مغالطات إيران حول سباق التسلّح في المنطقة

مغالطات إيران حول سباق التسلّح في المنطقة


09/12/2018

أعلن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، على هامش اجتماعات رؤساء برلمانات أفغانستان؛ إيران وباكستان، وتركيا والصين وروسيا، التي عقدت في طهران أول من أمس الجمعة، أنّ كميات الأسلحة التي تبيعها أمريكا لدول المنطقة "لا يمكن تصديقها"، وهي، وفق ظريف، أكبر بكثير من حاجة المنطقة، وأنّ أمريكا حوّلت المنطقة إلى مستودع للأسلحة المتطورة والمدمرة، والتي لا تسهم في تحقيق السلام والأمن بالمنطقة. وأضاف ظريف بـأنّ الأسلحة الأمريكية، يستخدمها تنظيم "القاعدة" في اليمن، وتنظيم "داعش"في سوريا، بما يهدد المنطقة على الدوام.

اقرأ أيضاً: 

ليس من باب الدفاع عن أمريكا، وإنما من وجهة نظر قطاعات واسعة في المنطقة، فإنّ تصريحات ظريف تتضمن مغالطات مقصودة حول سياقات وأسباب سباق التسلّح في المنطقة، من المؤكد أنّها مفهومة في إطار الخطط الإيرانية لمواجهة الضغوطات الأمريكية، وخاصة العقوبات الاقتصادية "غير المسبوقة"، والتي أصبح واضحاً أنّ القيادة الإيرانية تقف على رأس قائمة المشككين بإمكانية أن تحقق نجاحات تذكر، بما فيها محاولات تشكيل تحالفات إقليمية من قوى ودول في المنطقة متضررة من سياسات أمريكا، أو استمرار التدخل عسكرياً من خلال أذرع عسكرية تم تشكيلها في دول المنطقة بدعم ورعاية من القيادة الإيرانية "سوريا ولبنان، والعراق واليمن"، بالإضافة لتدخلات إيرانية في أفغانستان، ومناطق شرق باكستان.

تنتج إيران من خلال صناعاتها العسكرية ترسانة ضخمة من الأسلحة تشمل صواريخ ذات مديات مختلفة وطائرات ومدرّعات وأسلحة متطورة

إنّ أرقام مبيعات الأسلحة تشير إلى أنّ أمريكا وروسيا، هما الدولتان الأكثر مبيعاً للأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، تليهما الدول الأوروبية والصين التي احتلت المركز الخامس في حجم مبيعات الأسلحة العالمية وبزيادة بلغت نسبتها 37%، ووفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فإنّ أمريكا باعت حوالي ثلث الأسلحة في السوق العالمي خلال الفترة ما بين "2013-2017"، وكانت الهند أكبر مستورد لتلك الأسلحة عالمياً، تلتها المملكة السعودية، ومصر ثم الإمارات العربية المتحدة.

وبالمقابل فإنّ إيران تنتج من خلال صناعاتها العسكرية ترسانة ضخمة من الأسلحة التي تشمل صواريخ ذات مديات مختلفة وطائرات ومدرعات، وأسلحة متطورة؛  طائرات هليوكبتر وطائرات مسيرة بدون طيار، منظومات صواريخ أبرزها صواريخ شهاب، وزلزال وفجر، وأسلحة بحرية متنوعة من بينها فرقاطات عسكرية، هذا بالإضافة إلى برنامج نووي إيراني، يشكل أحد أبرز الملفات الخلافية بين إيران والغرب وخاصة أمريكا،على خلفية "شكوك" عميقة بأنّ للبرنامج النووي الإيراني أهدافاً عسكرية.

اقرأ أيضاً: هل ينحني حزب الله أمام عاصفة العقوبات على إيران؟

إنّ اندفاعات دول في المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي، لشراء كميات كبيرة من الأسلحة، تبدو مبرّرة في ظلّ، توجّهات إيران لإنتاج كميات كبيرة من الأسلحة، ثبت أنّ إنتاجها واستخدامها يستهدف المنطقة، فلم تستخدم هذه الترسانة الإيرانية الضخمة حتى اليوم ضد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، كما لم تستهدف إسرائيل، وقد خبرتها دول المنطقة بصواريخ وطائرات مسيرة تستهدف المملكة السعودية والإمارات، وقبلها في العراق وسوريا، من خلال "مليشيات" تشكل أذرعاً إيرانية، تم إنشاؤها بتمويل ودعم إيراني وعلى أسس مذهبية.

تصريحات ظريف تتضمن مغالطات مقصودة حول أسباب سباق التسلّح بالمنطقة، وهي مفهومة بإطار الخطط الإيرانية لمواجهة الضغوطات الأمريكية

ورغم أنّ قطاعات في المنطقة تنظر بإعجاب شديد للصناعات العسكرية الإيرانية، باعتبارها تشكل ردعاً لإسرائيل وتهديداتها في المنطقة، إلا أنّ قطاعات أوسع تشكك في أهداف الصناعات العسكرية، خاصة وأنّه تم استخدامها ضد الدول والشعوب العربية في مناطق الصراع، خاصة بعد ما يوصف بـ "الربيع العربي" الذي شهدته بعض البلدان العربية.

إنّ إصرار وزير الخارجية على ترديد مقولة إنّ أمريكا تزود القاعدة وداعش بالأسلحة، والتي تجد رواجاً وقبولاً في المنطقة، لا تنفي حقيقة أنّ إيران تدرب حركة طالبان الأفغانية وتنسج علاقات عسكرية معها، كما ترتبط بعلاقات وثيقة مع القاعدة وداعش في أفغانستان والعراق وسوريا، بما في ذلك "مؤمراة" ظهور داعش في العراق؛ حيث تم تسليم التنظيم ثلث أراضي العراق وتقديم تسهيلات انتشاره وتسليحه في سوريا من قبل إيران، فيما تزود وتشرف على تسليح جماعة الحوثي في اليمن، وهو ما يجعل مقولات إن أمريكا تتقاسم دعم داعش والقاعدة في المنطقة لتحقيق أهدافها، مقبولة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: باحث في الشأن الإيراني: 350 مليار دولار كلفة تدخلات طهران في المنطقة

إنّ سياسات إيران لإدارة الصراع في المنطقة على أسس مذهبية وإطلاق سباق تسلح غير مسبوق في المنطقة، أسهم في حرف أنظار المنطقة عن التنمية الاقتصادية؛ حيث تذهب أكثر من ثلث مداخيل المنطقة إلى الموازنات العسكرية والتسليحية، وهو ما يحرم شعوب المنطقة من استخدام العوائد المالية الضخمة في التنمية الاقتصادية، وفي مقدمتها الشعوب الإيرانية؛ حيث تقدم الإحصائيات الاقتصادية مؤشرات تنذر بالخطر في إيران، في ظل مستويات التضخم والفقر والبطالة، في دولة يفترض أن ينعم شعبها بالعوائد المالية الضخمة من مبيعات النفط.

ويسود اعتقاد واسع في المنطقة أنّ إيران لا تستطيع بتركيبة قيادتها الحالية وقف برامج سباق التسلح والتدخل في المنطقة، وصياغة الصراعات على أسس مذهبية؛ لأن عودتها لقضايا الداخل الإيراني، يعني وقوعها تحت ضغوط المحاسبة الشعبية على ثورة قائمة ومستمرة منذ حوالي أربعين عاماً، أصبحت مقولاتها موضع رفض غالبية الشعب الإيراني، التي ما تزال تعبر كل يوم عن رفضها لسياسات الجمهورية؛ الداخلية والخارجية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية