
مع سقوط حكم الشيخة حسينة واجد، يأمل اللاجئون الروهينغا في بنغلاديش في أن تمنحهم الحكومة البنغالية المؤقتة وضع اللاجئ، وأن تتخذ خطوات جدية لإعاشتهم، خاصّة في مخيمات كوكس بازار، جنوبي بنغلاديش، وهي أكبر مخيمات للاجئين في العالم، حيث يعيش ما يقدر بنحو (1.3) مليون من الروهينغا في حالة من الخوف الدائم، بوصفهم أشخاصاً عديمي الجنسية، فروا من ميانمار بسبب ما تسميه الأمم المتحدة حالة فريدة من حالات التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
تفاقمت المأساة في آب (أغسطس) 2017، مع فرار نحو (750) ألف لاجئ من الروهينغا من ميانمار، هرباً من الإبادة الجماعية من قبل جيش ميانمار. وتضاعفت الكارثة الإنسانية بعد الانقلاب في عام 2021، وتصاعد الاشتباكات بين جماعة جيش أراكان المتمردة، وجيش ميانمار.
الهروب إلى الموت
ومع سقوط النظام في بنغلاديش في 5 آب (أغسطس) الجاري، وتراجع قوات حرس الحدود إلى الداخل؛ للمشاركة في حفظ الأمن والنظام، اندفع آلاف الروهينغا نحو مخيمات كوكس بازار عبر نهر ناف، بينما كانت تطاردهم قوات جيش أراكان، لرغبتها في تجنيد الروهينغا قسراً، وقد غطت عشرات الجثث سطح المياه.
وكان متمردو جيش أراكان الذين يقاتلون الجيش في ميانمار قد قصفوا بشكل عشوائي مدينة ماونغداو الحدودية التي تسيطر عليها الحكومة بالمدفعية الثقيلة؛ الأمر الذي دفع المزيد من الروهينغا إلى محاولة الفرار عبر النهر إلى جنوب بنغلاديش.
وبحسب تقارير أمنية بنغالية، فقد نجح نحو (2000) شخص في عبور نهر ناف بنجاح في 5 آب (أغسطس) الجاري، وهو العدد الذي تضاعف في الأيام التالية، قبل أن تستأنف قوات حرس الحدود مهامها من جديد في 21 آب (أغسطس) الجاري.
تفاقمت المأساة في آب (أغسطس) 2017، مع فرار نحو (750) ألف لاجئ من الروهينغا من ميانمار، هرباً من الإبادة الجماعية من قبل جيش ميانمار
وفي وقت سابق من هذا الشهر قالت منظمة أطباء بلا حدود: إنّ المزيد من الروهينغا يصلون إلى بنغلاديش من ميانمار مصابين بإصابات مرتبطة بالحرب، وسط تصاعد الصراع بين الجيش النظامي، وجيش أراكان المتمرد في ولاية راخين الغربية.
وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك قد أعلن يوم الجمعة الفائت عن قلقه إزاء تدهور الوضع في ميانمار، مشيراً إلى ارتفاع حصيلة القتلى، وفرار آلاف آخرين من هجوم كبير شنه جيش أراكان، بالتزامن مع سقوط النظام في بنغلاديش، وبدورها حذّرت منظمة العفو الدولية من أنّ العنف ضدّ الروهينغا في ولاية راخين، يشبه بشكل مخيف الفظائع التي ارتكبت في العام 2017.
نداء إلى العالم
بمناسبة مرور (7) أعوام على الترحيل القسري للروهينغا، والذي يوافق 25 آب (أغسطس)، أحيا مئات الآلاف من لاجئي الروهينغا في المخيمات ذكرى "يوم الإبادة الجماعية". وقد تجمعت الحشود في أحد الحقول الواسعة، وسط هتافات بشعارات؛ مثل: "نريد حقوقاً"، ونريد "ضمان عودتنا الكريمة إلى ميانمار".
بدوره، وجّه زعيم الروهينغا محمد علم، وسط تجمع اللاجئين في كوكس بازار، نداءً إلى العالم من أجل تأمين عودة اللاجئين إلى ديارهم، وحماية حقوقهم كلاجئين. وقال: "بالنسبة إلى الحكومة الجديدة في بنغلاديش بقيادة محمد يونس، نحثهم على ضمان حقوقنا كلاجئين، أوّلاً، ثم تسهيل عودتنا الآمنة والطوعية".
من جهته، قال مونج زارني، مؤسس تحالف الروهينغا الحر: إنّه يأمل أن تكون سياسات الحكومة المؤقتة بشأن قضية الروهينغا أفضل من إدارة حسينة واجد. وقال: إنّ حكومة يونس يجب أن تتخذ الخطوة الأولى المتمثلة في الاعتراف بأكثر من مليون ناجٍ من الإبادة الجماعية للروهينغا، كلاجئين لهم حقوق بموجب القانون الدولي وكعرقية.
ولا تعتبر ميانمار ذات الأغلبية البوذية أنّ الروهينغا المسلمين مجموعة أصلية، وتشير إليهم باسم "البنغاليين"، ممّا يجعلهم عملياً عديمي الجنسية.
مهمة صعبة
تنتظر الحكومة المؤقتة في بنغلاديش مهمة صعبة، من أجل قيادة بلد يهزه اضطراب سياسي عنيف، واقتصاد مدمر، وما يزال من غير الواضح مدى قدرة رئيس الوزراء محمد يونس على إحياء الجهود المتوقفة لحل أزمة الروهينغا.
وكان شهاب إينام خان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جهانجيرناجار في دكا، قد قال في تصريحات لصحيفة (نيكي) المحلية: إنّ شهرة يونس العالمية قد تساعد في دفع المجتمع الدولي نحو تكثيف الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على ميانمار؛ لإنهاء الحرب الأهلية، وإيجاد حل دائم للّاجئين الروهينغا الذين فروا من البلاد.
وتابع خان: "القوى الغربية، إلى جانب الصين واليابان، باعتبارهما المؤثرين الشرقيين الرئيسيين، لديها مستوى عالٍ من الثقة في الدكتور يونس؛ لذا من المتوقع أن تلعب قدرة يونس على التأثير على القوى العالمية دوراً مهمّاً في تعزيز عملية إعادة الروهينغا".
تنتظر الحكومة المؤقتة في بنغلاديش مهمة صعبة، من أجل قيادة بلد يهزه اضطراب سياسي عنيف، واقتصاد مدمر، وما يزال من غير الواضح مدى قدرة رئيس الوزراء محمد يونس على إحياء الجهود المتوقفة لحل أزمة الروهينغا
وفي الأسبوع الفائت قدّم يونس تأكيدات للدبلوماسيين ومسؤولي الأمم المتحدة بأنّ حكومته المؤقتة ستستمر في دعم الروهينغا الذين لجؤوا إلى بلاده. وأضاف يونس: "إنّنا بحاجة إلى جهود مستدامة من جانب المجتمع الدولي من أجل تكثيف العمليات الإنسانية بمخيمات الروهينغا، وإعادتهم في نهاية المطاف إلى وطنهم، مع الحفاظ على سلامتهم وكرامتهم وحقوقهم الكاملة". لكنّه لم يضع بعد استراتيجية للتعامل مع قضية مركّبة، وشديدة التعقيد، حيث تبدو مخيمات الروهينغا كأنّها دولة داخل الدولة، مع انتشار الجريمة والتطرف داخلها، وعدم قدرة الجيش على السيطرة عليها. بالإضافة إلى الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيش فيها اللاجئون الذين يستهدفهم جيش ميانمار وحركة أراكان المتمردة في الوقت نفسه.
بدوره، قال مايكل كوجلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون في واشنطن: إنّه "بالرغم من كل ما سمعناه عن الإدارة الفعّالة التي تبنتها حسينة واجد، للتحديات المعقدة التي يواجهها لاجئو الروهينغا في بنغلاديش، فإنّ حكومتها سعت منذ فترة طويلة إلى إعادة العديد من هؤلاء اللاجئين إلى بلد لن يكونوا فيه آمنين. وربما تضع الحكومة المؤقتة حداً لخطط إعادتهم إلى الوطن في الوقت الحالي، وتسعى إلى تطوير سياسة مختلفة".
جدير بالذكر أنّه بعد النزوح الجماعي من ميانمار، وقّعت الدولتان اتفاقاً بشأن البدء في إعادة الروهينغا، لكن على الرغم من الوعود المتكررة، لم تخلق ميانمار الظروف المواتية لعودتهم.