مختار الدبابي
داعية سعودي في سياق “تطور نوعي” في الخطاب يقول إن الفخذ ليس عورة للرجل والمرأة، ثم يلتفّ على الفتوى سريعا بالقول إن للرجل أن يغطي فخذه من باب المروءة والعرف، والمرأة تستره لاعتبار ديني، ثم يضيف “فهو شيء واجب الستر ولا يعني أنه عورة”.
منتهى السفسطة..
عورة يا شيخ وإلا موش عورة.
هذا حال الكثير من الدعاة والشيوخ الذين كانوا في صف السلطة في الحرب على التشدد، وكانت الأضواء مسلطة عليهم ويحظون باهتمام إعلامي ورسمي بالغ. ثم انطفأت تلك الأضواء بعد أن انتهت المصلحة المتبادلة.
الدولة بدأت تبحث عن تحديثها الخاص، تحديث الأمر الواقع، تحديث الترفيه والسياحة وحاجتها إلى مدن جديدة سيكون بناتها وساكنوها والفاعلون فيها رجال أعمال ومال وكفاءات علمية غربية. هذه الفئة تحتاج إلى مناخ جاذب لها، ما سيفرض على السلطة تمكينها ممّا تريد، لن يكون الخمر هنا حراما ولا ممنوعا، هو حاجة جاذبة للكفاءات.
لن يفرض على المرأة الغربية مستقبلا أن تضع غطاء رأس حال دخول السعودية، هذه ضرورة التحديث، الاختلاط ضرورة من ضرورات التحديث هو أيضا.. كلها ضرورات تبيح المحظورات، ولكنّ المفتي هنا هو الدولة وليس الدعاة تحت الطلب. الاقتصاد والمصلحة لا ينتظران.
ماذا سيفعل الشيوخ والدعاة “الإصلاحيون” الذين ركبوا موجة السلطة. طبعا لا يمكن أن يعارضوها بعد أن قالوا إنها على حق في السابق، وهم يعرفون جيدا أنها لا تلعب ولا تمزح. كما أنهم لن يقدروا على أن يكونوا في صفها حاليا بـ”المفتشر” ويصدروا فتاوى تجيز ما تريده لجذب السياح الأثرياء والكفاءات، فلا أحد يصدق أحمد الغامدي لو قال بالسفور أو بجواز الاختلاط أو وجد “فتوى” تحلل الخمر.
ماذا سيفعل؟
سيعمل على تحديث خاص من خلال خربشات على سطح الفتوى لجذب الاهتمام، أو شقلبات في المواقف لتبدو “صادمة” وتتخاطفها العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيشتهر الرجل وتتذكره السلطة وتخصه باهتمامها وهباتها.. هذا منتهى الأمل.
ما قيمة فتوى أن يكون الفخذ عورة أو ليس كذلك، أصلا من يحتاج إلى مثل هذه الفتوى الآن. مجرد حيلة للفت النظر.
وأمثال الداعية السعودي كثيرون في بلداننا العربية. ففي مصر، وبعد أن انتهى دور الشيوخ وفتاواهم وخطبهم العصماء في الحرب على التشدد الآخر، تناستهم السلطة، لأنها ببساطة لا تحتاجهم. فماذا يناقشون الآن وماذا يقرؤون مثلما يقرأ شيخ الأزهر عن “أفول الغرب”، ما يقابل نهاية التاريخ عند فوكوياما.
ستكثر الفتاوى حسب الطلب، فتاوى أقرب إلى الديليفري من أجل تسجيل الحضور في مجتمع يقبل بحماس على الدعاة ومعالجة الجن وسكان العالم الآخر ويستمع إلى وصفات الشيوخ في معالجة ما يعتقدون أن الطب يعجز عنه.
عن "العرب" اللندنية