مستقبل الدور الوظيفي لـ “إخوان” لبنان بعد الاستهداف الإسرائيلي الأخير

مستقبل الدور الوظيفي لـ “إخوان” لبنان بعد الاستهداف الإسرائيلي الأخير

مستقبل الدور الوظيفي لـ “إخوان” لبنان بعد الاستهداف الإسرائيلي الأخير


19/03/2024

سامح إسماعيل

يمكن القول إن السُّنة في لبنان كانوا دائماً تحت تأثير المملكة العربية السعودية، وكان هناك ما يشبه التحالف الاستراتيجي بين الرياض والطائفة السّنية، من خلال أبرز عائلة سياسية سنّية، وهي بالطبع عائلة الحريري؛ حيث تولّى رفيق الحريري رئاسة الوزراء مرتين، قبل أن يتم اغتياله في العام 2005.

وبالتبعية، فإن الدور السعودي في الداخل اللبناني، كان يمثل إزعاجاً لـ”حزب الله”، نظراً للتناقض الوظيفي والأيديولوجي بين الطرفين، الأمر الذي، ربما، دفع الميليشيا الموالية لإيران، إلى التخلص من رفيق الحريري، وهو ما أكدته المحكمة الخاصّة بلبنان، التي أنشأتها الأمم المتحدة، في العام 2020، حيث كشفت أن عملاء مرتبطين بـ”حزب الله”، تورطوا في عملية اغتيال الحريري.

ولم يستطع سعد، نجل رفيق الحريري، المولود في المملكة العربية السعودية، ويحمل الجنسيتين السعودية واللبنانية، والذي تولى رئاسة الحكومة في الفترة من 2009 إلى 2011، ومرة أخرى من 2016 إلى 2020، تحقيق طموحات الرياض، حيث إنه بعد حصوله على دعم مالي كبير، مقابل التخلّص من “حزب الله”، لم يفشل في الوفاء بهذا الوعد فحسب، بل عقد أيضاً صفقات تجارية مع “التيار الوطني الحر”و”حزب الله”، قبل أن يُجبر على الانسحاب من السياسة، قبل أن تبتعد السعودية عن دعم السّنة في لبنان.

“الإخوان” ومحاولات ملء الفراغ

مع الفراغ الكبير الذي تركته الرياض في الساحة السُّنية، عملت “الجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية لـ “الإخوان”، على بسط نفوذها على التيار السّني، وبالتزامن مع تنصيب الشيخ محمد طقوش، أميناً عاماً، خلفاً لعزام الأيوبي، هيمن الجناح الموالي لإيران داخل الجماعة على القرار السياسي في مكتبها التنفيذي؛ لينخرط طقوش، ضمن أجندة “حزب الله” في لبنان، بتحالف استراتيجي، ذهب إلى أبعد مدى، بإعادة نشاط ميليشيات “قوات الفجر” الجناح العسكري للجماعة “الإخوانية”، ووضعها تحت إمرة “حزب الله”، الذي يهدف إلى إيجاد حليف عسكري سنّي، ولو بشكل رمزي، لتخفيف الضغط على قواته في الجنوب، وتفكيك البنية الطائفية للصراع مع إسرائيل، وربما توريط كل لبنان في صراعات الحزب التي يخوضها بالوكالة عن طهران.

جدير بالذكر أن “حزب الله” نفسه ليس حريصاً على التصعيد، ولكنه مستعدٌّ لحرب عصابات طويلة المدى، ويفضل الحزب تصوير نفسه على أنه المدافع الوحيد عن لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، ويأمل كذلك في تعزيز شعبيته المتراجعة، بنفس الطريقة التي جرت في العام 2006. 

ومن ناحية أخرى، تبدو إسرائيل مقتنعة بأن الصراع الحالي يتيح لها فرصة ذهبية، لتدمير مقدّرات “حزب الله”، أو على الأقل تقليص قدرته العسكرية. 

ومن ثم، من المتوقع أن تقوم إسرائيل بهجوم كبير على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، ووضعها تحت سيطرة الجيش اللبناني أو “قوات اليونيفيل”، كما تدرس إسرائيل خططاً أقل ترجيحاً تتضمن الاستحواذ على الجنوب مرة أخرى.

استهداف “الجماعة الإسلامية”

في تحوّل نوعي لمسارات الأحداث في الداخل اللبناني، استهدفت غارة جوية إسرائيلية، في العاشر من آذار/ مارس الجاري، سيارة من نوع كرفان في أطراف بلدة الهبّارية، بناحية السدانة، كان يستقلّها ثلاثة من عناصر مليشيا “قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلامية.

وفي أعقاب الغارة، نعت الجماعة عناصرها الثلاثة، العاملة ضمن “قوات الفجر”، وهم: محمد جمال إبراهيم من بلدة الهبارية، والدكتور الطبيب حسين هلال درويش، من بلدة شحيم، وقائد المجموعة محمد محيي الدين والملقب بـ “أبو حمزة”، من بيروت.

وفي مشهد له دلالات رمزية، شيّعت “الجماعة الإسلامية” في بلدة الهبّارية ومنطقة العرقوب، محمد جمال إبراهيم، حيث وُضع الجسد المسجى في قاعة يوسف نور الدين، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه وهو بزيّه العسكري. قبل أن ينطلق موكب التشييع من مستشفى مرجعيون باتجاه بلدته الهبّارية، وقد تولّت مجموعة من عناصر “قوات الفجر” بالزّي العسكري، حمل الجثمان والسير به.

من جهته، دعا الأمين العام للجماعة الإسلامية، محمد طقوش، في كلمة له خلال تشييع حسين هلال درويش في بلدة شحيم، إلى احتضان “مشروع المقاومة والجهاد”، في مواجهة “المشروع الصهيوني” وتابع الأمين العام: “نحن في الجماعة الإسلامية، عاهدنا الله وصدقنا في ذلك، ونحن نقدم أبناءنا وقادتنا في سبيل مشروعنا وفي سبيل الله، نحن حينما نتحدث عن مشروع تحرير الأرض والمقدسات، لا نطلق ذلك على أنه إدعاء، بل على أنه حقيقة، وأكبر دليل على تلك الحقيقة أنّنا نقدم خيرة الشباب”.

وبحسب مصدر لبناني خاص، مقرّب من “الجماعة الإسلامية”، فإن “خلافاً وقع داخل الجماعة الإسلامية، حول جدوى ظهور عناصر التنظيم المسلحة في أثناء مراسم التشييع، حيث تحفظ النائب عماد الحوت على الظهور العلني لمسلحي قوات الفجر، وأيده في ذلك المسؤول السياسي في جبل لبنان الشيخ أحمد سعيد فواز، ورئيس مجلس محافظة الجماعة في جبل لبنان، بلال الدقدوقي، وهو ما رفضه بشكل قاطع رئيس المكتب السياسي علي أبو ياسين، ونائبه بسام حمّود، وانضم إليهم الأمين العام الشيخ محمد طقوش”.

المصدر أكد في تصريحاته لـ” الحل نت”، أن “طقوش حرص على أن تكون مراسم التشييع، أشبه بتظاهرة عسكرية، لكنّه بعد مشاورات مع قيادة عسكرية تابعة لحزب الله، قرر الاكتفاء بعدد محدود وأنه رفض الاستجابة لتحفّظات الجيش اللبناني، الذي لا يرتاح إطلاقاً للتحركات العسكرية التي تقوم بها الجماعة الإسلامية”.

وأضاف المصدر ذاته، أن “الجماعة الإسلامية” فتحت تحقيقا داخلياً، في ملابسات مقتل عناصرها الثلاثة، لمعرفة الكيفية التي نجحت من خلالها إسرائيل، في التعرف على هوية القتلى، ورصد تحركاتهم، حيث أكدت المعلومات الأولية، وجود إختراق أمني داخل الجماعة، وأن جهاز تتبع زُرع بالسيارة المستهدفة، قبيل انصراف القيادي محمد محيي الدين، من اجتماع جمعه بقيادي بـ “حزب الله” في أحد البيوت الآمنة، بأطراف جهة الهبّارية، حيث استقل محيي الدين السيارة، بصحبة إبراهيم ودرويش، قبل أن يستهدفهم الهجوم على الطريق.

وبحسب المصدر أيضاً؛ فإن “الاجتماع المشار إليه، جمع درويش، وقيادي عسكري بحزب الله، والقيادي في حركة حماس، أسامة حمدان، والذي طرح جملة من التصورات العسكرية، التي قد تضطلع بها حماس، في حال أعاد حزب الله انتشاره في الجنوب، أو تحرّك شمال الليطاني، وذلك بالتعاون مع عناصر تابعة للجماعة الإسلامية، بينما عرض حزب الله تفاصيل محدودة حول احتمالات إعادة الانتشار، وتأمين بعض التحركات السّرية في الأنفاق في الجنوب اللبناني”.

الجيش يتحفظ و”الجماعة الإسلامية” تتجاهل

بحسب تصريحات لمصدر أمني لبناني، لـ”الحل نت”، فإن غارة تمهيدية إسرائيلية، استهدفت منزلاً في بلدة مجدل زون في جنوب لبنان، سبقت الهجوم الذي استهدف عناصر “الجماعة الإسلامية”، ودمرته بالكامل وسوّته بالأرض، وهو ما يعرف بالغارات التشويشية، ويؤكد المصدر أن الاستخبارات الإسرائيلية نجحت في تحقيق اختراق كبير داخل صفوف “حزب الله”، وهو ما مكّنها من استهداف عناصر “الجماعة الإسلامية” في أعقاب اجتماع الهبّارية.

وبحسب المصدر الأمني، فإن مكتب العماد جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، تواصل بشكل مباشر مع محمد طقوش، الأمين العام لـ “الجماعة الإسلامية”، وقال إن لغة الخطاب لم تكن ودّية بشكل كبير، حيث لفت الجيش اللبناني إلى خطورة وجود جناح سنّي مسلح في الوقت الراهن، مؤكداً أن ذلك يهدد باتساع رقعة الصراع، وهو ما يحاول الجيش تلافيه في الوقت الراهن، وبحسب المصدر، فإن الجماعة تصرّ على المُضي قدماً في دعم جناحها العسكري، بالتعاون مع “حزب الله”، الذي يحاول وضع حليفٍ سنّي في الجنوب، عوضاً عن أي انسحاب متوقع لشمالي الليطاني.

وطبقاً للمصدر ذاته، فإن “حزب القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع، و”حزب الكتائب” بقيادة عائلة الجميل، أبلغا قائد الجيش معارضتهما الشديدة للتحركات العسكرية التي تقوم بها “الجماعة الإسلامية”، والتي تذهب بلبنان نحو سيناريو التدمير، وأن القوى المسيحية بشكل عام لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه التحركات.

من جهة أخرى، وبحسب المصدر الأمني ذاته، فإن “حزب الله يحاول استعادة التحالف ما بينه وبين التيار الوطني الحر، بهدف تأمين وجود تيار مسيحي موالي، أسوة بالتيار السّني المتمثل في الجماعة الإسلامية، وربما تلوح في الأفق صفقة جديدة بين الطرفين، تتضمن وعوداً لجبران باسيل، قائد التيار الوطني بتولي الرئاسة؛ وهو الأمر الذي قد يصطدم بمعارضة شرسة من حزبي الكتائب والقوات اللبنانية”.

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن مجموعة طقوش، ورّطت “الإخوان” في لبنان، في صراع أكبر بكثير من القدرات العسكرية للجماعة الإسلامية، والتي لا يمكنها الصمود في معركة مباشرة مع إسرائيل، حيث إن قدراتها بالكاد تكفي القيام بأدوار وظيفية لصالح “حزب الله”، وقد كشف الاستهداف الأخير لعناصرها، سهولة اختراق تحركاتها، والصعوبات التي تكتنف مستقبل الجماعة فيما هو قادم، في حال اتّسعت دائرة الصراع العسكري في لبنان.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية