ما دلالات تعيين أول سفير عربي لإسرائيل في إريتريا؟

ما دلالات تعيين أول سفير عربي لإسرائيل في إريتريا؟


24/08/2020

مثّل تعيين تلّ أبيب سفيراً جديداً لها في العاصمة الإريترية أسمرا، حدثاً في حدّ ذاته، ليس لجهة أنّ العلاقة الدبلوماسية بين الدولة العبرية، وإحدى دول القرن الأفريقي، أمر جديد، بل لجهة شخصية السفير، إسماعيل الخالدي، كأول سفير عربي- من أصول بدوية، تعيّنه إسرائيل سفيراً لها في الخارج.

تعيين سفير عربي مسلم من أصول بدوية، لـتل أبيب، يعدّ سابقة في تاريخ الدبلوماسية العبرية، لكن تبقى الأسئلة الأهم تتعلق بمدى نجاح إسرائيل في تجاوز فتور علاقتها مع أسمرا

كما أنّ الخالدي (الفلسطيني الأصل) الموظف في الخارجية الإسرائيلية، منذ عام 2004، شخصية مثيرة للجدل، فرغم دفاعه عمّا يراه "الديمقراطية الإسرائيلية"، وعمله كملحق في سفارة إسرائيل في لندن سابقاً، إلا أنّه كثير الانتقاد للسياسات العنصرية التي تتبعها تل أبيب ضدّ مواطنيها، من ذوي الأصول العربية، فقد نشر سابقاً على صفحته بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لقريته "عرب الخوالد" القريبة من الناصرة، بشوارعها الترابية، وكتب تحتها: "قررت لجم نفسي وفرملة لساني لأنني لا أريد أن أقول: أبرتهايد".

وفي تغريدة له على موقع تويتر، كتب الخالدي مرة أخرى: "دولتي قوية بكونها مجتمعاً ديمقراطياً منفتحاً، لكنّها تعاني من نقص بارز هو فقدان المساواة بين المواطنين".

وفي عام 2018؛  انتقد بشدة "قانون القومية اليهودية" الذي سنّته تل أبيب، وجرى استدعاؤه عدة مرات لجلسات استماع وتوبيخ، لكنّه لم يفصل من عمله.

وقبل تعيينه سفيراً في أسمرا، تعرّض الخالدي لاعتداء شرس من 4 رجال أمن يهود في محطة القطار بالقدس، وهو في طريق عودته من العمل باتجاه بلدته العربية البدوية في الشمال.

وروى يومها الواقعة في الصحف الإسرائيلية، بالقول إنّ "الحراس أسقطوه أرضاً، وانقضّ عليه أحدهم وهو يضع ركبته على رقبته"، وأضاف: "راح الجندي يضغط لدرجة أنني شعرت بالاختناق، وقام رفيقاه بتشديد الضغط بالقدمين على كتفي ورأسي، وقد شعرت بالدوار وبقرب فقدان الوعي، ورحت أصيح بأنني لم أعد قادراً على التنفس، ولولا تدخّل الناس لصرت في العالم الآخر".

دلالات التعيين

فما الذي دفع تل أبيب إلى تصعيده لدرجة سفير، في دولة ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية منذ عام 1994، بشكل منتظم، وهل يحمل هذا التعيين، كأول عربي يتولى منصب سفير لإسرائيل، دلالة سياسية، لدولة تقع في المحيط العربي، وتتمدّد على ما يقارب ألفاً ومئة كيلو متر على البحر الأحمر، وترفض الانضمام لجامعة الدول العربية، رغم الدعوات المتكررة، (آخرها دعوة الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى)، وهل تتعاطى تل أبيب مع أسمرا، باعتبارها دولة ذات امتداد عربي، ثقافياً وسياسياً، فضلاً عن تداخلات الجغرافيا والتاريخ؛ حيث ظلّت معظم الدول العربية تدعم الكفاح الإريتري من أجل الاستقلال عن إثيوبيا، فيما كانت الدولة العبرية تدعم الحكومات المتعاقبة في أديس أبابا، في محاولتها لإجهاض حلم الاستقلال الإريتري،  الذي قد يفضي إلى انضمام إريتريا للمحيط العربي، سياسياً وإستراتيجياً، الأمر الذي لم يحدث حتى اللحظة لأسباب تتعلّق بأيديولوجية النظام الذي يحكم أسمرا منذ الاستقلال.

يرى الصحفي المختصّ في الشؤون الإسرائيلية، أنس حبيب؛ أنّ "تعيين الدبلوماسي الإسرائيلي، إسماعيل خالدي، سفيراً لدى إريتريا يعدّ خطوة بروتوكولية، ويستبعد تحميلها بما ليس فيها من دلالات سياسية، فالعلاقات الدبلوماسية بين الدولة العبرية وإريتريا مستمرة دون انقطاع، منذ افتتاح أول سفارة للأولى في العاصمة أسمرا، في آذار (مارس) 1993".

ويوضح حبيب، في إفادته لـ "حفريات": "إذا كان ثمة اختلاف في تمثيل الخالدي لبلاده في أسمرا؛ فهو حقيقة، كونه أول سفير عربي، بدوي، يشهد له انتقاده- غير الحادّ في كثير من الأحايين- لممارسات بلده العنصرية إزاء الأقليات، لا سيما أنّ إسرائيل بلد يقطنه أكثر من 20 ألف لاجئ إريتري يعاني أغلبهم من هذه الممارسات".

اقرأ أيضاً: هل طلب آبي أحمد تدخل إريتريا في ملف سد النهضة؟

ويضيف حبيب: "في تصوري؛ يظلّ التعيين أقرب للاعتيادي، فالدولة العبرية حريصة على استمرار تمثيلها الدبلوماسي في إريتريا، حتى إذا لم يتواجد سفير لها بشخصه، في بعض الفترات، في العاصمة أسمرا"، ويستطرد حبيب: "لا شكّ في أنّ الخطوة تعدّ تاريخية للخالدي نفسه، فبعد أن كان أول دبلوماسي بدوي يخدم إسرائيل، أصبح أول سفير بدوي في تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية".

 ويوضح:  "تأكيدي على صفة "بدوي" يأتي لحقيقة أنّ أول سفير إسرائيلي عربي، من عرب 48 وليس بدوياً نظراً لاختلاف تعاطي الدولة العبرية مع الفئتين، كان الراحل علي يحيى، الذي خدم كسفير لإسرائيل في عدة بلدان، مثل فنلندا واليونان وقطر، قبل وفاته عام 2014".

الصحفي المختصّ في الشؤون الإسرائيلية أنس حبيب لـ"حفريات": تعيين الدبلوماسي الإسرائيلي، من أصول بدوية فلسطينية، إسماعيل خالدي، سفيراً لدى إريتريا يعدّ خطوة بروتوكولية، ويُستبعد تحميلها دلالات سياسية

ويؤكد حبيب: "لا أعتقد أنّ ترأّس الخالدي للبعثة الإسرائيلية في إريتريا جاء ليضيف أيّ جديد على نظرة إسرائيل للأولى، فقد عدّت إسرائيل إريتريا دائماً بلداً أقرب إلى المنطقة العربية المعادية، وتبنّت منذ بداية انطلاق حرب التحرير الإريترية من الاحتلال الإثيوبي، في ستينيات القرن الماضي، إستراتيجية ترى أنّ إريتريا عدوّ "محتمل" قد يتحكم بــ 1080 كم، من الشريط الجنوبي للبحر الأحمر، وترجمت بالفعل هذه الإستراتيجية آنذاك إلى صورة مساعدات وتدريبات عسكرية للطرف الإثيوبي، ليتسنّى له التغلب على ثوار إريتريا".

ويضيف: "ظلّت إسرائيل حليفاً مقرباً من إثيوبيا حتى بعد استقلال إريتريا، للأسباب ذاتها، رغم انتشار الإشاعات، التي لم يؤكدها أيّ طرف، عن وجود تعاون خفيّ بين الدولة العبرية وإريتريا".

اقرأ أيضاً: هكذا استغلت تركيا الإخوان المسلمين في إريتريا..ما أهدافها؟

وأفاد حبيب، لـ "حفريات"؛ بأنّ "الدولة العبرية عيّنت ثمانية سفراء لإريتريا، لذا لا أستبعد أن يكون التعيين مجرد إجراء بروتوكولي، غير مضمَّن بأيّة رسائل سياسية  حول نظرة اسرائيل لإريتريا، او عروبتها، ذلك لأنّ الخالدي ظلّ يشغل منصب نائب سفير في الخارجية الإسرائيلية، وعمل كدبلوماسي في عدة سفارات لبلاده، من بينها عمله في لندن".

ترحيب إسرائيلي وانتقاد فلسطيني

من جهته، أشاد رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، ليبرمان، بتعيين  الخالدي في تغريدة له على موقع تويتر، قائلاً: "الخالدي كان مستشاراً موثوقاً عندما كنت وزيراً للخارجية، يُعرف بأنّه وطني إسرائيلي يدافع عن الدولة بإصرار في جميع أنحاء العالم".

كما احتفت الصحف الإسرائيلية بقرار لجنة التعيينات، وذكّرت بمواقف الخالدي عندما كان دبلوماسياً بالسفارة الإسرائيلية في لندن؛ حيث تولّى مهمة "مكافحة حملة مقاطعة إسرائيل"، ودافع بشدة عن تلّ أبيب، معتبراً إياها "دولة رائعة، رغم  النواقص الكثيرة، وأنّ تحالف مجتمعه البدوي مع الدولة العبرية، قد ساهم في خروج البدو من العزلة!".

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي يطارد إريتريا.. والنخب تفضّل أنظمة علمانية

من جهة أخرى، علّق ناشطون فلسطينيون على قرار التعيين في مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنّه "بمثابة ذرّ الرماد على العيون"، وأنّه يخفي السياسات العنصرية الممنهجة، وذكّروا بأوضاع العرب البدو في القرى المحاذية لمدينة الناصرة، ورأى الناشط الفلسطيني، زياد زعافنة؛ أنّ "المنصب بمثابة جبر خاطر للخالدي، الذي تعرّض لهجوم عنصري، من قبل الجنود الإسرائيليين في القدس"، ورأى زعافنة، على صفحته في الفيسبوك؛ أنّ منصب الخالدي كنائب سفير في الخارجية الإسرائيلية لم يشفع له، ليكون بمنأى عن الاعتداءات العنصرية، كونه عربياً مسلماً، وأنّ المنصب الجديد كسفير في دولة أفريقية جاء كتبرير لذلك الاعتداء"، وأضاف: "الخالدي كان مستشاراً لرئيس الوزراء السابق، ليبرمان، ومنصب السفير أقلّ رتبة، بروتوكولياً، وليس تصعيداً وظيفياً، كما تدّعي الصحافة الإسرائيلية".

اقرأ أيضاً: ما دلالات رفع العقوبات الدولية عن إريتريا؟

وأيّاً كان الأمر؛ فإنّ تعيين سفير عربي مسلم من أصول بدوية، لـتل أبيب، يعدّ سابقة في تاريخ الدبلوماسية العبرية، لكن تبقى الأسئلة الأهم تتعلق بمدى نجاح إسرائيل في تجاوز الفتور، الذي أصاب علاقتها مع أسمرا، لا سيما بعد الحرب الحدودية التي خاضتها ضدّ جارتها الكبرى إثيوبيا، (1998/ 2000)؛ حيث تتهمّ الأولى تل أبيب بالانحياز إلى الطرف الإثيوبي.

ويتوقّع المراقبون للشأن الإريتري أن تنتعش علاقة النظام الإريتري بالدولة العبرية، لا سيما بعد توقيعه اتفاقية السلام مع أديس أبابا، وابتعاد أسمرا مرحلياً عن دعم سياسات طهران الإقليمية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية