"قواتنا انتهت من السيطرة بالكامل على طول الحدود مع سوريا، تمّ تطهير الجزيرة في نينوى والأنبار، والانتهاء من تحرير جزيرة الموصل والرمادي، والسيطرة بالكامل على طول الحدود مع سوريا، الانتصار تحقق بالوحدة عندما توحّد العراقيون لمواجهة عدوّ غادر، أراد ألا نرى هذا اليوم وإعادتنا إلى الفترات المظلمة".
يبقى التناقض المحلي داخل سوريا والعراق محفزاً إضافياً لعودة التنظيم وتوفير بيئة خصبة لعودة هذا الخطر
بهذه العبارات المغرقة في التفاؤل والزهوّ، أعلن حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي السابق، في كانون الأول (ديسمبر) العام 2017، الانتصار على "داعش" واستعادة الأراضي العراقية التي سيطر عليها التنظيم، أعقب ذلك تطورات ميدانية جرت في المشهد السوري، بفعل جهد جبار لقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أمريكياً، أفضت إلى حصار تنظيم داعش وطرده من كافة المناطق السورية التي سيطر عليها في السابق، وتركه مخنوقاً في جيب محدود في دير الزور وشرق الفرات.
اقرأ أيضاً: القبض على أحد قادة داعش الكبار.. تعرّف إليه
تزامن مع تلك التطورات غياب ملحوظ وطويل لرسائل قيادات داعش، سواء الخليفة المزعوم، أبو بكر البغدادي، الذي تضاربت الأنباء بشأن مقتله أو إصابته بالشكل الذي أدى إلى عدم قدرته على الوفاء بمتطلبات إدارة التنظيم، وقيادة معاركه اليائسة فيما تبقى له من جيوب، أو على مستوى ظهور باقي القيادات.
لوحظ أيضاً تراجع القدرات الإعلامية للتنظيم؛ حيث كان الإعلام أحد أهم الأدوات التي صنعت صعوده وساهمت في رفده بمزيد من المتطوعين والجنود.
خسر التنظيم جلّ الأراضي التي سيطر عليها، إذاً، وتخفف من عبء إدارة مناطق سكانية بما تستبعه من تجييش وتعبئة موارد وطاقات، بعيداً عن ساحات القتال.
اقرأ أيضاً: العلاقة الموضوعية بين تركيا وداعش
عسكرياً؛ بدا أنّ التنظيم تراجع من موقع التمركز في مناطق وإدارة ما يشبه الدولة، إلى الانحياز للصحراء؛ فهل يعني ذلك أنّ خطر التنظيم قد تراجع؟
حقيقة الأمر؛ أنّ التنظيم أصبح أخطر، وأقدر على إثارة الفوضى، بالنظر إلى العديد من العوامل أولها؛ أنه منطقة الشرق الأوسط ما تزال هي المنطقة المترعة بالقلاقل والتناقضات والفوضى، وهي البيئة التي خلقت التنظيم في السابق وصنعت صعوده.
وما يزال العراق منقسماً سياسياً، وغير قادر بناء نظام حكم راشد وعادل، وما يزال غول الطائفية ينهش قراراته.
وما يزال مستقبل سوريا مفتوحاً على العديد من الاحتمالات، حتى بعد تحرير مساحات واسعة من سلطة التنظيم واستعادته السيطرة على العديد من المناطق، وتجاوزه مرحلة الخطر إلى حد طرح مسألة عودة سوريا في جامعة الدول العربية.
اقرأ أيضاً: داعش يعتمد على هؤلاء بالدفاع عن آخر جيوبه
لكنّ تناقض أجندات الفاعلين في الساحة السورية، سواء دولياً فيما تمثله أمريكا المنسحبة بعصبية وتشنج، أو روسيا التي تبني القواعد وتوسع مناطق نفوذها، أو إقليمياً؛ حيث تركيا التي تقاتل قوات سوريا الديمقراطية، أكثر الأطراف جدية في مواجهة التنظيم، والتي نجحت في إنهاء خطر التنظيم عسكرياً، وطرده من العديد من الأراضي التي سيطر عليها في السابق، وإيران التي تصرّ على الاستقرار في سوريا بشكل دائم، والتأكد من تحويلها إلى فناء خلفي لقرارها كما فعلت في العراق، الأمر الذي سيخلق ثغرة اضطهاد جديد للمكون السنّي في سوريا مع العراق، وبالتالي يخلق مظلومية يستطيع التنظيم من خلالها تحصيل الولاء وبناء التحالفات اللازمة، كي يعود من جديد أقوى مما كان، خصوصاً مع ما نراه من تمكين للحشد الشعبي في العراق، ومحاولة صناعة حشد شعبي جديد فى سوريا، ليكتمل طرفا الكماشة الإيرانية.
وفي النهاية؛ يبقى التناقض المحلي داخل سوريا والعراق محفزاً إضافياً لعودة التنظيم وتوفير بيئة خصبة لعودة هذا الخطر.
اقرأ أيضاً: تنظيم داعش الإرهابي يتوعد.. هذا ما قاله
ما أتصوره؛ أنّ التنظيم قد يكون زهد في تلك المرحلة في هدف استعادة المناطق، وهضم ربما نصيحة أبو مصعب السوري الذي ربما احتل مكانه الآن داخل قيادة التنظيم؛ حيث كانت نصيحته للقاعدة ومجموعاتها، بعد الهزيمة في أفغانستان، ودحر ولاية طالبان الحاضنة الأهم للتنظيم، هو الدعوة لتشكيل ما سماه "سرايا المقاومة الإسلامية العالمية"، التي تعني توزّع عناصر التنظيم إلى مجموعات قتالية صغيرة، ومجموعات إعلامية ومجموعات تجنيد وتمويل، وهو الخيار الذي يبدو أنّ التنظيم قد لجأ إليه بالفعل؛ حيث انخرط في خطة إعادة هيكلة وتموضع في الساحة الدولية، في كلّ الجيوب التي ما يزال يحظى فيها بوجود، جاعلاً خطته ترميم جيوبه التنظيمية وتوزيع جهد عناصره بين العمل تحت ما يسمى "شوكة النكاية"؛ وتعني اللجوء لتنفيذ عمليات نوعية بعد الإعداد الكافي لها من انتحاريين وانغماسيين، يحرص التنظيم في تلك المرحلة على أن يكونوا من المجندين الجدد، وهو ما يفسر ربما لماذا تراجعت عمليات التنظيم.
يهدف داعش لإعادة ترميم شبكاته الإعلامية وإعداد ما يسمى "مؤسسة الفرد الواحد الإعلامية" ليلمع صورة التنظيم ويجند الأتباع
كما يهدف التنظيم إلى إعادة ترميم شبكاته الإعلامية، وإعداد ما يسمى "مؤسسة الفرد الواحد الإعلامية"؛ التي تعني إنشاء منصات إعلامية تحت عناوين مختلفة، تعتمد على تدريب وتأهيل فرد واحد لينهض بأكثر من دور، بما يوحي أنّ التنظيم ما يزال قادراً على إطلاق مؤسسات إعلامية جديدة بموارد بشرية كبيرة، وهو ما يساهم في تحسين الصورة الذهنية للتنظيم من جهة، ويمكن من تجنيد مزيد من الأتباع، خاصة أنّ التنظيم يعاني تراجعاً في التجنيد، لكن يبقى أن تلك الأعداد التي يستطيع تجنيدها ما تزال قادرة على صناعة فوضى واسعة، خصوصاً مع تلك العناصر الجديدة داخل أوروبا، التي يمكنها اللجوء إلى تقنية الذئاب المنفردة، وتنفيذ عمليات غير مسبوقة، وبوسائل مختلفة.
قد يكون حلم الخلافة تراجع، نعم، لكن تبقى تلك الشهور التي سيطر على التنظيم فيها الشعور بالزهو والانتصار، تؤمّن مادة دعاية للحديث عن "دولة الخلافة" التي كانت في طريقها لتأمين السمن والعسل، لكن "قطع الطواغيت طريقها"، كما يدّعي التنظيم في دعايته.
اقرأ أيضاً: هل ستبعث الطائفية في العراق تنظيم داعش من تحت الرماد؟
من يعرف التنظيم يدرك أنّه قد يكون صحيحاً أنّ قدراته العسكرية والإعلامية تراجعت، لكن الأيديولوجيا ما تزال حية، وقادرة على ترميم بنى تنظيمية جديدة، تستفيد من الفجوة التاريخية في الإيقاع بين أداء الأنظمة السياسية والدول وأداء التنظيمات الراديكالية.
بهذا المنطق، ولكل ما ذكر؛ لا أتصور أنّ خطر التنظيم تراجع، إذا كنا نتحدث عن قدراته في إثارة مزيد من الفوضى، وهزّ استقرار المجتمعات، سواء داخل دول الشرق الأوسط، أو حول العالم.