"الهول" السوري.. حكاية أخطر 3 آلاف دونم في العالم كمخيم لجوء

حكاية أخطر (3) آلاف دونم في العالم كمخيم لجوء

"الهول" السوري.. حكاية أخطر 3 آلاف دونم في العالم كمخيم لجوء


19/06/2023

هل هناك ما هو أخطر من أرض الحروب والمعارك والنار؟

الإجابة ليست مهمة كثيراً، بما أنّ مجرد طرح السؤال له دوافع وأسباب مغرقة في الخوف والشك، فالحروب التي تنمو أسبابها ببطء وهدوء تكون عادة أكثر الحروب شراسة وفتكاً وعنفاً، ولكي لا نبتعد كثيراً في المقدمات، فالمكان هو مخيم الهول السوري، والزمان متعدد الأبعاد بين ماضي سكانه القريب حين ولد أطفاله وتشربت نساؤه فكراً دموياً يحبس الأنفاس، وبين حاضر هذا المخيم الذي بات المجتمع الدولي متأكداً من خطورته، وبين مستقبل يخلق دوامة من القلق والخوف من أن يعيد سكانه تشكيل داعش على نحو أصعب ممّا كان عليه التنظيم.

مقررة الأمم المتحدة المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان: أكثر من (850) ألف فتى يعيشون في بيئة المخيم منزوعة الحقوق والتعليم والصحة، والسؤال الذي قد يثير الذعر هو حول الطبيعة التي يمكن أن يتشكل بها وعي هؤلاء

تقول المؤشرات والتقارير ما لا يرغب أن يسمعه المجتمع الدولي، لعل أبرز تلك التقارير التي تقول: إنّ المخيم هو أخطر مخيم في العالم، وتلك التي تروي قصصاً مروعة تحدث فيه على شكل قتل وعنف، وتقارير أخرى تصفه برائحة الدم التي تزكم أنف المجتمع الدولي.

في المخيم أكثر من (37) ألف أجنبي، وهذا رقم ورد في إحاطة رسمية قدمتها مقررة الأمم المتحدة المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان (فيونوالا أولين) أمام لجنة حقوق الطفل قبل شهرين تقريباً، ومن أبرز التفاصيل التي ذكرتها أنّ أكثر من (850) ألف فتى يعيشون في بيئة المخيم منزوعة الحقوق والتعليم والصحة، والسؤال الذي قد يثير الذعر هو حول الطبيعة التي يمكن أن يتشكل بها وعي هؤلاء، وبماذا يمكن أن تتأسس عليه ذاكرتهم في محيط اختبر العنف والتطرف ومارسه إلى أقصى حد، وتبنّي الإرهاب كيقين.

المخيم هو أخطر مخيم في العالم

وبحسب منظمة الأمم المتحدة (اليونيسف)، يتواجد أيضاً في المخيم (22) ألف طفل من (60) جنسية موصومين بالعار بحسب تعبير تقرير للمنظمة، عار الإرهاب والتطرف والعنف، وربما لهذا السبب ترفض لغاية الآن كثير من الدول استعادة رعاياها، فقد وصموا بهذا العار وتشربوا الفكر المتطرف ومارسوا سلوك العنف، وربما تشعر هذه الدول بأنّ هؤلاء الرعايا بحكم الأموات، على الأقل موت الضمير والقلب والشعور بالإنسانية، وأنّه لا أحد يمكنه أن يصدق الأموات.

وفي المؤتمر الذي انعقد مؤخراً في بغداد، بحضور مسؤولين أمميين ودوليين، وكانت مادة نقاشاته وحواراته الرئيسة حول مخيم الهول، تم تصنيفه في نهاية المؤتمر على أنّه مصدر من مصادر الإرهاب، وجرح مفتوح خلفه الصراع في سوريا، على مدار (12) عاماً، واعتبرت الدولة المضيفة للمؤتمر أنّ تصفية المخيم وحسم ملفه مصلحة وطنية كبرى للعراق، لكنّ المصلحة تتوسع كلما شعرت دول المنطقة والعالم بأنّ هذا المخيم بمثابة اختار حقيقي لجدية المجتمع الدولي في التخلص من داعش وقطع جذورها كي لا تنمو من جديد.

العراق المستضيف للمؤتمر، الداعي لحسم ملف المخيم واستعادة الدول لرعاياها، هو نفسه لديه أكثر من (30) ألف مواطن، أغلبهم من الأطفال المتواجدين داخل المخيم، ممّا يجعله أول الدول دخولاً في رهان الحسم.

ربما لم يفت الأوان بعد، في سياق إعادة إنتاج سكان مخيم الهول وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، وفق ظروف جيدة ومناسبة لطبيعة نشأتهم ومعطيات ثقافتهم التي بدأت بالفعل بالنمو في وعيهم وأفكارهم وتشكل ربما خياراتهم في العيش والحياة.

الأطفال دوماً هم حكاية الدم الأرخص، هم الآن هذه الحكاية، لكنّ غداً مليء بالقلق من هذا الدم الممتلئ بالغضب على العالم والمجتمع، فالظروف الصعبة والحياة الأشد صعوبة من الاعتقال، والخيارات الحادة أمامهم، تدفع العالم للاستعداد بشكل مختلف للتعامل معهم بحسابات شديدة وخطيرة، فهؤلاء شمس داعش الباردة كما تقول (إندبندنت عربية)، لكنّ هذه البرودة ستمكث إلى حين، سرعان ما ستسخن أكثر وينضج جمرها الساكن تحت رماد داعش.

داخل المخيم (35) جهة أممية ودولية تعمل من أجل ضبط إيقاع المخيم أمنياً وخدماتياً، لكنّ تصريح مديرة المخيم (جيهان حنان)، يتحدث عن أنّ الأمن داخل المخيم فكرة مستحيلة بالنظر إلى المساحة الشاسعة للمخيم والتي تبلغ أكثر من (3) آلاف دونم.

لا يمكن التعامل وفق أحكام إنسانية فقط مع المخيم، هناك أحكام أمنية قد تكون مقدمة، وهذا ما يبرهن عليه تقرير أطباء بلا حدود الذي يورد إحصائية بأنّ النسبة الكبرى للوفيات داخل المخيم تحدث بسبب الجريمة

لا يمكن تجاهل أنّ نسبة حرجة من الأطفال داخل المخيم هم أيتام، بلا أب ولا أم، متروكين داخل مخيم لا تسيطر عليه أيّ دولة، ولا تستطيع أيّ جهة تنظيم شؤونه على نحو مناسب لنمو هؤلاء بطريقة سليمة، ودون أن يكونوا عبئاً ثقيلاً على العالم، وعلى دولهم ومجتمعاتهم في لحظة ما تقرر هذه الدول استرداد رعاياها، وهو أمل ضعيف، إذ إنّ استعداد هذه الدول لتحمل تكاليف عودتهم أمر ما يزال محلّ شك وقلق، وبطبيعة الحال، ليست التكاليف المادية هي المقصودة، وإنّما التكاليف المعنوية المتصلة بأفكارهم والمرتبطة بوصمة عار الإرهاب والتطرف.

 نسبة حرجة من الأطفال داخل المخيم هم أيتام

تتصرف الدول التي لديها رعايا في المخيم وفقاً لمنطق أمني بحت، المسألة الإنسانية ليست مقدمة على الأمن، ويبدو أنّ أغلب الدول ما زالت متوقفة عن التعامل مع هذا الملف، لأنّها تنتظر نصائح أمنية، كما تفعل أستراليا التي أعلنت منذ عام تقريباً على لسان رئيس الوزراء (أنتوني ألبانيز) الذي قال: إنّ الحكومة ستتصرف وفقاً لنصائح وكالات الأمن القومي.

أمّا منظمة أطباء بلا حدود، فهي من الجهات القليلة التي تتناول الموضوع من وجهة نظر إنسانية، حيث عنونت تقريراً لها بـ "بين نارين خطر ويأس في مخيم الهول"، وقال التقرير إنّ سياسات مكافحة الإرهاب حاصرت آلاف المدنيين في مخيم الهول في دائرة من الاعتقال غير المحدود، والخطر وانعدام الأمن، وقصد التقرير بعبارة بين نارين، قوى الأمن والمتطرفين.

لا يمكن التعامل وفق أحكام إنسانية فقط مع المخيم، هناك أحكام أمنية قد تكون مقدمة، وهذا ما يبرهن عليه تقرير أطباء بلا حدود الذي يورد إحصائية بأنّ النسبة الكبرى للوفيات داخل المخيم تحدث بسبب الجريمة، ويورد على لسان أحد سكان المخيم حول مسألة العودة قائلاً: "نحن قلقون بشأن العودة، حيث لم يعد لدينا منازل، ولا وظائف، نريد أن نغادر لكن لا نعرف إلى أين، وكل من غادر ذهب إلى مخيم، لا نريد المغادرة للذهاب إلى مخيم آخر."

أحد ساكني المخيم أيضاً علّق قائلاً: إنّنا هنا بلا مستقبل، إنّنا نخسر جيلاً كاملاً.

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات أممية من تزايد مخاطر مخيم الهول في سوريا لهذه الأسباب

هل لهجوم داعش على مخيم الهول علاقة بالحرب في أوكرانيا؟

"برميل بارود جهادي": مخيم الهول يجدد مخاوف عودة داعش



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية