حصاد الانفراد بالسلطة: 7 أخطاء أطاحت بحركة النهضة الإخوانية في تونس

حصاد الانفراد بالسلطة: 7 أخطاء أطاحت بحركة النهضة الإخوانية في تونس


23/09/2021

ما حدث في تونس كان نتيجة متوقعة أقرب إلى الحتمية، فرفض الشارع والجماهير التونسية للإخوان وكذلك الكثير من الأحزاب السياسية لم يكن وليد اللحظة ولا مؤامرة خارجية؛ بل هو حصاد لتراكم الأخطاء السياسية الفادحة التي وقع فيها راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإخواني، من المعروف أنّ الحياة السياسية في تونس مرت بعد رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بمجموعة من التحديات، منها مدى تقبل التيار الإسلامي المتمثل في النهضة لعمليات التحول من تيار سري إلى حزب علني، من سجناء إلى حكام ومشاركين في صنع القرار، من دعاة ووعّاظ الى سياسيين، وقدرتهم على الاندماج في العملية السياسية تحت مظلة وطنية.

رفض الشارع والجماهير التونسية للإخوان ومعهم الكثير من الأحزاب السياسية لم يكن وليد اللحظة

مع بداية ما عُرف بـ"بثورة الياسمين"؛ وتيار الإخوان المسلمين في تونس ممثلاً في "حزب النهضة" يسيطر على الرأي العام والشارع التونسي، مرتكزاً على الزخم الإعلامي للجماعة الأم، وعلى قدرات التنظيم الدولي بتقديمهم لأوروبا كبديل شعبي آمن للحكومات السابقة، تزامناً مع مشروع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي يعتمد على فصائل الإسلام السياسي في تنفيذ أجندته في المنطقة، وبعد أحداث حزيران (يونيو) 2013 بمصر وتصدع المشروع، قرر راشد الغنوشي الانسحاب تكتيكياً، وعدم مزاحمة الأحزاب في الانتخابات التشريعية العام 2014، وتهدئة الرأي العام التونسي، تمكن حزب "قلب تونس" في ظل قايد السبسي من الوصول إلى الحكم، حتى وفاته في العام 2019 ، بعدها بدأ الصراع على من يخلفه في الحكم، ونشبت الخلافات بين الرفاق مما سمح للإخوان بالعودة للواجهة السياسية مرة أخرى.

عاد حزب النهضة، بوجه أكثر صرامة وبانتصار مزيف، خيل للإخوان أنهم تمكنوا من الدولة أخيراً، وأنّهم تجاوزوا مرحلة الخطر، تولى راشد الغنوشي منصب رئيس البرلمان، وهو منصب شديد الحساسية نظراً للصلاحيات التي حصل عليها في دستور 2014، الذي قلص صلاحيات الرئيس بشكل مبالغ فيه، ووضع قيادة الدولة في يد ثلاثة؛ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، بعد فقد الإخوان لمنصب الرئيس في 2014 بخسارة المرزوقي، قرر حزب النهضة دعم الأستاذ الجامعي "قيس سعيّد" والمستقل في الانتخابات الرئاسية ضد السياسي نبيل القروي رئيس حزب "قلب تونس" ظناً منهم أنّهم يستطيعون احتواءه.

 تعلن الحركة أنّها مع دولة القانون لكنها لا تؤمن بفصل الدين عن السياسة، تزعم أنّها حركة تونسية ورئيسها عضو في التنظيم الدولي للإخوان!

بعد صعود حزب النهضة وسيطرته على البرلمان، حاول تكليف شخصيات إخوانية برئاسة الحكومة، واحتفظ بعدد وافر من الحقائب الوزارية للحزب، كانت اللحظة التاريخية التي يعود فيها الإخوان للمقاعد الأمامية للحكم من أخطر اللحظات التي مرت على العالم نظراً لاجتياح وباء كوفيد 19، تسبب سوء إدارة قيادات النهضة للدولة وتحدياتها والنظر لمصالحها الضيقة، سبباً كبيراً في تفاقم الأزمات الاقتصادية، التي انفجرت في شكل مظاهرات قابلها الإخوان بالاستنكار والاتهام والتحدي، ثم استمرت طريقتهم في الاشتباك مع قضايا الوطن بمنظور الجماعة السرية التي تحمل الحق والخير للناس، حتى وصل الحال إلى انفجار شعبي ضخم اجتاز عدة مدن مما يهدد سلامة الوطن والمواطنين، للوصول إلى لحظة الانفجار، ارتكب حزب النهضة وزعيمه راشد الغنوشي سبعة أخطاء سياسية كالتالي:

الخطأ الأول: الاستهانة بالغضب الشعبي

استهان حزب النهضة بتزايد الغضب الشعبي ضدهم وضد الحكومات الموالية لهم، بل اتهموا المحتجين والمتظاهرين أنهم عملاء وممولين من الخارج، والمفارقة أنها هي ذات التهم التي كان النظام السابق يتهم النهضة بها، كما لم يحترم النهضويون غضب عموم التوانسة، ولم يحاولوا إيجاد حلول منطقية للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها البسطاء، متناسين أن ما أحضرهم من الخارج وأجلسهم على كرسي الحكم هو غضب الشعب على الحكام السابقين عندما استهانوا بمطالب الشعب البسيطة.

كما يمكن القول إنّ أعضاء حزب النهضة لم يلتزموا بوعودهم الانتخابية مثل تحقيق التنمية في البلاد، بالعكس تزايدت نسب الفقر والبطالة والجريمة في البلاد، في فترة حكمهم لتونس وحتى اليوم.

الخطأ الثاني: تعمد إحراج رئيس الجمهورية

في صراع النهضة مع كافة مكونات الحالة السياسية التونسية، استقر في وجدان الإخوان (النهضة) أنّهم تمكنوا من مفاصل البلد، ومع انتشائهم بالسلطة تبنوا خطاباً تصعيدياً ضد رئيس الجمهورية قيس سعيّد والإصرار على تجريده من صلاحياته الدستورية وعزله (نظرياً) في خانة رئيس رمزي في نظام برلماني، يفرز الكتلة الأكبر كسلطة حاكمة يديرها رئيس مجلس الوزراء بصلاحيات حكومية مطلقة.

بدل البحث عن حلول مجتمعية لمواجهة التحديات انصرف النهضويون لمزيد من المعارك مع رئيس الدولة

فتعمّدوا إحراجه سواء في التعديل الوزاري أو في اختيار بعض الوزراء أثناء تشكيل الحكومة، وكان إصرار هشام المشيشي رئيس الحكومة بإقالة توفيق شرف الدين وزير الداخلية المقرب من الرئيس التونسي والذي يمثل حصة الرئاسة الوحيدة فى الحكومة، المسمار الأخير في علاقة النهضة بمؤسسة الرئاسة.

يضاف إلى ذلك اتصالاته المستمرة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطريقة تفتقر إلى الدبلوماسية الحكيمة وتتجاوز التراتبية الحكومية والاتفاق على قضايا ليست من صلاحياته، وإنما من مهام رئيس الدولة أو ورئيس الحكومة.

 الخطأ الثالث: تعطيل تشكيل المحكمة الدستورية

حرص حزب النهضة بكل الطرق إلى تعطيل تشكيل المحكمة الدستورية عبر نوابه في البرلمان، لخدمة مصالحه الحزبية وليس وفق مصلحة البلاد، وقد جرى تعطيل تشكيل المحكمة أكثر من مرة، كان أبرزها معارضتهم عضوية الدكتورة سناء بن عاشور أستاذ القانون بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، فقط لأنها كتبت العديد من المقالات التي تنتقد فيها أداء حزب النهضة، كما تعمدوا الغياب في كل جلسات التصويت على أعضاء المحكمة الدستورية حتى لا يكتمل النصاب القانوني لاختيار 12 عضواً، وتتعدد التفاسير حول إصرار النهضة على تعطيل تشكيل المحكمة الدستورية؛ هل لمحاصرة الرئيس سعيد أكثر والحد من صلاحياته أكثر، أم الخوف من قيام المحكمة بالنظر في كافة القضايا المعلقة التي تنتظر حزب النهضة، مثل التمويل الخارجي و طبيعة علاقة النهضة بالتنظيم الدولي للإخوان.

الخطأ الرابع: إعادة تشكيل التنظيم السري العسكري

أسست حركة النهضة تنظيماً مسلحاً سرياً، وقد أقرت قياداته في العام 1989 استراتيجية للعنف من أجل الوصول إلى الحكم، تحت شعار (لا بد للفكر من ذراع يحميه) ارتكب هذا التنظيم جرائم في العام 1991، راح ضحيتها العشرات من الأبرياء من الشعب التونسي أشهرها حادثة باب السويقة، ثم اختفى عناصر التنظيم بعد الملاحقات الأمنية.

 تجدد عمل التنظيم مع عودة الإخوان للشارع بعد 2011، وبعد اغتيال الناشطين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، العام 2013، تفجّرت قضية الجهاز السري لحركة النهضة، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن الناشطين، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة لجهاز سري هو امتداد للتنظيم السري القديم، وهو جهاز أمني موازٍ للدولة، متورط في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم حزب حركة النهضة.

اقرأ أيضاً: تونس تولد من جديد

 وفي العام 2018، توصل قاضي التحقيق المكلف بتناول الملف، إلى براهين تؤكد تورط صهر راشد الغنوشي المدعو عبد العزيز الدغسني في "عملية إنشاء جهاز خاص بالإخوان يتولى تصفية الخصوم"، وكان هناك محاولات مستميتة من النهضة لإغلاق ملف هذه القضية بأي ثمن، ورغم سرية التحقيقات إلا أنّ تلميح الرئيس التونسي بأنّ الدولة فقط من يحق لها حمل السلاح حمل إشارة لوجود هذا التنظيم غير القانوني.

الخطأ الخامس: التهديد بإقالة الرئيس

في ظل فشل الحكومات الإخوانية أو الموالية للنهضة، وبدلاً من البحث عن حلول مجتمعية لمواجهة التحديات، انصرف النهضويون لمزيد من المعارك مع رئيس الدولة، ففي البرلمان حاول أعضاء النهضة السير في إجراءات إقالة الرئيس التي تستلزم موافقة المحكمة الدستورية غير المشكلة.

الخطأ السادس: التدخل في ليبيا

أما الجريمة الكبرى لحركة النهضة هي ما اقترفته بشأن ليبيا، الجارة العربية، التي تأذت بسبب تمكن حركة النهضة من مفاصل الدولة في تونس، وتواجدها على رأس دوائر صناعة القرار، وهو ما جعلها تقدم الكثير من التسهيلات للميليشيات المسلحة التي تهدد أمن وأمان ليبيا، ولذلك كانت مساهمة حركة النهضة كبيرة جداً في تسهيل عمل تركيا في ليبيا وسهلت، خلال فترة حكمها للبلاد، مرور المسلحين والمتطرفين إلى ليبيا عبر الأراضي التونسية، كما عبرت الأسلحة من حوض البحر المتوسط إلى ليبيا.

الخطأ السابع: عدم قطع الصلة بتنظيم الإخوان الدولي

اتسمت حركة النهضة بحالة انفصام واضحة، فهي تؤمن بالشيء ونقيضه، وتعلن عن شيء وتأتي عكسه تماماً، فعلى سبيل المثال تدعو لإرساء الديمقراطية وتبادل السلطة، في حين أن راشد العنوشي يقود الحركة منذ العام 1972 وحتى الآن، ولا يقبل وجود شركاء في اتخاذ القرار، يدّعون أنّهم يؤمنون بحرية الرأي ولا يطبقونها، بل يطاردون المعارضة ويتهمونها بكل ما يمكن الاتهام به، تعلن الحركة أنّها مع دولة القانون لكنها لا تؤمن بفصل الدين عن السياسة، تزعم أنّها حركة تونسية ورئيسها عضو في التنظيم الدولي للإخوان!

اقرأ أيضاً: ماذا سيفعل جناح "النهضة" السري بعد قرارات الرئيس التونسي؟

كل ما سبق يؤكد أن دمج فصائل الإسلام السياسي في العملية السياسية الوطنية، أمر محكوم عليه بالفشل، وأن قدراتهم على إدارة الدولة أقل بكثير مما يدعون، لعله من المفيد أن نذكر أنّ النهضة في حسابات فصائل الحركات الاسلاموية حركة تقدمية جداً وواعية جداً، ورغم ذلك ارتكبت في أقل من عامين كل تلك الخطايا السياسية التي لن تقضي على مستقبلهم السياسي فحسب، بل كان من الممكن أن تقضي على تونس ذاتها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية