل فرنسا، بريطانيا، وألمانيا. قام الإخوان بتأسيس مؤسسات تعليمية ودينية تهدف إلى نشر أفكارهم بين الشباب المسلم، مستغلين الفراغ الذي يعاني منه هؤلاء الشباب في المجتمعات الغربية.

*فرنسا، التي تضم واحدة من أكبر الجاليات المسلمة في أوروبا، تعتبر مثالًا بارزًا على نجاح الإخوان في بناء مجتمعات موازية. في المدن الكبرى مثل باريس ومرسيليا، يعمل الإخوان من خلال المساجد والمدارس الإسلامية لنشر رؤيتهم عن "الأمة الإسلامية". يروجون لفكرة أن المسلمين يجب أن يبقوا متمسكين بهويتهم الدينية والثقافية، متجنبين الاندماج الكامل في المجتمع الفرنسي الذي يعتمد على العلمانية. الباحث **جيل كيبل* أشار في دراساته إلى أن الإخوان يعتمدون على تكوين شعور بالعزلة الدينية والثقافية بين الجاليات المسلمة، مما يؤدي إلى خلق بيئة خصبة للتطرف.

النتيجة هي أن العديد من الشباب المسلم في فرنسا ينشأون في بيئات لا تشجع على الانفتاح على المجتمع الأكبر، بل تدفعهم نحو رفض القيم الغربية مثل الديمقراطية، العلمانية، وحقوق المرأة. يضيف كيبل أن هذه البيئات تعتبر "حاضنة" للتطرف الفكري الذي قد يتطور لاحقًا إلى أعمال عنف.


في حين أن الإخوان يقدمون أنفسهم كحركة إسلامية معتدلة تعمل ضمن إطار القانون في الدول الغربية، فإن الواقع يعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق نفوذ سياسي يمكنهم من التأثير على القرارات والسياسات الداخلية. يسعون في الغرب إلى استغلال الحريات المدنية والدينية لضمان وجودهم في مواقع التأثير. 

في *بريطانيا، على سبيل المثال، أسس الإخوان منظمات مثل **Muslim Association of Britain (MAB)* و*Islamic Relief*، التي تستخدم كواجهات للعمل السياسي والدعوي في نفس الوقت. هذه المنظمات تُروّج لأجندة الإخوان وتدعو إلى توسيع حقوق المسلمين، إلا أن هدفها الرئيسي هو بناء قاعدة سياسية تستطيع من خلالها التأثير على صناعة القرار البريطاني في القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين.

*إيما سكاي*، الباحثة في جامعة إكستر، أوضحت أن الإخوان يعتمدون على خطاب مزدوج. فمن جهة، يقدمون أنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الدين، ولكن من جهة أخرى، يعملون على تقويض النظام الليبرالي القائم عبر نشر أفكار تدعو إلى الانفصال عن القيم الغربية. هذا الخطاب المزدوج يظهر بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل الإسلاموفوبيا؛ إذ تستخدم الجماعة هذا المفهوم لكسب تعاطف المجتمعات الغربية والضغط على الحكومات لتقديم تنازلات سياسية.

وفي الولايات المتحدة، يُعتبر *مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)* من أبرز المنظمات المرتبطة بالإخوان. رغم تقديم المجلس نفسه كمدافع عن حقوق المسلمين في أمريكا، إلا أن تقارير متعددة ربطت بينه وبين تمويلات خارجية تهدف إلى تعزيز نفوذ الإخوان في المجتمع الأمريكي. وفقًا للباحث *لورانس رايت* في كتابه "الأبراج التي سقطت"، فإن هذه المؤسسات تعمل على نشر أفكار الجماعة بشكل خفي، مما يجعلها جزءًا من مشروع سياسي أوسع يهدف إلى تحقيق نفوذ الإخوان في الغرب.

رغم أن الإخوان المسلمين لا يتبنون علانية العنف في الغرب، إلا أن خطابهم وأفكارهم تسهم في خلق بيئة فكرية تجعل من السهل على الشباب المسلم الانضمام إلى الحركات المتطرفة. الجماعة تروج لفكرة أن الإسلام مهدد في الغرب، وأن على المسلمين التصدي لهذا التهديد عبر "المقاومة الفكرية". هذه الأفكار قد تبدو معتدلة على السطح، لكنها تفتح الباب أمام تبني مواقف أكثر تطرفًا.

*المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)* في لندن أصدر تقريرًا يشير إلى أن الإخوان المسلمين يعملون على نشر أفكارهم من خلال المؤسسات الدينية في الغرب، والتي قد تشجع في بعض الأحيان على الانعزال والانغلاق. هذه الأفكار تمهد الطريق أمام تطرف بعض الأفراد الذين قد ينضمون لاحقًا إلى جماعات إرهابية. يشير التقرير إلى أن الخطاب الذي يقدمه الإخوان يغذي "العقلية المظلومية"، حيث يتم تصوير المسلمين كضحايا دائمين للسياسات الغربية، مما يزيد من حدة الغضب والاستياء بين الشباب المسلم.

في *ألمانيا، ربطت الاستخبارات الفيدرالية الألمانية (BfV) بين جماعة الإخوان والجماعات التي تنشر أفكارًا متشددة بين المسلمين. يوضح التقرير أن الجماعة تعمل من خلال منظمات مثل **Islamische Gemeinschaft in Deutschland (IGD)*، التي تستخدم التعليم الديني لنشر أفكار تناهض القيم الليبرالية وتشجع على العزلة عن المجتمع الألماني. هذا الأمر يؤدي إلى خلق جيوب من التطرف الفكري، حيث يصبح الشباب المسلم عرضة لتبني مواقف أكثر راديكالية.

أحد الأمثلة على ذلك هو *قضية مرسيليا* في فرنسا، حيث كشفت السلطات عن وجود علاقة بين جماعات مرتبطة بالإخوان وبعض الأفراد الذين تورطوا في أعمال إرهابية. تمت ملاحظة أن هؤلاء الأفراد تأثروا بشكل كبير بالخطاب المتشدد الذي رُوِّج له في بعض المساجد والمدارس المرتبطة بالإخوان، مما يظهر كيف يمكن للجماعة أن تكون جزءًا من سلسلة تؤدي إلى التطرف.


الإخوان المسلمون يشكلون تهديدًا معقدًا ومتنوعًا على المجتمعات الغربية. هذا التهديد لا يتمثل فقط في العنف المباشر، بل في قدرتهم على بناء شبكات قوية داخل المجتمعات، واستغلال الفضاء الديمقراطي لتعزيز نفوذهم، وتهيئة بيئة فكرية تسهم في تغذية التطرف. إن ما يجعل الإخوان أكثر خطورة هو قدرتهم على العمل في الظل، حيث يُظهرون وجهًا مسالمًا بينما يعملون على تحقيق أهداف سياسية ودينية تتعارض مع القيم الغربية.

الوقوف في وجه هذا التهديد يتطلب فهمًا عميقًا لاستراتيجيات الإخوان، والتعامل بحذر مع الخطاب المزدوج الذي يتبنونه. الغرب بحاجة إلى اتخاذ خطوات جدية لمراقبة الأنشطة المرتبطة بالجماعة والتصدي لها قبل أن يتفاقم تأثيرها على استقرار المجتمعات الديمقراطية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية