دراما رمضان.. كوكتيل مصري من السياسة والدين والأمن وقضايا المجتمع

دراما رمضان.. كوكتيل مصري من السياسة والدين والأمن وقضايا المجتمع

دراما رمضان.. كوكتيل مصري من السياسة والدين والأمن وقضايا المجتمع


25/03/2023

جمعت الدراما المصرية هذا العام العديد من أسلحتها لتقدم وحبة فنية دسمة في موسم رمضان المعروف بكثافة تسليط الأضواء على المسلسلات التي تعرض طوال الشهر، واختارت عن قصد التنوع شعارا لها بما يوحي باسترداد عافيتها، فلم تحصر الأعمال المقدمة في قالب واحد من حيث المعالجة والقضايا التي تناقشها، وتحاشت أخطاء أعوام سابقة بدت فيها الجرعة الأمنية ذات سطوة واضحة.

ومنذ أن وثق النظام المصري في الدور الإعلامي الذي يمكن أن تقوم به الدراما بصفتها أحد عناصر القوة الناعمة للبلد، وهو يمنحها اهتماما ويوفر لها دعما ماديا ومعنويا تحت مظلة “المتحدة”، وهي الشركة الرسمية الراعية للفن والدراما والإعلام حاليا، والتي تكشف متابعة أعمالها قدرا كبيرا من التوجهات السياسية والثقافية والاجتماعية في الدولة المصرية.

وهذا العام، اختارت بعض المحطات المصرية والعربية استباق شهر رمضان بعرض أولى حلقات مسلسلاتها قبل حلوله بيوم، من أجل جذب قطاع أكبر من المشاهدين وزيادة تعلقهم بمتابعة ما يعرض عليها في الأيام المقبلة، بينما التزمت غالبية المحطات بالموعد المعتاد الذي يبدأ عقب إفطار اليوم الأول من رمضان، ولكل محطة حساباتها الدرامية والإعلانية، لكن الأيام الأولى تظل مؤشرا للحكم على مدى جاذبية العمل الفني ومتابعته أم لا.

وتقدم الدراما المصرية هذا العام ما يمكن وصفه بأنه كوكتيل أو خليط من الأعمال التي تتراوح بين السياسة والأمن والدين وقضايا المجتمع بتنويعاتها، وبين الكوميديا والأكشن والحرب والرومانسية والتاريخ وتعقيداته، كذلك انخفضت ظاهرة المعلقات الدرامية التي تتكون من ثلاثين حلقة وقد تمتد إلى أجزاء أخرى في الأعوام التالية، وهناك بعض الأعمال التي تتقاسم الشهر، كل منها يضم 15 حلقة فقط.

تنافس قوي

اختيار هذه الوصفة أو الخلطة جاء وليد صراع خفي ينمو بين الدراما المصرية ونظيرتها العربية، خاصة التي تنتجها بعض دول الخليج مثل السعودية، وتعتمد على فنانين وفنانات من مصر ودول عربية أخرى، وقد يمثل هذا الاتجاه تهديدا للقاهرة، لكنه يثبت أن القوة الناعمة المصرية في المجال الفني والدراما تحديدا لا تزال مؤثرة.

جاء التنوع المصري لإرضاء الأذواق العربية وحاول سد الثغرات التي تجدها الدراما المنافسة الصاعدة بقوة للتغلغل منها نحو الجمهور، بعد أن منحت القاهرة مساحة كبيرة للأعمال ذات الجانب الأمني والسياسي لتوصيل رسائل معينة لمن يهمهم الأمر.

ولا يخلو هذا العام من الثيمة الأمنية والعسكرية التي تحضر عبر مسلسل “الكتيبة 101” بطولة آسر ياسين وعمرو يوسف، والذي يتناول قصة كتيبة شهيرة في منطقة سيناء تحول مقرها وعناصرها إلى هدف للإرهابيين، لكن المعالجة الأمنية عموما في الأعمال الأخرى جاءت في نطاق محدود وربما يمكن القول إنه مقبول هذه المرة وبلا مبالغة.

لم تتحول الجرعة الأمنية إلى جرعة مكثفة وشديدة المبالغة والاستعراض، وتعرض بطريقة لا تشبه تلك التي ظهرت الأعوام الماضية، ربما لأنها حققت أغراضها الرئيسية، ولاحظ صناعها الملل الذي بدأ يتسرب للمشاهدين وجعلها توشك على أن تتحول من إضافة تخدم سياسات الدولة في محاربتها للإرهاب والفكر المتطرف، إلى عبء للقائمين عليها، خاصة أن الجزء الثالث من مسلسل “الاختيار” الذي عرض العام المنقضي أحدث ردود أفعال بعضها لم يكن إيجابيا، حيث تعرض لدور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إزاحة نظام حكم الإخوان عن مصر.

وحاول البعض من الفنانين التخلي عن عباءاتهم السابقة التي ربطتهم بالنظام المصري من خلال تجسيد أدوار شخصيات أمنية وسياسية معاصرة، وبدا كأن هناك تنميطا فنيا يسيطر عليهم فلجأوا هذا العام إلى التخلي عن الأدوار الأمنية والسياسية وزيادة المراوحة الفنية، فالفنان أمير كرارة الذي جسد في السابق شخصية رجل الأمن والبطل العسكري المغوار في مسلسل “كلبش” و”الاختيار”، هذا العام خرج من قيود أدواره السابقة ليقوم ببطولة “سوق الكانتو” ومعه مي عزالدين وتدور حلقاته في إطار أحداث تاريخية زمن الاحتلال البريطاني لمصر، والمسلسل مصنف على أنه ذو طابع اجتماعي ورومانسي.

هذا الشيء نفسه الذي فعله الفنان ياسر جلال الذي لعب دور السيسي في مسلسل “الاختيار – 3” العام الماضي، وحينها قيل إنه سيعتزل التمثيل نهائيا ونُسجت حكايات عديدة ومثيرة، أحسنها ذهبت إلى أنه لن يجيد تمثيل أدوار أخرى إلا في إطار ضيّق باعتبار أن البعض من المشاهدين يربطون بين الفنان والشخصية التي يجسدها، فبعد أن جسد ياسر جلال دور الرئيس السيسي من الصعب أن يلعب شخصية خارجة على القانون مثلا.

لكن الممثل فاجأ الجمهور هذا العام وشارك في بطولة مسلسل “علاقة مشروعة” والاسم له دلالته أيضا، واختار جلال المسلسلات الاجتماعية -الرومانسية المقبولة ولم يخرج عن النسق العام للصورة الذهنية التي أخذت عنه بعد مسلسل “الاختيار – 3” في دور السيسي، كمحاولة للعودة التدريجية إلى الأدوار الطبيعية، لأنه يدرك جيدا أن أول عمل له بعد “الاختيار” ستتم متابعته بدقة لاستكشاف ياسر جلال الفنان وقدرته في الخروج من العباءة السابقة.

وإذا كان مضمون الكثير من الأعمال يشير إلى التنوع والتعدد وعدم التقيد بشكل واحد في الدراما المصرية، فإن نمطية بعض الفنانين المصريين وتمسكهم بما حققوا من نجاحات سابقة فرضا عليهم تكرارها بطريقة مختلفة، فالفنان عمرو سعد الذي برع العام الماضي في مسلسل “ملوك الجدعنة” مع مصطفى شعبان يكرر الفكرة مع اختلاف الدور والسياق العام للأحداث في موسم رمضان الجاري من خلال مسلسل “الأجهر”.

بين منى ونيللي

كذلك الممثل مصطفى شعبان الذي نجح الأعوام الماضية في أدوار البطل الشعبي الذي يهزم خصومه بالحيل، يعود هذا العام في مسلسل “بابا المجال” الذي يلعب فيه دور تاجر سيارات يهيمن على السوق مستفيدا من خفة ظله وقدراته الحركية وألاعيبه.

وكل ممثل أو ممثلة من حقه أن يوظف مناطق البراعة التي يتميز بها، لكن التكرار يمكن أن يحوله إلى آلة يصعب تغيير تروسها لاحقا، وهو ما حاولت فنانة مثل منى زكي أو نيللي كريم مثلا تلافيه، فالأولى قدمت العام الماضي مسلسل “لعبة نيوتن” وطرحت فيه قضية الطلاق الشفوي وأهمية توثيقه التي تشغل بال الرئيس السيسي، وكشف العمل مخاطر هذه القضية بدقة ونجح في توصيل المغزى الاجتماعي والديني.

تصحيح واقع الدرما

هذا العام تتناول منى زكي فكرة أخرى مكملة لها من زوايا أرحب في مسلسل “تحت الوصاية”، وهي قضية اجتماعية تهم الرأي العام في مصر، حيث تخضع المرأة لسيطرة كبيرة من الزوج، ما يؤدي إلى صدامات وخلافات طويلة، ومهما حدث من غسيل ديني واجتماعي للعقل يظل رافضا للوصاية.

أما بالنسبة لنيللي كريم فقد خطت هذا العام خطوة بعيدة عن الأدوار التي قامت بها، وبعضها اتسم بقالب اجتماعي كئيب أو مرير للمرأة، كما حدث العام الماضي في مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي عالج حيرة المرأة وأولادها بعد الطلاق، وفي موسم رمضان الجديد تؤدي دور البطولة في مسلسل “عملة نادرة” ويدور حول سيدة من الصعيد (سكان جنوب مصر) ترفض الاستسلام لحرمانها من الميراث.

وتساعد مسألة التنوع في المسلسلات الفنان على إظهار مواهبه، كما تساعد الدراما برمتها على عدم حصرها في قالب واحد يضعفها في النهاية ويؤدي بها إلى التراجع، وهو ما تحاول الدراما المصرية تصحيحه هذا العام، فالجرعة المقدمة تطرق مجالات عدة، ويصعب القول إنها موجهة نحو قضية معينة، وهذا كان أحد أسرار الدراما المصرية سابقا وعنصرا مهما في قوتها وانتشارها.

التنوع جاء لإرضاء الأذواق العربية وسد الثغرات التي تجدها الدراما المنافسة الصاعدة بقوة للتغلغل منها نحو الجمهور

ويستكمل الفنان أحمد مكي نجاحه السابق في مسلسل “الكبير أوي” ويقدم الجزء السابع هذا العام، كما يعود أحمد أمين في مسلسل “الصفارة”، وهما في مقدمة الأعمال التي سيختبرها الجمهور اعتمادا على الثقة في قدرات مكي وأمين.

وواجهت الدراما المصرية خلال الأعوام السابقة لوما بسبب تجاهلها للقضايا الدينية ومن ثم عدم اكتراثها بها، فجاء الرد على اللائمين هذا العام بمسلسل “رسالة الإمام” ويدور حول مقتطفات من سيرة ومسيرة الإمام الشافعي، وهو من بطولة الفنان خالد النبوي. والمقصود من هذا العمل حض الناس على التسامح ومواجهة التيارات المتطرفة وتفنيد جزء من آرائها الدينية المشوهة.

عندما يصبح تناول الشخصيات التاريخية مفيدا في الحاضر وتصل الرسالة المطلوبة إلى الناس يكون العمل قد حقق هدفه، ففي مسلسل “سره الباتع” بطولة أحمد السعدني وحسين فهمي وإخراج خالد يوسف توليفة مثيرة تربط الماضي بالحاضر، لاسيما إذا قدمت بطريقة فنية جذابة، ما يعني أن التاريخ الاجتماعي لمصر حلقات يجر بعضها بعضا.

وفي الوقت الذي حرص فيه البعض من الفنانين على تغيير جلودهم وتوسيع نطاق الأعمال التي يقومون بها لا يزال الممثل محمد رمضان مقيّدا بفكرة البطل الخارق، حيث يقدم هذا العام “جعفر العمدة” على الرغم من أن مسلسله العام الماضي “المشوار” كان أضعف الأعمال التي قدمها في السنوات الماضية، وقد يكون مسلسله الجديد متقنا بعد عودة التعاون بين رمضان والمخرج محمد سامي، لكن مشكلة محمد رمضان لا تزال قائمة، فهو لم يخرج بعد من أدوار القوة المفرطة والبطل المغوار الذي ينتصر للخير.

وتدخل ياسمين عبدالعزيز اختبارا كبيرا هذا العام بعد تجربة تعاونها الجديد مع زوجها الفنان أحمد العوضي في مسلسل “ضرب نار”، بعد نجاح المسلسل الذي جمعهما خلال رمضان الماضي وحمل عنوان “الي مالوش كبير”.

وقد يكون هذا العام آخر اختبار للفنانة ريهام حجاج بمسلسل “جميلة” والتي تصر على البطولة المطلقة في أعمالها، على الرغم من محدودية ما تحققه من نجاحات فنية في الأعمال السابقة.

ويحدد مدى نجاح موسم رمضان هذا العام وما يحويه من أعمال تتطرق إلى قضايا مختلفة موقع الدراما المصرية على الخارطة العربية، والتي لم تعد محصورة في ما يقدم من أعمال من خلال المحطات الفضائية، حيث تلعب المنصات دورا مؤثرا لصالح أصحابها ورعاتها بعد أن نجحت في استقطاب شريحة كبيرة من الجمهور، جعلتها تنتج أعمالا خصيصا لها تعتمد على السرعة والعمق والتخلي عن الملحمات الدرامية.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية