القراءة في ليالي رمضان

القراءة في ليالي رمضان

القراءة في ليالي رمضان


26/03/2023

رضوان السيد

نحن في شهر القراءة بالدولة. وبالطبع القراءة لا تحتاج إلى مناسبة، لكنها لتشجيع الشابات والشبان، ولأنّ للقراءة معنًى خاصاً في هذا الشهر بالذات. أنا متعودٌ على القراءة في شهر رمضان، وأُعِدُّ للأمر عُدته، بمعنى أنني أطلب الكتبَ الجديدةَ وأجمعُها استعداداً لمجيء الشهر الكريم. في العادة أقرأ وأكتب في أكثر الأيام، لكن في شهر رمضان تغلب عليّ القراءة حتى السحور. ولا ينبغي الاستهانة بالأربع أو الخمس ساعات، فبسبب التعود والاحتراف، يمكن قراءة كتاب متوسط الحجم بشكلٍ سريع، أما الروايات التي تعتمد على التفاصيل فلا يمكن أن تُقرأ بسرعة. ورغم الإصرار على القراءة فهناك كُتَبٌ تدفعك للكتابة عنها بسرعة خشية النسيان أو رجاء الإفادة.

أول من أمس، وصلني كتابٌ عن شكلٍ من أشكال التفكير حول الدولة في العصور الإسلامية الكلاسيكية، عنوانه «مرايا الأمراء» في العصور الوسطى من تأليف لويز مارلو، وهي مختصة في أدبيات العصور الوسطى ذات المنحى القصصي والسياسي. وهذا الجنس الأدبي «مرايا الأمراء» هو تسمية أوروبية، بينما الاسم في المصطلح العربي: نصائح الملوك، وسمّاه أحد زملائنا الآدابيات السلطانية. وكنتُ قد صنّفت اتجاهات التفكير حول الدولة في القديم عبر خمس مدارس: مدرسة مرايا الأمراء (أو نصائح الملوك)، ومدرسة الفقهاء، ومدرسة الفلاسفة، ومدرسة المتكلمين، ومدرسة الإداريين. وتتوزع مؤلفات النصائح في ثلاث صِيغ: صيغة الكتاب ذي الفصول في الفضائل التي ينبغي أن يتصف بها السلطان، وصيغة الحكايات على ألسنة الحيوانات مثل كليلة ودمنة، وصيغة الرسائل أو العهود والوصايا بين الملك وأخلافه أو المعلّم مع الأمير مثل رسائل أرسطو إلى الإسكندر. والإشكالية في هذا النوع من المؤلفات استمرار السلطة واستقرارها. ولدى الفقهاء هي كتب في الفقه الدستوري. ولدى الفلاسفة كيف تُحقّق الدولة السعادةَ، ولدى المتكلمين الاستقامة العقدية، ولدى الإداريين الإدارة الصالحة.

وقد كتبت لويز مارلو عن عشرة مؤلفاتٍ في النصائح أو تعليم الأمراء، وترجمت بعض فصولها إلى الإنجليزية عن العربية والفارسية والتركية. ومنها الكتابان اللذان نشرتُهما للماوردي: تسهيل النظر، ونصائح الملوك. 

فنُّ النصائح ذو المنحى الأخلاقي قديم ومنه آثارٌ لدى اليونان والفرس والرومان والهنود. وقد تُرجم منه إلى العربية: من اليونانية «سرُّ الأسرار» المنحول والمنسوب لأرسطو، و«كليلة ودمنة» من الهندية إلى الفارسية فإلى العربية (وقد ترجمه ابن المقفع)، وكتب التاج من الفارسية. وبالعربية لدينا عشرات المؤلَّفات من هذا الجنس وهي مهداة إلى الحكام. وقد كُتبت دراساتٌ كثيرةٌ عن المضامين والأهمية، ونُشرت عشرات الكتب من هذا النوع باللاتينية في العصور الوسطى الأوروبية. ويريد بعض الباحثين اعتبار كتاب ميكيافيللي «الأمير» منها!

وبخلاف ما تذهب إليه لويز مارلو، فإنّ هذه الكتب يشيع فيها التقليد والتكرار، وتكثر فيها النقولُ نثراً وشعراً عن الفلاسفة الغابرين والملوك القدماء والأنبياء، وعن الشخصيات الإسلامية المشهورة، وهي جميعاً تدعو للعدل بين طبقات الرعية، وتعطي نصائحَ في الحرب والسلم. ويبدو أنها كانت لدى الهنود القدامى حكايات للإطراف، أما لدى الفرس فلدعم نظام الطبقات، وأما لدى العرب والمسلمين فهناك اهتمامٌ خاصٌّ بالعدل والاستقرار، وبعلاقات السلطة بالمثقفين والفقهاء.
هل هي كتابةٌ سياسيةٌ أم أخلاقية؟ إنها خليطٌ من الأمرين. ويظهر ذلك أيضاً في سياسيات الفقهاء والفلاسفة وبعض الإداريين.

وكنت أقرأ في كتابٍ ضخمٍ لأندرو هايوود عنوانه «السياسة»، صادر لأول مرة عام 1997 وما يزال يُطبع، فإذا هو يعقد فصلين في أول الكتاب: ما السياسة وما الأيديولوجيات السياسية، ووجدت فيهما الخليط نفسه الذي يظهر في كتب مرايا الأمراء بين السياسة والأخلاق، ومن المعروف أنهما بابان في الحكمة العملية عند أرسطو. 

عن "الاتحاد" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية