يونس السيد
تشهد الأزمة الأوكرانية، سباقاً محموماً بين التصعيد والدبلوماسية، تجاوز التحذيرات الأمريكية والأوروبية والتهديد بفرض عقوبات قاسية على روسيا في حال اجتياح قواتها لأوكرانيا، إلى المسارعة بإرسال شحنات الأسلحة إلى كييف وتزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، بينما لا تزال موسكو تنتظر الرد الغربي المكتوب على الضمانات الأمنية التى تطالب بها.
«هستيريا» التصعيد، التي تتجمع على حدود أوكرانيا وحولها، وتنذر بتمدد ارتداداتها إلى ما هو أبعد من ذلك، ناجمة عن فرضية أن «الغزو» الروسي لأوكرانيا بات أمراً واقعاً يمكن أن يحدث بين لحظة وأخرى، في وقت لا تزال مسارات الدبلوماسية مفتوحة بين كل الأطراف المعنية بالأزمة.
لكن هذه الأجواء المشحونة والمتناقضة تسببت في خلافات داخل التحالف الغربي؛ حيث لم يتردد المسؤولون الأوروبيون في الإعراب عن استيائهم من التصريحات الأمريكية التي تتحدث عن هجوم روسي وشيك، واتهامهم لواشنطن بالتهويل، بينما ظهرت الخلافات جلية داخل دول الاتحاد الأوروبي وبين أعضاء حلف «الناتو» ذاته.
وبينما دعا مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل الأمريكيين إلى «تجنّب اللعب بأعصابنا وردود الفعل المثيرة للقلق»، ردت واشنطن، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس بالقول: «نحن لا نرى الاختلافات التي تتحدّثون عنها». وأضاف أنّ «التهديد الذي نلاحظه ليس واضحاً بالنسبة إلينا فحسب، إنما هو واضح لجميع المراقبين»، مشيراً الى تواصل الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن مع القادة الأوروبيين لإعداد «الرد الخطي» على مطالب موسكو خلال الأيام القليلة المقبلة. ومع ذلك، فإن التصريحات الأمريكية لم تبدد غموض المواقف الملتبسة، داخل دول الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»؛ إذ إن موقف فرنسا، على سبيل المثال، من التفاوض مع موسكو يختلف كثيراً عن موقف بولندا ودول البلطيق وبعض الدول الأخرى إزاء ضم أوكرانيا بشكل عاجل إلى حلف «الناتو»، كما أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز أعلن صراحة أن «انضمام دول جديدة من أوروبا الشرقية إلى الناتو ليس على جدول الأعمال على الإطلاق في الوقت الحالي». كما أن التناقضات ظهرت داخل الدولة الواحدة، كما في ألمانيا حيث تُطرح التساؤلات حول من يقود السياسية الخارجية، المستشارية أم وزارة الخارجية؛ بل إن الاختلافات ظهرت إلى العلن في تصريحات قائد البحرية الألمانية عندما وصف فكرة «غزو» روسيا لأوكرانيا بأنها «حماقة»، واضطر إلى الاستقالة بعد أقل من 24 ساعة. وفي الوقت الذي طالب فيه الرئيس ايمانويل ماكرون
ب«خفض التصعيد» ودعا إلى اجتماع رباعي يضم روسيا وأكرونيا وألمانيا وفرنسا لبحث الأزمة الأوكرانية، تمضي واشنطن في سياسية التلويح بالقوة و«الردع» حيث واصلت إرسال شحنات الأسلحة، وأعلنت عن تأهب 8500 عسكري تحسباً لاحتمال نشرهم في أوكرانيا ودول أوروبية شرقية.
ومع افتراض أن كل ذلك يتم بهدف ممارسة المزيد من الضغوط على روسيا، وليس لأهداف أخرى، فإن هنالك فرقاً شاسعاً بين الحذر والتهويل الذي قد يقود إلى انفجار الوضع على نحو لا يمكن التكهن بنتائجه.
عن "الخليج" الإماراتية